18 ديسمبر، 2024 10:06 م

طالما هي حاضرة في أي لقاء بين اثنين، وصارت عفوية بحيث نكررها بين سكتة وأخرى، وكأنها تفيد استئناف فصول الترحاب، لكن “شلون الصحة”، أضحت ثقيلة على النفس، وتحمل في داخلها أوجاعا وهموما، فما يشغل العراقي ليس المرض وحده، وإنما صعوبة تعاطي العلاج.
ولعل أحد المندفعين والمدافعين، ينبري علينا بالرد : اكو مستشفيات حكومية!
لكن هل هذا المستشفى العام، يستوعب جميع المرضى؟
وهل يوفر العلاج المناسب للمريض من دون مقابل؟
وقفت مرة في طابور داخل مستشفى، ووجدت حالات تستدعي إجراء عمليات مستعجلة، لكن مواعيد المستشفى لاتسمح مباشرة، وعلى المريض أن ينتظر دوره في أحد الطابورين: طابور الموت، أو طابور غرفة العمليات !
اخترق أحدهم الصفوف، ودخل بالواسطة، فثارت ثائرة المنتظرين، قال أحدهم: تركنا لهم الفلوس، لكنهم يصرون على مشاركتنا بالعام.
علق آخر ” المرضى نوعان : عادي وسوبر، العادي يذل ويهان من أجل فرصة علاج”.
عمق ثالث في الحديث ” المريض العادي لا يأخذ حقه في العلاج الا إذا مرض الوزير”.
لم أفهم قصده، غير أن آخرحاول التعقيب وكأنه يريد التصحيح، لأنه بدأها بجملة إعتراضية : لا لا ، ثم أردف ” المريض العادي يأخذ حقه في العلاج، لما المرضى يكونون من الوزراء”.
ضحك أحدهم بسخرية وقال ” هو أكو وزير يراجع مستشفى حكومي”.
انسلخت من طابور النقاش، لأعود أدراجي، ملقياً ” الباص= تذكرة المراجعة ” في سلة المهملات.
سيدة عراقية، تعيش في السويد، في زيارتها الأخيرة للعراق، قالت لي أنها ملت الغربة، وتريد العودة، لكن بقاءها هناك لأسباب صحية، حيث حدثتني عن الرقابة الصحية التي تخضع لها، والمتابعة المستمرة، لضغطها وسكرها، والعمليات الكبرى التي أجريت لها بالمجان، هذه العناية التي لاتجدها في وطنها، جعلتها تتردد في إنهاء منفاها الصحي، كما تسميه، مستدركة : إذا مت، ممكن أن أدفن هنا، حيث تنتهي الحاجة إلى الدواء !
حالة آخرى، مستعصية، ورم في الرأس، لكن استئصاله يتطلب وقفة طويلة في طابور الانتظار، ما اضطر إلى إجراء العملية في مستشفى خاص بلغة الدفاتر، ودخل في معترك “العلاج الكيمياوي” بعد أن أظهر الزرع أن الورم سرطاني، وكان لابد من استنزاف كل مايملك لمواجهة “الخبيث “، الذي كان سلاحه الأمضى، تاركا أسرته تلملم وجودها وسط قهر الديون، والحكاية مستمرة …