19 ديسمبر، 2024 12:39 ص

شكوك ألتكوينيين حول نظرية التطور الدارويني-1:

شكوك ألتكوينيين حول نظرية التطور الدارويني-1:

في الحلقة الثانية من مقالات ” تكهنات بيولوجية لعام  2050 م” تطرقنا إلى بعض الشكوك  التي  يٌثيرها مناهضوا نظرية ألتطور من التكوينيين المؤمنين بالأديان ألإبراهيمية وهي:
إذا كان الإنسان تطوّر من القرد، لماذا لا نرى القرود الآن تتطوّر إلى بشر؟
في هذه المقالة سنحاول تفنيد بقية الشكوك المثارة ومنها:
 
–         هناك الكثير من الثغرات في السجّلات الأحفورية مما يجعل إثبات نظرية التطوّر مستحيلاً:
في الواقع العكس هو الصحيح. هنالك الكثير من الأحافير الوسيطة. الأركيوبتركس على سبيل المثال هو المثال الأقدم على الطيور الأحفورية التي تمتلك هيكل زواحف وكسوة ريش في نفس الوقت. اليوم هنالك بعض الأدلة على أن بعض الديناصورات كانت تمتلك شعراً وكسوة أيضاً (بعض الديناصورات هو سلف الطيور).
الترابسيد (نوع من الكائنات سابق على الديناصورات) هم الحلقة الوسيطة بين الزواحف والثدييات، التيتكاليك هو نوع منقرض من السمك ذات الزعانف المزدوجة التي تشكّل الحلقة الوسيطة نحو البرمائيات، هنالك الآن على الأقل ست أحافير مرحليّة تظهر تطوّر الحيتان، وفي ما يتعلّق بالبشر هناك على الأقل دزينة من الأحافير المرحليّة منذ تفرّع السلالات البشرية من سلالات القردة العظمى منذ ستة مليون عام.
وبالنظر إلى أنه من النادر أن تتحوّل نبتة أو حيوان ميت إلى مستحجرات أحفورية، من المذهل أن يكون لدينا هذا الكمّ من المستحجرات المتوافرة بين أيدينا. فأولاً على الحيوان أن ينجو من أنياب المفترسين، ثم عليه أن يُدفن في ظروف نادرة جداً لتسمح له بالتحوّل إلى مستحجرة بدل التحلّل، ثم على القوى الجيولوجية أن تخرج تلك المستحجرة بطريقة ما إلى السطح لكي يكون بالإمكان اكتشافها بعد ملايين السنين من قبل حفنة قليلة من علماء الأحفوريّات.
 
– إذا كان التطور حدث على مدار ملايين السنين، لماذا لا يظهر السجلّ الأحفوري تطوّرات تدريجيّة؟
التغيّرات المفاجئة في السجلّ الأحفوري لا تدلّ على غياب التدرّج بل هي دليل على أطوار التشكّل. الفصائل الحيّة تكون مستقرّة لفترات طويلة وتترك بالتالي الكثير من المستحجرات في الأرض خلال هذه الفترة. التغيّر من فصيلة إلى أخرى يحدث بسرعة نسبياً (بالمقاييس الجيولوجيّة التي تمتدّ لمئات ملايين السنين) في عمليّة معروفة باسم التوازن الدقيق punctuated equilibrium.
فصيلة واحدة يمكن أن تمهّد الطريق لفصيلة أخرى حين تنفصل مجموعة  “مؤسَّسة” وتصبح منعزلة عن المجموعة الأساسية. طالما بقيت هذه المجموعة التأسيسيّة صغيرة ومنعزلة، يمكن أن تختبر تغيّر سريع نسبياً (خاصة أن المجموعات الكبيرة مستقرّة من الناحية الجينيّة). التغيّرات الأكثر أهميّة تحصل بسرعة لدرجة أنه لا يوجد سوى القليل من الأحافير لتسجيلها.
لكن ما أن تحصل عمليّة التحوّل إلى فصيلة جديدة، يحافظ الأفراد على ميزاتهم لفترة طويلة، تاركين ورائهم العديد من الأحافير المحفوظة جيداً. بعد ملايين السنين يصبح لدينا سجلّ أحفوري يوثّق المرحلتين، المرحلة الأولى والمرحلة الثانية، لكننا نادراً ما نحصل على مستحجرات من المرحلة الانتقالية بينهما لأن التغيّرات الأساسية تحصل في الفترات القصيرة بين توازن وآخر. وبذلك يوثّق السجّل الأحفوري بشكل أساسي فترات طويلة من الاستقرار وتغيّرات شبه مفاجئة في البنية البيولوجية للكائنات الحيّة.
 
– لم ير أحد التطوّر يحدث بعينيه:
 التطوّر هو علم تاريخي مثبت بواقع أنه هنالك العديد من الأدلّة المستقلّة في ميادين علميّة مختلفة تجتمع عند هذه الخلاصة. البيانات المتوافرة من علوم الجيولوجيا، علم المتحجّرات، علم النبات، علم الحيوان، الجغرافيا البيولوجية، علم التشريح والفيزيولوجيا المقارنة، علم الجينات، البيولوجيا الجزيئيّة، البيولوجيا التطوّرية، علم الأجنّة، الجينات الجماعيّة، تسلسل الجينوم والعديد من العلوم الأخرى كلها تشير إلى خلاصة أن الحياة تطوّرت.
الخلقيون (اللذين يؤمنون بفرضيّة الخلق الدينيّة) يطالبون بـ”دليل أحفوري واحد على التطوّر”، لكن التطوّر لا يُبرهن عليه من خلال مستحجرة واحدة. التطوّر تبرهنه العديد من الأحافير، إلى جانب المقارنات الجينية بين الفصائل، والمقارنات التشريحية والفيزيولوجية بين الكائنات والعديد من الأبحاث العلميّة الأخرى. في الواقع يمكننا أن نرى التطوّر يحدث مخبرياً، خاصة في الكائنات الحية التي تخضع لضغوط بيئية كبيرة وتكون ذات أمد قصير في الحياة ووتيرة سريعة في التكاثر. هكذا حصلنا على معرفتنا حول كيفيّة تطوّر الفيروسات والبكتيريا التي تشكّل جزءً حيوياً جداً من العلوم الطبيّة.
 
 – العلم يزعم بأن التطوّر يحصل بالصدفة والحظّ:
الإنتقاء الطبيعي ليس عشوائياً ولا يعمل عبر الصدفة. الإنتقاء الطبيعي يحافظ على المكتسبات (الفيزيولوجيّة) ويتخلّص من الأخطاء. لكي نفهم ذلك، فلنتخيّل قرداً يعمل على الآلة الطابعة. لكي يقوم القرد بطباعة الحروف الـ 13 الأولى من رواية هاملت بالصدفة، يتطلّب ذلك القيام بـ 2613 محاولة على الأقل من أجل النجاح؛ مجموع هذا الرقم هو مساوٍ لـ 16 ضعف مجموع الثواني منذ ولادة النظام الشمسي حتى اليوم. أما إن كان لدينا القدرة على حفظ الحرف الصحيح والتخلّص من الحرف الخاطىء، كما تفعل عمليّة الانتقاء الطبيعي، يمكن النجاح في ذلك عبر 335 محاولة فقط.
ريتشارد داوكنز يعرّف التطوّر بأنه “تغيّر عشوائي زائد انتقاء غير عشوائي”. الإنتقاء المتراكم للمزايا الأفضل في الفصائل الحيّة هو ما يقود التطوّر. تطوّر العين من بقعة حسّاسة واحدة في خلية يتيمة لتصبح فيما بعد العين المعقّدة المكوّنة من آلاف الخلايا التي نعرفها اليوم لم يحصل بالصدفة بل حصل من خلال آلاف الخطوات الوسيطة التي تراكمت فوق بعضها البعض لأن كل واحدة منها جعلت العين أفضل وأكثر فعاليّة. العديد من هذه الخطوات لا تزال تحصل حولنا في الطبيعة.
 
 – فقط يمكن لمصمّم ذكي أن يصنع شيئاً معقداً مثل العين:
بنية العين البشرية تظهر بأنها مصمّمة في الواقع بشكل غير ذكي أبداً. هي مبنيّة بالمقلوب ومعكوسة ويجب على فوتونات الضوء أن تنتقل عبر القرنيّة، العدسة، السائل المائي، شرايين الدم، الخلايا المعقودة، خلايا الأماكرين، الخلايا الأفقيّة والخلايا الثنائية القطبيّة قبل أن تصل إلى المخاريط والأطراف التي تحوّل الإشارات الضوئية إلى نبضات عصبيّة، التي بدورها تذهب إلى القشرة البصرية في مؤخرة الدماغ لتحويلها إلى صورة يمكن لنا فهمها.
إن كنا نريد للرؤية أن تكون ممتازة، لماذا سيقوم مصمّم ذكي ببناء العين بطريقة مقلوبة ومعكوسة ومعقدة كهذه؟ هذا “التصميم” يمكن فهم أسباب وجوده فقط إن كان الانتقاء الطبيعي بنى العين من خلال المواد المتوافرة سابقاً وبالتحديد بناءً على الخلايا الموروثة من الكائنات العضوية السابقة. العين تثبت بأن وجودها تمّ عن طريق التطوّر من بنية سابقة وليس عن طريق التصميم الذكي من الصفر.
 
مصادر البحث:
–         عشر أساطير حول التطوّر…. إصدار  Skeptics Societ.