23 ديسمبر، 2024 8:50 ص

شقاوات بغـداد .. ما أشبه الليلة بالبارحة !

شقاوات بغـداد .. ما أشبه الليلة بالبارحة !

لاتستغرب عزيزي القاريء وأنت تستعرض مجريات الأحداث في هذا المقال..فالتاريخ يعيد نفسه هذه الايام حتى وإن كان بإشكال أخرى ..الا تجد أن شقاوات من نوع آخر ، تستعرض في شوارعنا ومحلاتنا ويدعمها سياسيون من اجناس مختلفة وربما دولا إقليمية ؟ حقا.. إن التاريخ يعيد نفسه، حتى ولو بصور أخرى.. فما أشبه الليلة بالبارحة كما يقال.
لقد إعتاد البغداديون على سماع قصص شقاواتهم التي ذاع صيتها قبل قرن من الزمان وحفلت مناطق معينة من بغداد بأسماء لامعة من هؤلاء الاشقياء الذين يزخر بهم تاريخ بغداد والكثير عن محلاتها  والأسماء التي برزت في تاريخها عبر عقود من الزمان كان لها حضور في الشارع البغدادي وكانت تتحكم بمقدرات مناطقها ويهابها السياسيون،  وربما تسبب الخوف والهلع لدى سكان محلاتها ، على الرغم من ان طابع هذه الشقاوات لايحمل الضغينة لأهل المحلات التي يأوون اليها ، بل كثيرا ما كانوا مدافعين عن اهالي تلك المحلات من ان يطالها تهديد جماعات اخرى من الشقاوات من غير  محلاتهم ، كما ان لديهم صفات محببة احيانا فهم وجه المحلة وبطلها الذي تتفاخر به بين المحلات الاخرى بوجه من يحاول التربص بها.
مؤلف هذا الكتاب من الحجم المتوسط زميلنا المخضرم الاستاذ سعد محسن خليل امين سر نقابة الصحفيين الذي اطل علينا من خلال هذا الإصدار  الشيق عن شقاوات بغداد باسلوب مختصر مفيد يشكل اطلالة جديدة واضافة نوعية الى المكتبة العراقية  التي لاتزخر الا بالقليل عما كتب عن هذا الموضوع الحيوي من تاريخ العراق بوجه عام وتاريخ بغداد العريق المليء بصفحات مثيرة في هكذا نوع من الرجال النوادر الذين كانت تحفل بهم بغداد بوجه خاص.
وزميلنا الاستاذ سعد محسن وضع بين ايدينا تلك الصورة التي من خلالها نرى اسباب ظهور الشقاوات في بغداد ، وبخاصة في الفترة المتأخرة من الدولة العثمانية ، رغم انه سار بنا بعيدا في اصل ظهور اؤلئك الشقاوات الى عصور موغبة في القدم في تاريخ العراق ، الا ان التركيز جرى على  حقبة العشرينات والثلاثينات والاربعينات وربما الخمسينات من القرن الماضي،  اذ يتذكر البغداديون تلك المرحلة التي عزاها المؤلف الى ضعف الدولة العراقية ابان السيطرة العثمانية ، اي ان الشقاوات يظهرون في الغالب يوم تكون الدولة العراقية في أحط عهود تدهورها وانحلالها وغياب دولة القانون ، للك كان حتى حكام العراق يخشون من بطش هؤلاء الشقاوات ويضعون لهم اعتبارا عند التعامل معهم،  بل ان قوى سياسية عراقية في مرحلة الاربعينات والخمسينات كانت تعتمد على الشقاوات في المواجهة مع القوى الاخرى التي تتصارع معها على الساحة السياسية العراقية ، وكثيرة هي القصص التي تتحدث عن شقاوات استعان بهم رجال سياسة في فرض ولاءات لتنظيمهم او الوقوف بوجه تنظيمات اخرى او كيانات اخرى ضمن مناطقهم في بغداد ومناطق أخرى،  وبقيت حركات سياسية تعتمد في قوتها على قدرة ما تستطيع ان تكسب من هؤلاء ضمن محلاتهم التي يفرضون ارادتهم عليها وربما تضفي طابعا سياسيا على تلك المحلة لحساب جهة سياسية لها الغلبة وفرض ارادتها في الساحة السياسية ، وهناك تاريخ طويل عن شقاوات بغداد سردها لنا الزميل والصحفي القدير سعد محسن في كتابه الذي كان عنوانه / شقاوات الزمن الماضي / بمائة واثنين واربعين صفحة والذي يعد فعلا اضافة لايستهان بها الى المكتبة العراقية وتشكل دافعا لاخرين للبحث بين ثنايا هذا التاريخ وتلك الحقبة المهمة من تاريخ العراق المعاصر.
والكتاب يستعرض من بين تلك الاسماء خليل ابو الهوب واحمد قرداش وحامد البغدادي وكامل شبيب وحسن كبريت وابن عبدكه وجبار ابن بهية السودة وموسى ابة طبرة وعبد الامير العجمي وعبد المجيد كنه واخوه خليل كنه وعباس الديج وطه ابن الخبازة وغيرهم كثير لايتسع المقال لتناول سيرتهم واسمائهم.
كما يستعرض الزميل سعد محسن في كتيبه شقاوات الحلة والنجف والبصرة  ويلقي ضوءا على حالة مبسطة من تاريخهم ونشاطهم ضمن مناطقهم.. كما استعرض مسيرة شخصيات عرفها تاريخ بغداد مثل ابراهيم عرب وابن بنية  وتوفيق اجنص وجاسم ابو الهبزي.
وقد وضع الزميل سعد محسن مقدما وعرضا تاريخيا لتسلسل احداث هؤلاء الشقاوات وظهورهم في حقب مختلفة من التاريخ العراقي لكننا  نجهل الكثير عن تاريخ هؤلاء رغم اشارة الكثير من المؤرخين العراقيين الذين استعرضوا لنا تاريخ تلك الحقبة واسمائها اللامعة معتمدين على مصادر تاريخية وضعت الاساس لهذا النوع من البشر الذين كانت لهم مواقف بطولية ضمن مناطقهم في ذلك الزمن ولم يستغلوا الوضع لتكريس انحلال الامن كما يجري الان من بعض شقاوات بغداد الذين ازداودا هذه الايام بفعل غياب الامن ودولة القانون ، اذ ان شيوع تلك الظاهرة لايدل ان هناك نواة لدولة تحفظ حياة شعبها وسيادة الجماعات المسلحة هو نوع من انواع تلك الشقاوات ، ولكن بإسلوب آخر ، فهؤلاء ليسوا ابطالا بل صعاليك يذيقون شعبهم سوء العذاب ويزرعون الرعب والفوضى وهم من تستنجد بهم بعض القوى السياسية لفرض هيمنتها على  بعض مناطق بغداد ومحافظات اخرى..وامل العراقيين ان تنتهي تلك الحقب المظلمة من تاريخ العراق لصالح توفير الامن والامان والسلام والاستقرار في كل ربوع العراق وعودة الدولة المدنية ودولة القانون ، بدل هذه الفوضى والاضطراب وسيادة الميليشيات والجماعات المسلحة التي هي نوع آخر من الشقاوات يجب الوقوف بوجهها لكي لاتروع مواطنينا وتغرس الرعب والارهاب بين جنباتهم.
تأمل ايها القاريء، هل ترى ان التاريخ يعيد نفسه هذه الايام..الا نجد شقاوات تستعرض في شوارعنا ومحلاتنا ولكن بنوع آخر، حقا، إن التاريخ يعيد نفسه، حتى ولو بصور أخرى.. فما أشبه الليلة بالبارحة كما يقال؟؟!!