يروى إن الشاعر الاخطل (غياث بن غوث بن الصلت) وكان نصرانياً من بني تغلب ، وقف في مجلس عبدالملك بن مروان ينشده الشعر ، وبعدما طال وقوفه وانشاده احس بالتعب فالتفت للخليفة قائلاٌ : لقد عطشت يا مولاي .
فقال عبدالملك :- ياغلام اسقه ماء .
فرد الاخطل : شـراب الحمير عندنا كثير يا مولاي .
قال : أتشرب اللبن (اي الحليب) ؟ .
قال : قد فطمتني امي .
قال : نوصي لك بالعسل .
قال : ذلك شراب المرضى .
قال: فما تريد ..؟ .
قال : خمر .. ! .
تبسم عبدالملك وقال : اتعلم إني اسقي الخمر في مجلسي ؟ ، اخرج .
خرج الاخطل فالتقى بأحد رجال القصر الذين كانوا على باب المجلس وقد سمعوا حواره مع الخليفة ، فسأله الرجل : اتريد الشراب ..؟ .
قال : بلى ..! .
قال : هلم معي . فأخذه الرجل الى منزله واخرج له خمراً وسقاه منها كأساً فشربها وقال : الي بالثانية ، فسقاه منها كأساً أخرى . قال الاخطل : تركتهما يتصارعان في بطني ، ناولني الثالثة .
بعد ان شرب الاخطل ثلاث كؤوس وانتشى بالخمر التفت للرجل قائلاً : تركتني على ثلاثة فأعدلني بالرابعة .
ضحك الرجل من الاخطل وقال : ارجع الى شراب الحمير خير لك .
هسة رباط سالفتنة ، كان نظام الحكم الملكي ، خير الف مرة للعراق والعراقيين من انظمة الحكم التي تعاقبت على العراق منذ 14 تموز ولحد الآن . السبب : اولاً الملك غريب عن البلد ، وبالتالي ليس لديه مصلحة ليتحزب للمجموعة الف او باء ، بل من مصلحته أن يجعل نفسه محبوباً من قبل الجميع . ثانياً : عدد افراد العائلة المالكة محدود ، وبالتالي فالمرشحون لتولي العرش لايزيدون عن ثلاثة او اربعة اشخاص . ثالثاً : بقاء العراق تحت الانتداب البريطاني لاكثر من عشر سنوات ، وارتباطه بمعاهدات ومواثيق مع بريطانيا ، جعلها تنشأ في العراق قوانين ادارية وجزائية متطورة ، وتركت للعراق نظام قضائي قوي ومستقل ، ولم يفقد القضاء استقلاليته الا على يد ازلام البعث الذين يحبون خرق الانظمة والقوانين . رابعاً : تركت بريطانيا للعراق نظاماً ديمقراطياً مقبولاً نسبياً ، وكان من اهم ميزاته هو عدم مشاركة الفلاحيين والرعيان في التصويت ، بل يقوم شيخ القبيلة وثلاثة او اربعة من افندية الارياف بالتصويت بالنيابة عن القبيلة او توجيه المصوتين نحو مرشح معين ، وكانت الديمقراطية بخير لأن المشاركين فيها لايزيدون عن عشرة الى خمسة عشر بالمائة من عامة السكان ، وغالبيتهم من الوجهاء والاعيان والافندية ، وليس شعيط ومعيط مثلما هو حاصل اليوم .
الآن لو جمعنا جميع اخطاء وذنوب وعيوب النظام الملكي طوال سبع وثلاثون عام ووضعناها في كفة ، ووضعنا في الكفة الثانية عمليات الاغتيال والتفجيرات والسرقات التي حصلت في العراق خلال السنوات العشر الماضية ، لوجدنا إن عيوب الملكية لاتساوي اكثر من عشر عيوب غيرها من انظمة الديكتاتورية والعنف والاستبداد .
عندما سقط النظام الملكي كان لدى العائلة المالكة حسب علمي ثلاث قصور فقط ، الرحاب قرب جسر الخر وهو قصر عبدالآله خال الملك ، وفيه قتلت العائلة المالكة ، والزهور في الحارثية وهو بالاصل قصر الملك غازي ، وقصر الاميرات في شارع الاميرات في المنصور ، وكانت تسكنه خالة الملك مع زوجها واولادها ، كما كانت للملك استراحة صيفية في سرسنك ، ازاء ذلك قيل (والله اعلم) إن هناك خمس وخمسون قصراً للشعب تركها القائد الضرورة خلفه ؟؟ .
الآن وبعد كل هذه المصائب والنكبات التي جلبتها لنا الانقلابات العسكرية والاحزاب آن ألاوان لتعديل مسار العراق ، والديمقراطية بقوانينها الفوضوية العشوائية والانتخابات القادمة لن تحل مشاكلنا ، بل سترجع لنا نفس اللصوص الذين نهبوا الدولة خلال السنوات العشر الماضية ، لذا على مثقفي شارع المتنبي خاصة وبقية مثقفي المحافظات عامة جمع عشرة الاف توقيع وتقديمها لوزارة الخارجية البريطانية لأعادة العراق الى الانتداب البريطاني ، فشراب الحمير خير لنا من السعادة الوهمية التي احسسنا بها مع خمر الثورية والوطنية الزائفة ، فأن رفض المثقفون ذلك فعلى الاقل ليقدموا طلباً للأمم المتحدة بحمايتهم ، فالمثقفون الذين يستخدمون عقولهم في العراق صاروا اقلية ، ومن حقهم الحصول على الرعاية والحماية الدولية من اعتداءات وتجاوزات الاغلبية الجاهلة عليهم .