انتهت زيارة الأمام موسى الكاظم “ع ” بدون دم عراقي اضافي والحمد لله , ما يطرح تساؤلات عن ظواهر أصبحت ماركة عراقية مسجلة ، سياسيون يختلفون على ملذات الدنيا و يساق الشعب الى المقصلة، حكومة تمتلك الجهد العسكري والخدمي لكنها توظفه بما يوافق أولوياتها، شعائر دينية تحولت الى مزايدات سياسية، رغم أن زيارة الأولياء تفرض أولا طهارة جسدية، و نوايا ايمانية خالصة، وجهود حقيقية للمحافظة على أخوة الله في خلقه، وهي قضايا غيرموجودة لدى الغالبية من الزاحفين مشيا على الاقدام بظروف مناخية معقدة، مدفوعين بأجندات سياسية معروفة ومظلومية ما أنزل الله بها من سلطان، فالحاكم العراقي صاحب مزاج متقلب من الحملة الايمانية الى محاصصات الاحتلال و ثقافة العددية والباس العراق ثوب الطائفية بارادة رسمية.
وعلى هذا الأساس لايوجد أنسان عاقل لا يشعر بقشعريرة التبجيل و الأحترام لأهل آل البيت الأطهار من الامام الحسين حتى جعفر الطيار، ومن العباس الى العبد الصالح موسى الكاظم أبو ابراهيم، أحد أمثلة الخير والعدل والمساوة بين البشر في الأرض؛ حيث ظل مترفعا عن نزوات الانغلاق، ولا يهتم كثيرا بتزاحم الأفراد و طلب غير الحاجات ، وليس هناك من شخص أكثر قربا من غيره الى أهل بيت رسول الله الا بمقدار الالتزام بمبادئهم في زهد الدنيا ، و رفع شأن العمل الصالح، و الانتصار الى الفقراء والمحرومين و صد رياح الفتنة من حيث أتت، ما يضع بين قوسين كبيرين مدى توافق طقوس ومراسيم الزيارات مع زهد الصالحين و اجتهادهم لحماية انسانية الدين وعقيدة التوحيد بلا ضغوط نفسية، خاصة عندما يتكون المجتمع من انتماءات دينية مختلفة في شعائرها لكن تنطق التوحيد بلسان عراقي، وهي قضية لا يحق لطرف اغفالها تحت ” عنجهية ” المال السياسي المذهبي.
ومن هنا فإن كل طقوس الضغط السياسي و المذهبي الممنهج، لاعلاقة لها بحب آل البيت ولا الأنتصار لقيم الانصاف والمساواة والعدل التي ضحوا من أجلها، ولو أن عاقلا أجتهد وأخطأ في نصف الطريق لكان افضل من السير بلا تفكير، و دفع الناس الى سوء التقدير، و لو أن مجموعة أوصت بمقترحات عملية بلا مزاج مذهبي لحققت فائدة للجميع، فالحزن الروحي شيء و قهر الأمل في نفوس الأخرين مرفوض سماويا، ولان أحدا لا يزايد على تقديسنا لكل أعمدة آل البيت ” ع”، سنتحدث خارج الخط الأحمر أعتزازا بفرسان الخير ، أظلهم الله في ظله وهم في رحم أمهاتهم .
نعم للبكاء على فاجعة الإمام الحسين وأهل بيت رسول الله ، ونعم لتقديم القرابين من أجل الفوز برضاهم ضمن حدود شريعة الله، و نعم لإقتفاء أثرهم في فعل الخيرات، و نعم لتقبيل الأرض التي مشوا عليها لإعلاء قيم الحق بلا توصيف سياسي، ولا لكل محاولة تشم منها رائحة الفتنة بأسم نكبة الامام الحسين، أو وفاة باب الحوائج ،و غيرهما من عناوين الحق والكبرياء، سياسيون يستغلون طيبة الشعب في تقديس الأولياء لتحقيق مشاريع حزبية بثوب طائفي ، ما يقض مضاجع الحسين و هو في الجنة ، و تفيض له عيون سيد البشر حزنا، ويرفع الصالحون أصابع الرفض المطقلة.
البكاء على الحسين بمحبة لا يمثله لون الرداء وعدد المسيرات الراجلة ونحيب بدون دمع أو رعشة جفون!،متاعب ما أنزل الله بها من سلطان، فنحن نحمل سيد الشهداء في حدقات العيون فلماذا لانبصر بكبرياءه ما يناسبنا من طقوس و ما يقربنا من خطوات عراقية ولماذا لا ننحني أمام رجولته لنصرة الفقير و طمأنة الغريب قبل أبن الدار، ولماذا نوزع الخيرات على غير المستحقين برياء واضح، فيما ستكون فرحة الأئمة أشعة نور ساطعة لو وضعنا اليد بالأخرى و حملنا الموائد للفقراء و المحتاجين بعيدا عن اية مزايدات حزبية و مذهبية، و أبتعدنا عن الغلو في السير لمسافات طويلة على الأقدان بينما تطور العلم، فليس المهم وسيلة الوصول بل ما نحمله في القلب من صدق و طاعة ومحبة .
لم ينذر الحسين نفسه و عائلته من أجل ملذات دنيوية، ولم يركب الصعاب طمعا بغنيمة حرب أو طقوس مرحلية، انتخى للمظلومين وعدالة السماء وأخوة المسلمين وأصحاب الكتاب، ولو كان حاضرا بيننا لأمر بذبح طغاة الطائفية والمذهبية، و لحمل الزاد في راحتيه الكريمتين الى الفقراء بلا مواكب عزاء، وحافظ على أركان البيت المعمور من الغرباء، و مزق كل رايات الفتنة والطائفية و ازهاق أرواح الأبرياء بأجندات عبثية، قناعة منه بأن الغلو يولد نقيضه على عجل ويفرق كالنار في الهشيم، لذلك تحزن روحه الشريفة لسقوط الضحايا بمزايدات سياسية.
نحن مع كل طقوس تسعد نظرات الأمام الحسين وتنعش قلبه مع الطيبين من أهل بيت رسول الله والسائرين على خطاهم، لكننا نعتقد أن السياسيين يضربون أكثر من حجر في تقدمهم صفوف الزائرين، فهم يستغلون المناسبة لأغراض سياسية معروفة، ويرسخون مفاهيما جديدة لا يؤمنون بها أصلا، لكنهم يوظفونها لمصالحهم فقط، حتى لو تطلب ذلك تحويل كل المناسبات الدينية الى بيوت للمآتم والأحزان ومواكب للعزاء السياسي ، وشحن النفوس بانغلاقات مذهبية ورايات للدعاية الانتخابية، وهو توجه يرفضه أبناء هذا البيت الطاهر بأمتياز، و حشد النفوس بالطائفية وفرض طقوس على الجميع يدخل في باب الترهيب النفسي، وهو ما قد رفضه آل البيت “ع” ، عندما تناخوا للفوز بقلادة رضا الله عن مشاريعهم الانسانية، لذلك لم يتسرب الى عقولهم الكبيرة هاجس التخفي وراء شعارات غير معلنة، فيما يحدث في العراق عكس ذلك، سياسيون يرفعون باليمنى رفض الطائفية وفي اليسرى يحملون الحطب لزيادة لهيبها، والنتيجة معروفة.
ان الرفض الحقيقي للطائفية يبدأ في منع تسييس الشعائرو المناسبات الدينية، ومنع التبهرج المذهبي بكل أشكاله، بحيث تكون المراسيم داخل الأضرحة و بطريقة تتسع لكل المحبين والمخلصين، وأن تخصص الأموال من الصدقات والتبرعات لا من موازنة الدولة، وفرض مبالغ نقدية على الزائرين تحقيقا لمنفعة اجتماعية، ولكي لا تتحول المراقد الطاهرة الى بيوت للعجزة والعاطلين، فالمراقد الدينية المقدسة نفط عراقي أخر يجب ان يكون ملكا لكل الشعب وفي المقدمة فيالق المحرومين، واذا كنا نحب الأمام الحسين وأهل بيته الصالحين والأخيار، يجب أن نضعهم تاجا على رؤوس الجميع بقناعات وتضحيات لا بشعارات ويافطات من كل لون، ويجب أن نقول كفى للمزايدين، فأهل البيت من حصة كل المسلمين والمؤمنين، و كلنا من نسل الحسين ورحم فاطمة لم يجف في العراق قبل غيره، لا تظلموا الحسين أكثر ولا تثقلوا كاهل أبو الجوادين، أتركوا أهل البيت لكل العراقيين ولا تخضعوا الولاء اليهم لمزايدات سياسية و مذهبية، نحن لا نسير الى الحسين وآل بيته ، بل نحملهم في القلب جيلا بعد جيل، و رضعنا الوفاء اليهم من صدور أمهاتنا , هي صرخة وفاء لمنع تسلل الخوف الى النفوس، وقول الحقيقة كاملة مثلما رفعها سيف أبن بنت رسول البشرية، سليل علي صاحب الغار و نصير الانسانية .
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]