26 نوفمبر، 2024 12:32 م
Search
Close this search box.

شظايا في عيون بغداد

شظايا في عيون بغداد

صدرت في بيروت عن الدار العربية للعلوم – ناشرون الطبعة الثالثة من رواية (شظايا في عيون بغداد) وهي الرواية التي تناول فيها الكاتب جاسم المطير الوضع السياسي المتفجر ببغداد خلال الفترة 2003 – 2005 من وجهات نظر مختلفة محسوسة من صحفي امريكي دخل العراق على ظهر دبابة، يقدم تصوراً متناقضاً للحرية المتوترة التي حركت العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري اذ من غير الممكن مجاوزة الجدلية بين الاحتلال الامريكي والديمقراطية المنشودة التي قادت الى انتشار نسبة عالية من الكفاية السلبية مهدت السبيل لنشوء ونمو المنظمات الارهابية ..
بول جيرارد صحفي أميركي يعد أطروحة عن بعض ديانات الشرق الأوسط، وتشغل باله قضية التواصل بين بلد محتل كبير وبلد صغير غارق في مشاكل الاحتلال. في هذه الأثناء تبدأ الحرب الأمريكية على العراق 2003 ويتم تكليف جيرارد بأمرٍ رسمي من صحيفته التي يعمل فيها بمغادرة نيوجرسي على الفور والذهاب إلى بغداد لمشاهدة ومتابعة أحداث المستقبل عن كثب وكتابة شذرات عنها بعد بدء نزعة شيطانية أُطلق عليها بحماسة عنوان: “تحرير بلاد الرافدين”، في تلك الليلة بدأ جيرارد يخاطب زوجته قبل يوم واحد من سفره “لا أدري هل أن ما أكتبه سيكون عملاً شعبياً أم أنه سيكون من وسائل التشويش التاريخي أم أن ما أكتبه قد يرتفع قليلاً أو كثيراً فوق المستويات البائسة التي تُكتب الآن عن العلاقات بين الدول العظمى والدول الصغرى”.
على ضوء أحداث الحرب الأميركية الأخيرة على العراق، يتم تظهير “شظايا في عيون بغداد” التي اصطنع لها جاسم المطير راوياً واحداً لتقديم روايته هو البطل نفسه بول جيرارد. وهذا الراوي يستخدم صيغة المتكلم فيأتي المروي على شكل يوميات واعترافات وتداعيات تشكِّل إطاراً للخطاب الروائي، والذي بدا أنه ينضح بكثير من الوعي عن علاقة الدولة المهيمنة على قرار الحرب والسلم “أميركا” وهيمنة الحاكم العربي المستبد “صدام حسين” الرئيس الأسبق للعراق، وأحادية الخطاب السلطوي، حيث الحاكم هو وحده من يتكلّم، وعلى الآخرين الإصغاء والتلقي. ولأن شبح صدام حسين كان يناسب أميركا أو بالأحرى هي من اصطنعته للسيطرة على أرض الرافدين يبدو السارد منحازاً إلى العراق على الرغم من كونه مواطن أمريكي موضحاً خطأ أميركا الكبير بغزوها العراق “صاحب القرار الأميركي رأى الدنيا بعينيه في البداية من شهر آذار 2003 كأنه يوم عيد من دون أن يقتنع أن القرار جاء حصيلة مجموعة من جهد كبير مبني على مستودع أكاذيب تدفقت على البنتاغون وعلى السي آي أي، نقلت صوراً ومعلوماتٍ عن أن أميركا ستواجه كارثة أعنف من حصاد 11 سبتمبر…”. وفي غمرة هذه الأحداث يسترسل السارد في وصف التظاهرات الكثيرة في عواصم وعوالم الفن والأدب في الغرب، وكلها تحتج على الحرب، وكذا مشاهد من صياح بعض أمهات الجنود العابرين للقارات قبل مغادرة أبناءهم وبعدها : “يا للكارثة.. ربما لا نصيب لأولادنا من العودة سالمين”، وبهذا الجو الكارثي فإن الأقدار ستكون حبلى بالوقائع الخطيرة على ما يبدو وهي ما سوف يعيشها جيرارد منذ اللحظة الأولى التي دخل فيها مع الجنود الأمريكيين من نقطة في الحدود الكويتية حتى بلوغه بغداد بعد طوال ثلاثة أسابيع صحراوية حتى وصوله بغداد… وقبل انتهاء الحرب.
تتوالى الأحداث في الرواية على مدى عامين حتى يستقبل جيرارد ذات ليلة من رئاسة تحرير جريدته الموافقة على مغادرة عاصمة ألف ليلة وليلة كما يحلو له أن يسميها، بإجازة مفتوحة، ليريق عرق وجهه ليس بفندق ٍفي بغداد، بل على مكتبه في بيته بنيوجرسي قريباً من طفليه وزوجته. وليبدأ رحلته مع عالم الكتابة المأنوسة لديه حين دخل إلى مدينة ثقيلة فيها وبالٌ من كل نوع، لكنه خرج منها حاملاً في قلبه عواطف كثيرة وأحداث كبيرة وذكريات متنوعة. جميعها ستكوّن نزهته الفكرية بعد استقراره في نيوجرسي.. متفرغاً لتحرير كتابه المأمول عن مجرى الأحداث في العراق، خلال الفترة من مارس 2003 إلى يناير 2005، وعن مدى ديناميكية العلاقة الأمريكية مع بلاد الرافدين.
في روايته “شظايا في عيون بغداد”، يُثبت جاسم المطير، مرة جديدة، أنه قامة في المشهد الروائي العراقي والعربي، على حد سواء.
الدار العربية للعلوم – بيروت – سبتمبر 2014

أحدث المقالات