23 ديسمبر، 2024 9:23 ص

شظايا سياسية ومجتمع هزيل

شظايا سياسية ومجتمع هزيل

شفي رواية ان ابن ابي الجسرين وجد على بطن امرأته رجلاً فقتله، فبلغ علياً (عليه السلام) فقال
“ان جاء بأربعة يشهدون على ما شهد والا دفع برمته” نستنبط من الرواية ان الامام علي أراد ان يؤدبنا ويعلمنا ثقافة الاثبات، لنستكمل كل معالم الحقيقة في الصورة التي نريد ايصالها، وفي كل متعلقاتنا ومنها السياسية.
في الوقت الذي تعدت مافيات الفساد -بمختلف اصنافه- مراحلها الأولى، وأصبحت وحوش تفترس المجتمع وتلتهم المال العام، وتنشر سرطانها في كل مفاصل الدولة، يشل اغلب إمكاناتها، كذلك في الوقت الذي أصبح الفساد والفاسدين يتفننون في تشويه النزيهين، ليوهموا العامة ان البلد أصبح قطعة فساد بالية لا يستطيع أي ملك عظيم اصلاح جزء مترهل منه، هنا أصبح لزاماً على العقول الراجحة ان تبين الخطوط العريضة لفئتي الصلاح والطلاح.
لا ينكر منصف رائحة الفساد التي طغت على كل مفاصل المجتمع، لذلك نرى ان الفاسدين قد هيئوا لهم قاعدة جماهيرية كبيرة تروج لهم اعلامياً دون ان تشعر، بتسويقها ان الجميع مشترك بالفساد، حتى أصبحت جملة (كلهم حرامية) فاكهة المجالس السائغة، وهذا ما يوقفنا امام الشرع والدين الذي سنه الامام علي (ع)، وافتى بوجوب توفير الشواهد لترسيم الخطوط الواضحة للجرائم.
تضخيم الفساد وتوجيه ألسنته نحو النزيه، كذبة انطلت على الكثير، هدفها تعطيل عجلة النظام الجديد بطريقة خبيثة، لتجرف انجاز الحكم الإسلامي السياسي الذي اشير له بالبنان رغم صراخات التقشف وازيز رصاص الطامعين، وهذه أسباب تحجم عمل رجال الدولة وتحد من انتاجهم في زحمة التسقيط وابواق التطبيل.
الفساد لا يحارب بالادعاءات، ولا يعالج بالتشهير والزج بورقة الجماهير، كما ان الاتهامات والتشويه دون ادلة هي فساد بحلة جديدة تخبئ الفاسدين بفيئها، كما ان ضرب الرؤوس التي يثبت فسادها هو الحل الناجع للحد من الافساد، لذلك لا نرى حلول جدية في اغلب الاستجوابات السالفة، لأنها حققت مكاسب سياسية دون تضييق لخناق أبواب الفساد المشرعة، فلا نرى مٌقال حٌكِم ولا فاسد سٌجِن.
لذلك تعميم الفساد او رمي كرته في أحضان كل المتصديين للعمل السياسي مجازفة سمجة بثروات البلد، وايذان مباشر للفاسدين ان يفسدوا، ولإيقاف هذه الممارسات التي تعج بها مجتمعاتنا لابد من وقفة جادة، لإيضاح الشخوص النزيهة والفاسدة.
خلاصة القول: على السياسيين ان يرتقوا الى درجة من النبل ليشطبوا على كل المهاترات والادعاءات الفارغة من الأدلة والمبطنة بالفساد، وعلى المجتمع ان يتحلى بدرجة عالية من الاستبيان عن الاخبار الكاذبة والفاسدة التي تشيع لغة اشراك الجميع بحلقات الفساد، وقبل السلام: اذا ما تمكنا من السيطرة على هاتين الحالتين سننجوا من الندم الذي حذرنا منه القرآن الكريم بقول الله عز وجل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)).