17 نوفمبر، 2024 4:19 م
Search
Close this search box.

شظايا الذات العربية!!

شظايا الذات العربية!!

الأمة تبدو وكأنها مؤهلة للتشظي والتمزق والتناحر والتنافر والتفرق , وهي تحت تأثيرات ما يتناسل من هذه الحالات الفاعلة فيها منذ الأزل.
وقد علمونا ومنذ نعومة أظفارنا أن المستعمر يستهمل سياسات ” فرّق تسد” , وأوهمونا بأنه يفرقنا ويقسمنا وما إلى غير ذلك من الأضاليل والتخريفات , التي يراد منها تبرأة النفس والتخلي عن المسؤولية , ولهذا نشأنا وعلى رؤوسنا تيجان “هو”.

بينما الواقع الحقيقي لسلوكنا الفردي والجمعي , يؤكد بأننا أمة ذات قبلية عالية , وعشائرية فائقة , وأننا أدمنّا على سلوك التنافر والإفتراق , وأمضينا مسيرتنا في إحترابات وصراعات ما بين أبناء الأمة الواحدة في كل شيئ.

وما أن إنطلق فيها الدين حتى إمتطته للتعبير عن تلك الروح الإفتراقية العدوانية الكامنة فيها , وفي زمن نبي الدين لم تكن إلا كتلة كاظمة على غيضها ورغبتها في التنازع والصراع , وحالما توفى إندلع مافيها وكشفت عن جوهرها المتعادي لبعضه البعض.

فكان الذي كان من الصراعات والتداعيات المؤلمة , فالصحابة تقاتلوا فيما بينهم وقتلوا بعضهم البعض , كما جرى في معركة الجمل وصفين وإنطلق الخوارج وتواصلت مسيرات التفتت والتحارب.

وتكاثرت الرؤى والتصورات وما يسمى بالمذاهب التي تنامت وصارت بالعشرات , وتم الإستثمار فيها سياسيا وسلطويا لتأمين حكم الكراسي الفاعلة في المجتمع , ووفقا لإرادات سياسية تم إختصارها بأربعة , ولو أن الكثير منها لا يزال حيا وينجب فرقا وجماعات , ذات كينونات أصولية وتفاعلات دوغماتية فظيعة , تقضي بقتل المسلم للمسلم.

وتحقق إستعمال المذاهب ضد بعضها البعض , فكلما مالت السلطة نحو مذهب تنمر واعتدى على المذاهب الأخرى وأذاقها الويلات , وتدور الدوائر وتتقلب الأحوال , وهذا ينال من هذا وهذا ينال من ذك , فتأثمت جميعها وتسيست , وصار رموزها من ذوي الدنيا والغنائم السلطانية والقوة والجاه , ولا يعنيهم من الدين سوى جيوبهم ومنافعهم الشخصية , وكونهم يديرون قطيعا من الناس يدينون بالأمر والطاعة وحرمان السؤال وخطيئة العصيان.

وما يجري اليوم في واقع الأمة المبتلاة بكل ما فيها , أقل بكثير مما جرى في سابق الأزمان , ولهذا فهي أقدر على تجاوزه وأكثر منعة وقوة على المطاولة والتحدي , ففي زمن كان الأخ يفترس أخاه , وتحت وابل النكبات التتارية , تمكنت من البقاء والإنطلاق والتنامي , وستتمكن اليوم من تجاوز معاضلها , فهي تعرف كيف تداوي الداء بالداء.

ومن هنا فالقول بأن الأمة ضحية غيرها وأن العدوان مسلط عليها فيه خداع للنفس , فالأمة عدوة ذاتها وموضوعها , وهي التي تستدعي مَن يفترسها إلى ديارها , فلا يجرؤ أحد أن يتقدم نحوها لولا دعواتها المباشرة والغير مباشرة بما توفره من ظروف تؤهل غيرها للإقدام نحوها , وفي بعض الأحيان تتوسل بأعدائها أن ينالوا من بعضها , والأمثلة عديدة ومعاصرة , والضحايا دول وشعوب تحولت إلى خراب أثيم.

فهل لا نزال نتوهم بأنهم يفرقوننا , وننفي التهمة عن أنفسنا ولا نعترف بأننا أمة فرقة وخصام , وإلا كيف تفسرون هذا الضرام؟!!

أحدث المقالات