23 ديسمبر، 2024 9:05 ص

شرعية المراجعة ومقومات العمل الدعوي

شرعية المراجعة ومقومات العمل الدعوي

هناك هوة كبيرة ما بين واقعنا الحالي وما يتطلبه من تقويم وتصويب وبين ما يجب وما لا يجب أن نقوم به وهذا ما يميز التحرك الدعوي الواعي في خط المواجهة الأمامية من أجل مصالح الناس العامة , لذلك نرى التشديد والتنبيه إلى مواطن الخلل , والسعى لإيجاد الحلول الناجعة , والتي توفر الأرضية الصالحة للوصول الى أفضل الاستنتاجات الصحيحة والحلول المقنعة , وهذه المهمة يتكفل ويقوم بأعباها المخلصون والحريصون على المصلحة الاسلامية العليا , والتي في مقدَمِها مصلحة الناس وتأمين حياتهم الكريمة , وحتى لا تكون الإستنتاجات والمعالجات مجرد أقولاً أو توصيفاً أو مفاهيم صرفة حول واقعنا , فأننا نؤمن بالإنتقال المباشرة إلى ضرورة تفعيل المعايير الشرعية وتحريك الجهود الخيرة لتحسين الواقع من دون الإلتفات الى حالات الصخب المحيط أو الإنشغال أو الإشتغال في الرد على التفكير المضاد , وإنما توجيه بوصلة العمل نحو الحركة التغييرية والإصلاحية واعتبارها سلوكا يوميا ومُهمة دعويـّة على ضوء المعرفة والإدراك والمصلحة العامة , و إنطلاقاً من الإيمان بإمكانية استيعاب التراكم الذي تولده الموضوعات الضاغطة , وتفكيكها وتحليلها , ومن ثم تجزئتها واعطاء الأولوية في معالجتها أن كانت ظاهرة عرضية أم بنيوية , وهذا ما يتيح الفرصة والوسيلة الأقرب للتصحيح والتصويب بعد أنْ تتمَ المراجعة والتقويم ,
مراجعة الشرعية وشرعية المراجعة :

التقابل في الجملتين والمصطلحين المذكورين يعنيان التطابق في المعنى والإشتراك في صفة واحدة هي المراجعة , والمراجعة تستمد حيويتها وشرعيتها من ضرورات الإصلاح والتغيير وهذا الإسترجاع حسب ما اعتقد يُعتبر بُعداً إجتهادياً وعمقاً معرفياً , ولاسيما أنه يضم بين طياته جهودا كبيرة ومحاولات ضخمة للتمهيد لمشروع الدولة الكريمة والموعودة , لذلك نرى المساهمات الكثيرة والتي تتوالى على مدى فترات متعددة , حتى زادت على عدد ما تقدمه البحوث والدراسات في هذا المجال للوصول الى برِّ الأمان , أي الوصول إلى حلول جذرية ومنهجية , وهذا ما اعتبره كما أظن جهدا إستثنائيا متواصلا ما زال الباب فيه مفتوحا , لإثراء ساحة العمل الدعوي الاسلامي والإنساني بكافة الآراء والمقترحات والرؤى , لتجاوز المألوف والتقليدي من التشخيص والتمييز والوصول الى مرحلة الاختيار , وهي المرحلة الغائية , التي تكمن فيها الأساليب الأفضل والأكمل والأنجع للمعالجة , وهذا السلوك المتوالي والنشاط المتحرك يعكس الرؤي المشتركة لكلِّ العقول النيّرة لأبناء الدعوة خاصة وابناء الأمة عامة , والتي جميعاً تسعى نحو مستقبلٍ أكثر إشراقا وعدلا وحرية وكرامة ,

القصدية في المراجعة :

مما لا شك فيه أن الانسان المؤمن الداعية يَعلم بأن حياته وكأنها في سباق مع الموت , لذلك تجده يتجاوز الكثير أو البعض من ذاتيته من أجل مصالح الآخرين , لإعتبارات المحافظة على قيمة الوقت والزمن المتاح في هذه الحياة فيستغل الداعية كل أوقاته المتاحة وإمكاناته وطاقاته , وتحويلها إلى نشاط فيه وعي القصدية والهدف النافع , وهذا السلوك والنشاط المطلوب يتطابق وينسجم مع حركته وايمانه واعتقاده وهذا دليل آخر على حبه للخير والتطلع لتحقيق طموحات الناس وتطلعاتهم لما فيه خير الدنيا والاخرة , وما كان هذا ليتم لولا أهمية وقصدية المراجعة ووجوب شرعيتها .

موضوعيُّة المراجعة :

كلنا يعرف أن الأفكار التي أفرزتها مرحلة ما بعد سقوط الطاغية للأسف الشديد لم تكن سوى أفكاراً إستهلاكية ولم تكن بالمستوى المطلوب لإتناج فكر إسلامي معرفي دعوي يرتقي بالانسان الى مستوى الحرية المتاحة , وكما يعلم الجميع أيضاً إنها لم تكن بمستوى الموضوعيّة المطلوبة التي يتشكل الإختلاف فيها نتيجة لتباين زوايا النظر في مختلف القضايا المطروحة في الساحة الاسلامية , فالموضوعيّة التي نتعلمها ونعلمها تفترض أن تكون المراجعة أمرٌ قائم من أجل إدراك الواقع المتردي بكل أبعاده السياسية والإجتماعية والإقتصادية , وهذا ما تتطلبه الحاجة الملحة لتغيير واقعنا وما تفرضه شرعية المراجعة , وبعكس ذلك يعني القفز فوق الحقائق والوقائع وتبقى فيه نظرتنا وكأنها نظرة ضيّقة دون أن تصل الى الأساليب والمعالجات الصحيحة التي تقتضيها مصالح العباد والبلاد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.