الأخلاق ليست دساتير وقوانين فحسب ، وليست مجرد وصف للعادات والتقاليد البشرية المتوارثة ، وليست مواعظ وإرشادات وخطب ومحاضرات نلقيها أمام الناس في وضح النهار ، ونمارس عكسها وراء الأبواب الموصدة بل هي قواعد عامة يجب أن تفرض نفسها على الناس في سلوكهم ، وعلى جميع المسؤولين عن شؤون العباد والبلاد في مختلف مواقعهم . ولهذا نتجنب بيع بضائع فاسدة أو السطو على المال العام أو استثمار مراكزنا لمصالحنا على حساب المصلحة العامة.
من المعروف أن الأخلاق جميعها ليست مدونة أو مكتوبة بل جميعها معروفة ومعرفتها يعني الالتزام بها أكثر من أي تشريع آخر ، لأنها وليدة الإنسان والمجتمع والعقيدة السمحة عبر التاريخ حتى أصبحت عبارة عن أوامر للضمير سواء أكانت للفرد أم للمجتمع . ولهذا لايختلف عليها اثنان بل يُسلم بها الجميع.
إن كل دولة تحتاج إلى الأخلاق أكثر من أي عنصر آخر عندما تلم بها المصائب وتحاصرها الأزمات ويستشري الفساد في بعض إداراتها وتبدأ الإمراض الاجتماعية تنخر في كيانها مثلما ينخر السوس في الأشجار لأنها الكنز الذي لايُفنى وطوق النجاة الذي ينقذ حاضرنا ومستقبلنا . وقد صدق ذلك الشاعر حين قال :- إنما الأمم الأخلاق …
كلنا يعرف أن مجتمعاً بلاأخلاق لن يكون مجتمعاً حراً متماسكاً ، لأن الفاسد سيتحكم بالشريف ، واللص بالأمين ، والقوي بالضعيف ، والظالم بالمظلوم. وهكذا يصبح المجتمع عبارة عن مزرعة لحفنة من الثعالب والخنازير والأفاعي والحمير والشقاوات الذين يتحكمون بأقدار الناس ومقدراتهم ، ويسخرونها لإشباع غرائزهم ودوافعهم ومصالحهم الشخصية ولايأبهون عندما يتضور بعض الناس جوعاً أو يسكن بعضهم مع أطفالهم تحت الأشجار والجسور أو تفتك الأمراض بأحدهم بينما هو عاجز عن توفير الدواء ، مما يؤدي إلى الضعف والانحلال في جسم الدولة ، والانشقاق في كيان المجتمع . وخير من شخّص هذه الحالة نحن العراقيين عندما وصفنا بلادنا بأنها (بقرة) جميلة قتلها (البعض) من أبنائها من كثرة ماحلبوها.
إن الأخلاق ينشدها أفراد المجتمع لدى العاملين في مؤسسات الدولة كافة دون استثناء أو الذين يتحملون المسؤولية القيادية أكثر مما يطلبونها من الفقراء والمرضى والعاطلين عن العمل ، بل من المفروض أن تكون شرطاً أساسياً من شروط العمل في الإدارة أو تحمل المسؤولية مثلها مثل الكفاءة ، وذلك حتى يتجاوب المواطنون مع السلطة ويثقون بها ويشعرون أنها منهم وإليهم مما سيؤدي إلى نجاحها في مهامها.
لقد دلت التجارب ، أن القوانين وصنّاع القرار في مؤسسات الدولة لاتفرض وحدها الأخلاق في أجهزة الدولة الإدارية والسياسية بل القدوة الحسنة والمثل الأعلى والتربية السليمة.
[email protected]