23 ديسمبر، 2024 12:19 ص

شربنا الشاي في علب جبنة كرافت الفارغه

شربنا الشاي في علب جبنة كرافت الفارغه

الى صديقي المغترب الفنان عماد بهجت
قص يصلح لسيناريو فيلم سينمائي
مع نهاية 2013 ومطلع 2014 عندما أستعرت المعارك في الفلوجه بين الجيش العراقي والداعشيين ، وضاع الامان ، وعم القلق .. عقد ابراهيم العزم على ترك المدينه صوب كوردستان بحثا عن الامان والاستقرار .. ولما أعترضت زوجته وهي المرة الاولى التي تخالف رأيه وهي تقول : – من تعرف هناك ؟ وماذا عسانا نعمل ؟ سنتيه بين الجبال والوديان ..
قالتها لانها لم تحض بزيارة هذه الاماكن والاطلاع عليها من قبل ، وربما هي لم تشاهد غير قضاء الفلوجه وفي أفضل الاحوال لم تتعدى مدينة الرمادي ..
أجابها ابراهيم بمرارة :- يا امرأه لما كنت جنديا أمضيت سنين شبابي بين جبال كوردستان لاكثر من 12 سنه ..وأردف نحن مواليد 1957 ذقنا الضيم خلال وبعد القادسية المشؤومة .. لاتوجد منطقة في شمال الوطن لم تطأها قدمي ..
اطمأنت الزوجه وتركت زمام الامور لرب الاسرة ليحدد هو بوصلة المسير ..
في الليل رزموا حقائبهم ، وبعض الاغطية والفراش ، وحمّلوها الى سيارتهم المركونه في مرآب المنزل ..
مع مطلع الفجر توكلوا على الله ..
كانت قبلتهم السليمانيه – ثم أزمر لما تحمله الاخيرة من ذكريات وشجون يوم كان ابراهيم جندي مشاة دائم التنقل والحركه في فوج حديث التشكيل ..
وصل السليمانيه وقت الظهر .. وبعد استراحة قصيره تناولوا الغداء .. تنفست العائلة الصعداء ..
نظرت الزوجه من نافذة غرفة الفندق الى الشارع العام الذي يعج بالحركه وقالت بأرتياح :- السليمانيه حلوه .. هنا أمان وسلام ، والناس فرحين ، لاصوت للرصاص ، ولا رائحة للبارود ، ولا داعش .. ولا ..ولا .. ولا …ثم مسحت دموع عينيها …
وقت العصر أصر ابراهيم أن يأخذا العائله الى منطقة أزمرالتي تحمل في مخيلته عنبر كبير من الذكريات والصداقات الرائعة مع اخوته الجنود من كافة المناطق والملل والاديان ..
وقف على أحدى القمم وتأمل جيدا أيام زمان .. اييييييييه هناك كانت ربيئتنا التي عشت فيها لاكثر من ثلاث سنوات مع عبدالحسين ، ورشو اليزيدي ، وسركون الآشوري ، وفرهاد ، وبكر ..و..و..و.. هذا من البصره وذاك من بغداد وثالث من سنجار ورابع من أربيل والآخر من الموصل …
كنا اخوة متحابين ، متجانسين ..نأكل معا ، نعيش معا ..كم كنا نفرح عندما نستقبل صديقنا وهو يعود من اجازته الدورية ليحكي لنا حكايات حلوة عن النساء والاطفال والحياة المدنيه .. فبرغم المحنة والبرد القارس ، والحرمان من متع الحياة كنا سعداء مع بعضنا البعض ..
وتماهى الى سمعه صوت سركون وضحكته المتميزة يوم كان يطير فرحا لفوزه بأجازة لمدة (15) يوم لمناسبة زواجه ، ولفرط فرحه ظل يرقص ويرقص الى أن تعثر وسقط على كومة أقداح الشاي الفارغة وكسّرها لكنه كان محظوظا لانه سلم منها بأعجوبه ..
ثم التفت ابراهيم الى زوجته وهو يضحك ويقول : – صرنا نشرب الشاي بعلب جبنة كرافت الفارغه لمدة اسبوع الى أن أسعفونا بالاقداح ..لاننا كنا نشرب الشاي بالاقداح الكبيره مثل المصريين ..
وصار ابراهيم يضحك ويضحك ، يضحك ويضحك.. وأرتفعت ضحكاته عاليا .. وأعقبها ببكاء مرير ولم يتمالك نفسه .. تضامنت الاسرة معه ، وصار الجميع يبكون ويندبون حظهم العاثر ..وكأنهم تحوّلوا الى مجلس عزاء !!
ثم ساد ابراهيم شعور غريب وهو ينظر الى الافق البعيد ويقول : – اييييييييييه لم نصدق بأننا أنتهينا من حرب ايران والعراق والقادسيه ..الآن نحن مع قادسية المالكي والداعشيين ، ولانعلم غدا أو بعد غد اية قادسية تنتظرنا ..