23 ديسمبر، 2024 1:35 ص

شخصيات في حياتي الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي

شخصيات في حياتي الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي

صور كثيرة تمر في الخاطر وأنت تستعرض فترات مهمة من فترات الحياة، وتمر بمحطات ذاكرتك متوقفا عند الحدث المتميز أو الشخصية المتميزة التي تركت في نفسك أثرا فتعلّمت منها وأستفدت، وصرت على ما صرت عليه..
ولا بد للمعلم في مراحل دراستك أن يكون له الأثر الأول والمهم.. ولا فرق هنا بين المعلم في مدرسة أولى أبتدائية أو معلم الطب في كلية وجامعة، فالإنسان ومن خلال التفاعل الأجتماعي تتحدد معالم شخصيته في الحياة والعمل. وإذا كنت تعمل طبيبا فلابد من أن يكون لك الأستاذ القدوة، والمعلم الحكيم الذي ترجع إليه وتعود، كمصدر للمعلومات الصحيحة والمهارة العملية المطلوبة.
وإذا كنتُ قد كتبتُ سابقا عن شخصيات ألمعية مرت في حياتي الدراسية الجامعية، فإني أفضّل أن أكمل المشروع، وأفصّل أكثر بما يغني القارئ ويفيده، ويضعني في موقف الإنجاز الكامل في عملية البحث عن شخصيات مرت بي، فكان لها تأثيرها الإيجابي في رسم ملامح شخصيتي نفسها، وهو بالنتيجة وفاء وأعتزاز بالشخصيات التي تسترجعها الذاكرة، وتواصل مع ماضي فيه من الدروس المفيدة الكثير.
‏الأستاذ عبد الهادي الخليلي
عرفت الأستاذ عبد الهادي الخليلي وأنا طالب في كلية الطب بجامعة بغداد في أواسط السبعينيات من قرننا الماضي، حيث كان من مقررات الدراسة في المرحلة الخامسة من الكلية حينذاك التواصل مع تفاصيل علم الجراحة، ومن ذلك جراحة الجملة العصبية (الدماغ والحبل الشوكي وهي من أختصاص الأستاذ الخليلي).
ولم تكن محاضرات الأساتذة المشرفين على تدريس هذه المادة طويلة بعدد ساعاتها، فلا مجال للأطناب في الموضوع في المراحل الدراسية الأولية من حياة طالب الطب، ولكنه من المفيد دائما أن يطلع الطالب على ما أسميه مقدمة في علم جراحة الجملة العصبية ليكون ملّما بالجانب النظري على الأقل في هذا الموضوع المهم، حتى تتاح له فرصة التدريب و الممارسة بعد التخرج.
وأذكر أن الدكتور عبد الهادي الخليلي كان قد ألتحق بكلية الطب بجامعة بغداد في عام 1976 حيث كان على ملاك مستشفى جراحة الجملة العصبية، وله يومه في التدريس الخاص في كلية الطب ومدينة الطب (المستشفى التعليمي الذي أفتتح عام 1970)، وهو تدريس نظري من خلال المحاضرات، وعملي سريري لا غنى عنه. وهكذا ألتقيت الأستاذ الخليلي عام 1979/1980 وأنا في المراحل النهائية من دراستي الطبية، فوجدته صاحب الأسلوب الخاص في محاضراته، وعلاقاته مع طلبته، وهو القريب عليهم، والصديق لهم، الحريص بحرص الأستاذ- الأب على أن ينال الطالب علما يفيده في مجال عمله المستقبلي.
ثم إني وجدت الأستاذ الخليلي محبا للغة العربية، ومتمكنا منها، حتى أنه كان من الأساتذة الحريصين على التواصل مع وسائل الإعلام الطبي في عراق الثمانينيات بلغة صافية عربية واضحة تزيد في ثقة القارئ بالموضوع الذي يتحدث فيه الأستاذ.
ثم إني عرفت بعد ذلك أن الدكتور عبد الهادي الخليلي في طفولته وصباه إنما كان يعيش في كنف مجتمع والده، الذي يزخر بجمع من الأدباء وعشاق الأدب، حيث كان لأبيه مجلسه اليومي الذي يؤمه أهل الكوفة وأحيانا مجاميع من أهالي النجف وبغداد والحلة وكربلاء، وغيرها من المدن المجاورة، حيث يقول عن ذلك في كتابه “رحلتي في الطب الحياة” أنه كان ملازما لتلك الجلسات، حيث كان يستمع إلى ما يقال بدون أن ينبس بكلمة.. (اقرأ صفحة 41 من كتاب الخليلي رحلتي في الطب الحياة الصادر في بغداد عام 2021).
وكم سرّني أن يتجدد التواصل مع الأستاذ الدكتور عبد الهادي الخليلي، رجل العلم والثقافة والفكر، والذي ألّف كتابه-رحلته في الطب والحياة بأجزاء أربعة، جاءت على ما يربو من الألفين صفحة، مفصّلا في مسيرة حياته، وطبيعه عمله وأختصاصه، وتاريخ جراحة الجملة العصبية في العراق. ولكنه لم ينس أن يقول في مقدمة الكتاب أنه لم يقصد من مذكراته أن تكون وثيقة تاريخية، بل أن ما يهمه جدا هو “أن يتعرف الشباب على تجربتي في الطب والحياة و بكيفية تخطي صعوبات واجهتها منذ مرحلة المراهقه وما بعدها، وكيف أني مصمم على عدم الأستسلام، مما يسهم في تشجيع شباب الوطن على التصميم للوصول إلى غاياتهم المرسومة”. ‏
تحية للدكتور عبد الهادي الخليلي، الأستاذ الفاضل وجراح الجملة العصبية النطاسي في العراق، وهو يستعد لتوقيع كتابه في حفل خاص سيكون يوم السادس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. كما أنه يستعد لطبع كتابه الجديد الخاص بمرض السرطان وتاريخ التعامل معه، وتشخيصه وعلاجه في العراق.