23 ديسمبر، 2024 5:17 ص

شجاعة الامام زين العابدين (عليه السلام) تقتلع النصر من عروش بني أمية

شجاعة الامام زين العابدين (عليه السلام) تقتلع النصر من عروش بني أمية

لقد أظهر الإمام السجاد (عليه السلام) أروع وأبهى الدروس في الشجاعة والصبر ، ولم يخبرنا التاريخ بشخصية وحيدة ليس لها ناصر ولا معين تجابه الطغاة المجرمين وهم جالسون على عروشهم وبين حرسهم ووزرائهم وقادتهم وفي قصورهم كما واجه الإمام السجاد عليه السلام عبيد الله بن زياد في الكوفة ويزيد بن معاوية في الشام ، فلم يترك الإمام زين العابدين عليه السلام موقفاً إلا ونقش عليه أكمل السجايا الربانية التي تبين حقيقة ما جرى في كربلاء وإرشاد الأمة الى طريق الحق التي ضلت عنه ، فقد شاءت قدرة الله سبحانه وتعالى ان تحافظ على الحلقة المهمة من حلقات الرسالة المحمدية والتي بدونها تتوقف رسالة الإمامة ومن ثم الإسلام (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (1) وأن تحيط بالإمام السجاد عليه السلام الرعايا الربانية وتغلفه بمرض قد أعطاه العذر الشرعي وأقعده عن القتال مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام قال الله سبحانه وتعالى (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) ..( 2) ، وعلى الرغم من هذا فأن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قد قام متكأ على عصى من أجل القتال بين يدي إمامه وسيده الإمام الحسين عليه السلام ، فقد روى الخوارزمي صاحب المقتل (فخرج علي بن الحسين (عليه السلام) وهو زين العابدين وكان مريضاً لا يقدر على حمل السيف : وأم كلثوم تنادي خلفه : يا بني أرجع فقال ، يا عمتاه ذريني اقاتل بين يدي أبن رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال الحسين (عليه السلام) : يا أم كلثوم خذيه ورديه لا تبق الأرض خالية من نسل محمد (صلى الله عليه واله)( 3) فلم يقعده المرض ولم يثبط عزيمته وشجاعته في مواجهة الآلاف من القتلة المجرمين على الرغم من ضعف البدن وانهيار القوى وهذا جميعه ضمن المشيئة الإلهية التي رعت وحفظة الإمام الأوحد من نسل الإمام الحسين عليه السلام والذي سيكون من صلبه جميع الأئمة عليهم السلام ، فكان المريض هو القائد المسيطر على أحزن أجواء يمر بها قائد بعد معركة قد فقد فيها كل ما يملك من أب هو سيد شباب أهل الجنة ومن عم قد خجل من عطائه وفضله وكرمه حاتم الطائي ومن أخ كان شبيهاً خَلقاً وخُلقاً لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن أعمام وأقارب وأصحاب لم يعرف لهم مثيل ، فقد أحاط بالإمام السجاد عليه السلام وهو العليل جيوش بني أمية المتوحشة ولم يضعف أو يقلق أو يخاف بل كان صلب شجاع وأعطى أروع القرارات عندما سألته عمته الصديقة الصغرى السيدة زينب عليه السلام بعد مقتل سيد الشهداء عليه السلام يا ابن أخي ماذا نفعل قال عليكم بالفرار الى البرية حتى لا يقتل الأطفال والنساء بحوافر الخيل وبالفعل لقد حافظ الإمام السجاد عليه السلام على أطفال أبيه عليه السلام ونسائه وبمن ألتحق بهم من أطفال و نساء بني هاشم والأصحاب .

وعندما دخل الركب المحمدي الكوفة وتجمع الناس لرؤية الأسرى من بني هاشم لم يترك الإمام السجاد عليه السلام هذا الموقف بدون أن يترك فيه كلماته النورانية الربانية الشجاعة التي تؤنب الجموع المتخاذلة الخائنة وحتى يبقى درساً لكل الأحرار في العالم وهو محاط بترسانة السلاح الأموي الذي ينضح من دماء العترة الطاهرة (وخرج الى الناس وأومأ إليهم أن اسكتوا ، فسكتوا وهو قائم فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال في بداية الخطبة : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب أنا أبن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته وأنتهب ماله وسبي عياله أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير نحل ولا تراث أنا أبن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا (4) ، أيها الناس ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم الى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهود والمواثيق والبيعة وقاتلتموه فتباً لما قدمتم لأنفسكم وسوءة لرأيكم ، بأية عين تنظرون الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ، رحم الله إمرأً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وفي أهل بيته فإن لنا في رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اسوة حسنة ، فصمتوا وهم يستمعون الى هذا القول ثم قالوا ” نحن يا بن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فأنا حرب لحربك وسلم لسلمك نبرأ ممن ظلمك وظلمنا _ فأجابهم الامام علي السجاد عليه السلام ” هيهات هيهات ، ايها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا الي كما أتيتم الى أبي من قبل ، كلا ورب الراقصات ، فإن الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته ولم ينس ثكل رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم) وثكل أبي ، وبني أبي إن وجده والله بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصص تجري في فراش صدري) (5)، بهذه الكلمات النورانية الربانية الشجاعة ابتدأ الإمام السجاد عليه السلام الجزء الثاني من المعركة فقد أوضح كل ما جرى في كربلاء وأعطى أهل الكوفة أروع الدروس والعبر والوعظ وحمَّلهم مسؤولية قتل الإمام الحسين عليه السلام لخيانتهم له بعد أن كتبوا الرسائل وقدموا العهود والولاء وحمّلَ السلطة الحاكمة هذه الجريمة النكراء من قتل وسبي وسلب الأموال وحرق بيوت آل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بل وأخرجهم من الإسلام عندما أخبرهم بقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لهم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي بل حول مواقفهم وأعادهم الى أنفسهم وجعلهم متحيرين باكين يريدون الثورة على من دفعهم الى هذه الجريمة النكراء ، اي بعد ساعات قليلة من واقعة كربلاء الأليمة غير الموقف الإمام زين العابدين عليه السلام وجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون على ما اقترفته ايديهم من إجرام ، وهذا كله جرى في مدينة يسيطر عليها المجرم عبيد الله بن زياد المحاط بجيشه المتوحش الذي سُلبت الرحمة من قلوبهم.

وبعد هذا الموقف وتغير الشارع الكوفي من قبل الإمام السجاد عليه السلام كان الموقف الشجاع مع المجرم عبيد الله بن زياد في قصره وبين حاشيته وحراسه الذي أراد ان يذل بيت الرسالة ولكن موقف الإمام السجاد عليه السلام قد صفع المجرم عبيد الله بن زياد صفعة وصل صداها الى آخر الزمان ، ( فقال ابن زياد لزينب عليها السلام : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم فقالت زينب (عليها السلام) الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (صلى الله عليه واله) وطهرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو أنت يا عدو الله وعدو رسوله فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين وأهل بيته ؟ فقالت أن الله كتب عليهم القتال فتبادروا أمر ربهم وبرزوا الى مضاجعهم فقاتلوا ثم قتلوا في الله وفي سبيل الله وسيجمع الله بينك وبينهم وتتحاجون وتتخاصمون عند الله وإن لك موقفاً فاستعد للمسألة جوابا إذا كان القاضي الله والخصم جدي رسول الله (صلى الله عليه واله) والسجن جهنم ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) لأبن زياد : قطع الله يديك وأيبس رجليك يا بن زياد الى كم تكلم عمتي تتعرضها بين من يعرفها ومن لا يعرفها فغضب أبن زياد وأمر بضرب عنقه فمنعه القوم (6 ) ، وفي رواية ثانية عندما هدد أبن زياد الإمام السجاد عليه السلام وأنقذته عمته زينب عليها السلام ( أن عليا بن الحسين عليهما السلام قال لعمته أسكتي يا عمه حتى أكلمه ثم أقبل عليه فقال أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة )( 7) .

فقد لاحظنا أن الإمام السجاد عليه السلام والسيدة زينب عليها السلام قد غيروا الشارع الكوفي ونقلوا له الصورة الحقيقية عن واقعة الطف الأليمة ، ولكن هذا الوضوح عن ما جرى في الكوفة لم نلاحظه في طريقهم من الكوفة الى الشام ، فهذا الطريق مغطى بغمامة لم يقشعها المؤرخون أو الكتاب لذا بقية الضبابية عما جرى في هذا الطريق الطويل ، ولكن هناك صورتان قد تعطيانا عما جرى في هذا المسير ، الصورة الأولى كانت في الكوفة وعرفنا التأثير الكبير للإمام السجاد عليه السلام وعمته الصديقة الكبرى زينب عليها السلام والصورة الثانية عندما دخل ركب السبايا الى مدينة دمشق لا حظنا الشاميين يحمدون الله على نصره لأميرهم يزيد على الخوارج ؟؟؟؟(عندما دخلت السبايا الشام دنا شيخ كبير من نساء الحسين وعياله وهم مقيمون على درج باب المسجد ، فقال الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد من رجالكم وأمكن أمير المؤمنين منكم وهنا تصدى له الإمام زيا العابدين ليبين له الحقيقة ، فقال يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ قال : نعم ، فقال له : هل قرأت هذه الآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال الشيخ : قد قرأت ذلك فقال له الإمام عليه السلام فنحن القربى ، وأستمر له الإمام زين العابدين يذكر له الآيات التي نزلت في حقهم ثم رفع الشيخ رأسه الى السماء وقال اللهم إني أبرأ إليك من عدو آل محمد من جن وأنس ، فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل )(8) ، قد أعطتنا هاتين الصورتين الدور الكبير الذي قام به الإمام زين العابدين عليه السلام في نشر الوعي وتعريف الناس بالحقيقة على الرغم أن هاتين الصورتين قد حدثا في مدينتين معبئتين بالجيش التابع للسلطة الحاكمة الأولى يسيطر عليها عبيد الله بن زياد والثانية عاصمة الدولة الأموية ومسيطر عليها الطاغية يزيد ولكن الإمام السجاد عليه السلام وعمته الصديقة الصغرى زينب قد قاما بدورهما على أفضل ما يمكن وغيرا الأجواء وشحنا الشارع بالرفض لهذه الجريمة بل الثورة ضد بني أمية ولم يعطيا اي أهمية لجور الحكام وهمجية اتباعهم فما بالك في المدن والقرى البعيدة عن سيطرة حكام ألجور ، هذه المدن الممتدة على طول الطريق الذي سلكه ركب السبايا فمن العقل أن العمل الذي قاما به الإمام السجاد وعمته عليهما السلام سيكون أكثر فعالا وتأثيرا في جموع الناس التي تسكن تلك المدن والقرى.

وكان الفصل الثاني من المخطط الالهي للحفاظ على الإمام السجاد من القتل واصطحاب النساء والأطفال الى كربلاء في عاصمة بني أمية ومركز البغض والعداء والضغينة لأهل البيت عليهم السلام :

عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال ( لما أدخل رأس الحسين بن علي عليه السلام على يزيد لعنه الله وأدخل عليه علي بن الحسين وبنات أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان علي بن الحسين عليه السلام مقيداً مغلولا ) قال يزيد يا علي بن الحسين الحمد لله الذي قتل اباك ” فجاء الرد الصاعق والجواب الخارق من ثائر وشجاع آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين ، فقال علي بن الحسين عليه السلام لعن الله من قتل أبي فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه ؟؟؟ (9).

وكان قمة التحرك المخطط والشجاع في توعية الناس ونقل الصورة الحقيقية لواقعة كربلاء وما جرى فيها وتعريف الناس بركب الأسرى وعلاقته برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والرسالة المحمدية السمحاء بالإضافة الى تعريف الأمة بأمير المؤمنين عليه السلام الذي سبوه من على منابرهم لسنوات طويلة ، وأهمية هذا الموقف تظهر من أهمية المكان وهو المسجد الأموي الذي يعتبر الموقع الإعلامي الأول للسلطة الحاكمة بالإضافة الى كثرة تجمع الناس بمختلف طبقاتهم في هذا المكان والحدث يتم مع وجود الحاكم يزيد وحاشيته ،عندما أمر يزيد الخطيب أن يتكلم بسوء عن الإمامين الحسين وعلي عليهما السلام ، فصعد الخطيب المنبر وأكثر الوقيعة في أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام وأطنب في مدح معاوية وأبنه يزيد فذكرهما بكل جميل ” هنا أرتج المسجد بصوت الحق والشجاعة عندما صاح الإمام علي بن الحسين ويلك أيها الخطيب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ، هذا الصوت المحمدي العلوي الذي صدح في فضاء طالما ركن الى الظلم والتجني على أهل البيت عليهم السلام وسبهم بشتى أنواع السب والشتائم ، هذا الصوت الذي ألهب القلوب وأدار العيون قبل الرؤوس وأذهل العقول ، من هذا المتكلم المعترض عل خطيب السلطة بل أخبره ببطلان خطبته التي بها نال سخط الله سبحانه وتعالى بل أعطاه نتيجته السوداوية في يوم القيامة نتيجة مدحه لمعاوية وابنه يزيد بحضور طاغية العصر يزيد نفسه وجلاوزته وفي عاصمته ومقر إعلامه ، هذا الموقف البطولي الذي أظهره الإمام زين العابدين عليه السلام كان درساً عمليا لكل الأحرار في العالم في كيفية مواجهة الطواغيت والظلّام ، وكانت الخطوة الأكثر جرأة عندما طلب الإمام السجاد عليه السلام من يزيد أن يصعد الأعواد ولم يقل المنبر لأنه منبر ظلم وجهل وليس حق وعلم كما كان منبر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فيتكلم بكلام لله فيه رضاً ولهؤلاء الجلساء فيه أجر وثواب : فأبى يزيد لأنه يعرف من هو الإمام علي بن الحسين عليه السلام ولكن هذه الجموع لا تعرف شيء عن هذا الشاب الذي قادته سلاسل الحديد من كربلاء الى الشام ويظهر هذا المفهوم عندما طلبت هذه الجموع من يزيد أن يأذن له بالصعود لعلهم يسمعون شيئا منه ، فقال يزيد إنه إن صعد لم ينزل الا بفضيحتي وبفضيحة ال أبي سفيان ” فقيل له وما يحسن هذا الفتى ” فقال أنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا ، ولكن نتيجة الضغط الجماهيري أذن يزيد للإمام علي بن الحسين عليه السلام بصعود المنبر (( فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى مناه العيون وأوجل منها القلوب : ثم قال أيها الناس أعطينا ستاً وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفُضلنا بأن منا النبي المختار محمداً ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة ، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي …… فلم يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد لعنه الله أن يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال علي لا شيء اكبر من الله ……… فلما قال المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله ، ألتفت من فوق المنبر الى يزيد ، فقال : محمداً هذا جدي أم جدك يا يزيد ؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته ؟؟ )) ( 10 ) ، هذه الخطبة النارية الثورية التي هدمت كل التدابير التي هيئها يزيد حتى يقبل الناس بقتل الحسين عليه السلام ، هذه الخطبة التي صفعت الأمة وجعلتها تقفز مرعوبة من سباتها العميق عندما أخبرهم من يكون ؟؟ وما هي قرابته من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن يكون جده أمير المؤمنين عليه السلام وكيف حاربت هذه الجموع الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين وكفَّرتهم وسبَّتهم من علا منابر المسلمين و تحتفل بقتل سبط رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وسيد شباب أهل الجنة على أنه خارجي وتتقرب بسب أول المسلمين وأخ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن قام الإسلام على سيفه وجعلت ليوم استقبال بيت الرسالة كأسرى عيداً وفرحاً ، وبعد أظهار الحقيقة تصارخت الحناجر وضج المسجد بأصوات الرفض وعدم قبول الأمر والتوبة من هذا الفعل الشنيع الذي لا يقبله الله ولا رسوله (صلى الله عليه واله وسلم) فدغدغت أفكار الثورة عقول المحتشدين قبل قلوبهم ونتيجة هذا الخوف أعترف يزيد بهذه الجريمة النكراء وتخلص منها بعد أن كان كما يزعم فتح الله ؟؟ ونصره ؟؟؟ وألصقها بعبيد الله بن زياد ، وهكذا قلب الإمام السجاد عليه السلام وعمته زينب عليها السلام الهزيمة الى نصر وقلب كل موازين القوى التي كان يتبختر بها بنو أمية الى ضعف وتقهقر ، وجعلوا يزيد وهو على عرشه وبين جيشه يرتعب منهم ويحسب الدقائق والساعات حتى يخرجوا من عاصمته التي كانت تهتز غلياناً بعد ان عرفت الحقيقة وكانت الجماهير مهيأة للقيام بثورة عارمة ضد سلطانه وجبروته وملك بني أمية لذا قام بتجهيزهم وإعطاءهم ما يريدون حتى يرحلوا.

وكان الفصل الاخير من هذا المخطط الالهي في مدينة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ، فعندما وصل ركب السبايا الى مدينة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لم يدخل الإمام علي بن الحسين عليه السلام بل أنتظر خارج المدينة وأختار شاعراً متمرساً (إعلامياً) حتى ينقل خبر هذا الحدث الى الأمة وهو بشير بن حلذم حتى يحرك المشاعر ويلهب القلوب ويحشد الناس لهذا الخطب الخطير الذي تعرضت له الأمة وجرح به الإسلام فكانت كلمات بشير بن حلذم :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرج والرأس منه على القناة يدارُ

ثم قال هذا علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وأنا رسوله لكم أعرفكم بمكانه فما بقيت في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربت خدودهن يدعون بالويل والثبور ، فلم أر باكيا أكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمر على المسلمين منه .

فتوجهت هذه الجموع المشحونة الى مكان الإمام زين العابدين عليه السلام ، فوضعوا له كرسي وأحاطه الناس من كل جهة يعزونه فضجت البقعة ضجة شديدة ، فأومأ بيده أن اسكتوا فسكنت فورتهم فقال (عليه السلام) : … بعد الحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى .. أيها الناس ان الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبي ابو عبد الله وعترته وسبي نساءه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية لا مثلها رزية ، ايها الناس فأي رجالات منكم يُسروّن بعد قتله ؟ أم اية عين منكم تحبس دمعها وتضن عن إنهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان ولجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون ؟ أيها الناس أي قلب لا يصدع لقتله ؟ أم أي فؤاد لا يحن اليه ؟ أم أي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ؟ ايها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك وكابل من غير جرم أجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في إبائنا الأولين ، إن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأوجعها وأكظمها وأفطمها وأمرها وأفدحها فعند الله تحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إليه عزيز ذو انتقام )( 11) .

بهذه الطريقة المثلى نقل الإمام زين العابدين عليه السلام حقيقة ما جرى في كربلاء لأهل المدينة وأطلعهم عليه بكلمات وهجت العواطف وأرقت القلوب وأدمعت العيون ودفعت بالأفكار الى الثورة على الواقع الفاسد الظالم ، فجعل الإمام السجاد عليه السلام كل موقف من طريق ركب السبايا شعلة تتوهج للأحرار الذين يرفضون الخنوع والذل ، فكان طريق ركب السبايا كسلك الديناميت الذي أنطلق من واقعة الطف الأليمة وتفجر في الكوفة ودمشق والمدينة وباقي المدن والقرى التي مر بها هذا الركب واستمر هذا السلك الى يومنا الحاضر يتفجر في كل زمان ومكان ينتابه الظلم والطغيان ، وهذا ما أراده الله سبحانه وتعالى وكانت مشيئته في مرض الإمام زين العابدين عليه السلام في كربلاء واصطحاب الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه حتى يكون ذلك ، فكان أول نتاج لحركة الإمام زين العابدين وعمته الصديقة الكبرى عليهما السلام وركب السبايا هو اندلاع الثورات الرافضة لحكم بني أمية فكانت ثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري في عام (63 هجري) وثورة التوابين بقيادة سليمان بن الصرد الخزاعي في عام (65 هجري) وثورة المختار الثقفي في عام (66 هجري) وغيرهم كثير .

فكان الإمام زين العابدين عليه السلام بحق اشجع الشجعان الذي قدم أرو الدروس في الشجاعة والبطولة في مواجهة طغاة زمانه كعبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية ومرتزقتهم المجرمين ، فكان من نتاج هذه الشجاعة الحفاظ على تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل الذي أراد بني أمية أن يطمروه ويعيدوا الأمة الى عبادة اللات والعزى وهبل ونقل الأمة من حالة الخنوع والذل والمسكنة الى حالة الثورة والتصدي للظلم والظالمين ، فقد اقتلعت هذه الشجاعة النصر من علا عروش بني أمية وألبست الذل والخزي والعارعليها الى يوم القيامة .

(1) سورة الحجر آية 9(2) سورة التوبة آية 91 (3) مقتل الحسين (ع) – الخوارزمي ج2ص32(4) اللهوف في قتلى الطفوف- السيد بن طاووس المجلد 1ص116(5) بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج45ص113(6) ينابيع المودة لذوي القربى القندوزي ج3ص87 ص 88(7) لواعج الأشجان سيد محسن الأمين ص211(8) بحار الأنوار ج45 ص129(9) رحلة السبي ص54(10) بحار الأنوار- العلامة المجلسي ج45ص137(11) بحار الأنوار ج45ص147-149.