22 ديسمبر، 2024 12:25 م

شبكة الجزيرة ونهاية الرأي

شبكة الجزيرة ونهاية الرأي

قضية اقصاء المذيع المغربي عبد الصمد ناصر من قناة الجزيرة على اثر تغريدة يدافع فيها عن كرامة بلاده ، تعد هذه القضية ذروة ما آلت اليه الصراعات بين اللوبيات و ابتعاد القناة لمسافة بعيدة جدا عن لائحة المبادئ التى اعلنتهامنذ اليوم الاول لتأسيسها .
ومع رفعها شعار ( الرأي والرأي الاخر ) ،حملت قناة الجزيرة القطرية بذور التباين في الآراء ووجهات النظر وذلك مع انطلاقتها في الاول من نوڤمبر عام 1996 لتصبح في ما بعد المكان التأريخي لولادة ونشوء فكرة اللوبيات بين الجنسيات والتي انتقلت الى بقية القنوات العربية . .
كانت الفكرة في بداية الانطلاق ،هي ان لا ينظر الى الهوية السياسية للمتقدمين للعمل في قناة الجزيرة ، وذلك وفق رؤية تؤيد تنوع الثقافات وبالتالي تعدد الرؤى من اجل تحقيق الشعار العام للقناة والتي كان يراد منها اطلاق وترويج ثقافة التنوع وحرية الراي واحترام استقلالية الصحفي .
وبالفعل انطلقت القناة بكوادر عملت سابقا في اذاعة BBC البريطانية ، وغالبيتهم من اصول فلسطينية ، من بينهم: جميل عازر ،توفيق طه وسامي حداد ، بالاضافة الى انضمام اخرين من جنسيات عربية مختلفة ومن تيارات سياسية متنوعه .
لغاية عام 2001 ، لم تشهد الجزيرة ، تكتلات ملحوظه وصدامات بين الاقطاب الرئيسية ،سواء في مجلس الادارة ام في ادارة التحرير والورش الانتاجية في القناة .
مع وقوع هجمات سبتمبر ومن ثم القرار الاميركي بمعاقبة جماعة طالبان ، تبنت القيادة السياسية القطرية قرارا استراتيجيا باعلان تبنيها للتيارات الاسلامية في العالم ، وذلك انطلاقا من اعتقاد لدى امير البلاد انذاك الشيخ حمد بن خليفه بان اسرته هي سليلة العقيدة الوهابية التي يعتقد انها نشأت في قطر وليس السعودية .
بناءا على هذا الموقف ، تبنى الفلسطيني الاخواني وضاح خنفر رئيس التحرير الاول في القناة سياسة الالتزام بدعم الجماعات الاسلامية السنية وعلى راسها الاخوان المسلمين وتنظيم القاعدة الارهابي . ووفق هذه الرؤية ، بدأ الانحياز الاسلامي يتسرب الى صالة الاخبار والغرف التحريرية في القناة وهو ما كان واضحا وكافيا لتسجيل خروج الجزيرة عن شعار ( الرأي والرأي الاخر ) . .
شرعت ادارة القناة باستقطاب وتقريب الصحافيين من جماعة الاخوان . فكان الاخوان الفلسطينيون والمصريون والسودانيون هم الاقرب للوصول الى اروقة الجزيرة ما اسفر عن بروز ظاهرة اللوبيات العقائدية ولوبيات الجنسية والهوية .
فبرز تكتل ( الاخوان الفلسطينيون ) ويدعمهم معظم اعضاء مجلس الادارة وعلى راسهم وضاح خنفر .
ويقابل هذا التكتل لوبي ( الاخوان المصريون ) بقيادة ايمن جاب الله واحمد منصور . ليتوسع هذا اللوبي ليلتحق به ( الاخوان السودانيون ) ، فيما اخذ الناصريون واليساريون بالتسرب والخروج من القناة ، اما من تبقى من جنسيات عربية ومن اتجاهات مستقلة ، فاضطروا الى اللحاق بركب الاخوانية والتملق لهم وذلك بداعي الحفاظ على المنصب والوظيفة .
مع بدء الحرب الاميركية التي انتهت باسقاط نظام صدام حسين ، ولضرورة الحاجة لمختصين بالشان العراقي ، استقطبت القناة عددا كبيرة من العراقيين والعرب الذين عملوا سابقا في مؤسسات اعلامية تابعة لحزب البعث العراقي ، حيث تشكلت ادارة تحرير خاصة بالعراق تضم كتابا واعلاميين من ابرزهم ، لقاء مكي . عبد العظيم الفلوجي ، وحامد حديد .
لغاية عام 2003 ، كان اللوبي الفلسطيني هو الاكثر سيطرة من حيث الهوية ، فيما الاخوان المسلمون هم اصحاب القرار والهيمنة العقائدية على طاولة تحرير الاخبار ، في حين لم ينجح العراقيون في تشكيل لوبي بنفوذ قوي داخل القناة على الرغم من ان غالبيتهم ينتمون الى التيار السلفي .
كانت سياسة الازاحة هي السلاح القوي والفعال لدى لوبي الاخوان المسلمين واللوبي الفلسطيني تحديدا .وكان هذا التنسيق بين اللوبيين من القوة بحيث تغلب على قرار الشيخ حمد بن ثامر الذي كان قد رشح في عام 2011 الصحافي في القناة غسان بن جدو لخلافة وضاح خنفر ، غير ان هذا لم يحصل بحكم تاثير الفلسطينيبن .
ومع توسع شبكة قنوات الجزيرة وتعدد القنوات الرياضية والقنوات التخصصية ، جرى استقطاب صحفيين من دول شمال افريقيا بالاضافة الى تزايد اعداد اللبنانيين والسوريين ،وان كانوا باعداد قليلة في البداية . وبمرور الوقت ومع انطلاق قنوات بينسبورت وتزايد اهتمام ادارة الشبكة بالاعلام الرقمي ، ظهر صراع اللوبيات بصورة واضحه خاصة بعد قرار مدير عام الجزيرة السابق ياسر ابو هلالة بان يصار الى الاخذ برأي الضامن من داخل القناة لكل من يرغب بالانضمام اليها وذلك على الرغم من اعتماد الشبكة ( شكليا ) في اعلان الوظائف على آلية التفاضل عبر استمارة التقديم الالكترونية .
هذه النافذه سمحت لاعضاء مهمين في مجلس الادارة ورئاسة التحرير لاستقطاب صحفيين من بني جنسيتهم وبالاخص من تونس والجزائر والمغرب .
ومع مرور الوقت تقاسم الجزائريون والتونسيون السيطرة على مجموعة قنوات بينسپورت فيما تنافس المغاربة والجزائريون على قطاعات من قناة الجزيرة الاخبارية ما ادى الى بلوغ التنافس مستوى التصادم في بعض الحالات .
ومابين الجزائريين والمغاربة حساسية وطنية شديدة تطغى على اي انتماء اخر .وهذه الحالة السلبية والمقلقة تظهر اينما تواجد الصحافيون من هذين البلدين .
حاولت مجموعة من قدامى مسؤولي شبكة الجزيرة وضع معايير للحد من تصادم اللوبيات ولكن من دون جدوى الامر الذي ادى الى خروج. عدد من الصحفيين المخضرمين في حين فضل القوميون والناصريون تاسيس قناة فرعية تحت اسم ( العربي) بادارة الفلسطيني عزمي بشارة .
ويعد الاردني من اصل فلسطيني ياسر ابو هلالة مدير عام الجزيرة لغاية 2018 من اسوأ المتعاقبين على ادارة القناة حيث تبنى اجندة اخوانية مباشرة طالت حتى العلاقات المهنية والاجتماعية داخل اقسام القناة . ومع تنحية ابو هلالة وتولي احمد سالم اليافعي ادارة القناة ، حاول اليافعي ( متأخرا ) اعادة التوازن الى آليات إصدار القرارات وتوزيع المناصب في الاقسام الرئيسية في القناة ،مستغلا تراجع تاثير اللوبي الفلسطيني وايضا حالة التذمر من الاخوانيين الذي ضعف تأثيرهم نسبيا بفعل الازمة التي وقعت بين قطر وكل من السعودية والامارات والبحرين ومصر .
وازاء هذا المتغير الذي حرض على التطرف والانحياز ، برز الصراع المغاربي الجزائري الى السطح لاسيما مع تبني نزعة الخصومة ضد المملكة المغربية التي ايدت من طرف خفي الرباعي العربي المناهض لقطر وهو ما شجع اللوبي الجزائري على التحرك للثار والانتقام مستهلا عداوته للزملاء المغاربة باقصاء المذيع القدير الحبيب الغريبي واخرين .
ومع هذا الاستقطاب السياسي تبعا للسياسات القطرية ،برزت في القناة ظاهرة المحاسبة على النوايا ، وتبنت الادارة القطرية للقناة اسلوب المراقبة والمتابعة الامنية لمواقف العاملين على صفحاتهم الشخصية في تطبيقات السوشيل ميديا .
وبرز احمد منصور الذي يعتبر نفسه عراب الاردوغانية في القناة . برز كمحرض ضد العاملين في جميع قنوات الشبكة بما فيها قناة العربي الشقيقه .
وقبل عامين اقصي رئيس تحرير في قناة العربي على اثر تغريدة انتقد فيها سياسة الرئيس التركي. ، وقد تطورت الازمة بين قناة العربي واحمد منصور وياسر ابو هلاله الى حد التضييق على المدير التنفيذي للعربي الزميل عباس ناصر الذي اضطر الى الاستقالة والانتقال الى قناة الغد التي تقف في جانب النقيض من السياسة القطرية ..!!
ان حادثة اقصاء المذيع عبد الصمد ناصر ليست الاولى ولن تكون الاخيرة وذلك مع استمرار انحدار الشبكة القطرية نحو التحول الى منظمة حزبية تراقب نوايا اعضائها ،مع استمرار المأسسة الرسمية للشبكة لتتحول الى مؤسسة حكومية قطرية محلية .