23 ديسمبر، 2024 3:01 ص

شبكة الإعلام .. بؤرة الفساد و مستنقع الفشل

شبكة الإعلام .. بؤرة الفساد و مستنقع الفشل

دخلت صناعة الإعلام العراقي مرحلة جديدة مليئة بالآمال و التطلعات ببناء مؤسسات إعلامية رصينة تأخذ على عاتقها مهمة التأسيس لوعي مجتمعي جيد يسهم في صناعة رأي عام عراقي يناسب مرحلة ما بعد الدكتاتورية و التي كان من المؤمل أن ترتكز على حرية الرأي و التعبير و ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان خصوصاً بعد إنهيار نظام الدكتاتورية البعثي على يد قوات الإحتلال الأمريكية و حلفاءها في أبريل 2003 .

سعت التيارات و الجماعات المختلفة و منذ الشهور الاولى للاحتلال الى بسط نفوذها في مراكز القوى المتعددة في السلطة و الاقتصاد و الاعلام ، و نجحت الى حد بعيد في خلق منظومة معينة تتغلغل من خلالها في معظم مؤسسات الدولة المختلفة و تصنع عراقيل كثيرة بالشكل الذي لا تتمكن من خلاله اي شخصية مستقلة او معارضة للسلطة الحالية او الاحزاب المشتركة في الحكم من تسنم اي موقع مسؤولية في الدولة مهما كانت مؤهلات و خبرات هذه الشخصية .

و بعد إلغاء وزارة الاعلام بموجب قرار حاكم الاحتلال الامريكي بول بريمر ، تم تشكيل هيأة إعلامية سميت ” شبكة الاعلام العراقي ” كمحاكاة لتجربة إعلامية عالمية و مهنية كـ هيأة الإذاعة البريطانية “BBC ” و لكن بتكوين عربي و نكهة عراقية . كان من المفترض ان تكون هذه المؤسسة شبه رسمية و ترصد امال و طموحات و مأساة و معاناة ابناء الامة و تكون وسيلة الاتصال بين جميع فئات المجتمع العراقي و الطبقة الحاكمة من جهة و بين المجتمع العراقي و بقية شعوب منطقة الشرق الأوسط و البلدان الناطقة باللغة العربية من جهة ثانية ، لكن و للأسف الشديد فشلت هذه المؤسسة في التعامل بوطنية و مهنية و موضوعية مع الأحداث و المتغيرات الاجتماعية لشعب بلاد الرافدين بسبب تسلط أذرع بعض الأحزاب و التيارات ذات الاجندات الخارجية غير الوطنية .

كان من المؤمل ان تلعب ” الشبكة ” عن دورا محوريا في صناعة الرأي العام العراقي و المساهمة الفاعلة في إعادة صياغة مفاهيم المواطنة و الديموقراطية و احترام حرية الرأي و التعبير و مبادئ حقوق الإنسان . خصوصا و إن دور الرأي العام في معالجة المشاكل الاقتصادية في العراق و منها انخفاض مستوى الخدمات التعليمية و الصحية و النقل و المواصلات دورا رئيسيا في تسليط الضوء عليها و متابعة عمليات مكافحة الارهاب و الفساد و هو ما يتسبب في عرقلة عملية التنمية الاقتصادية التي من شأنها أن توجه الاستثمارات على جبهة واسعة في القطاعات من اجل كسر حلقة التخلف و الاسراع بعملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .

و على الرغم من العدد الكبير جدًا من العاملين و التخصيصات المالية الضخمة لشبكة الإعلام، فقد فشلت في تحقيق تأثير حقيقي في الشارع العراقي، بلعب الدور المنظر منها خلال السنوات الـ 17 الماضية عموما و خلال فترات الأزمات التي واجهت البلاد خصوصا أو نقل الأحداث بحيادية و سرعة على أقل تقدير . على العكس، اقتصر دور الشبكة على ” التطبيل لرؤساء الوزراء، و نشر الكثير من الأخبار غير الدقيقة و تضخيم اي عمل حكومي بشكل ساذج و مبالغ فيه، و إنتاج الأعمال الفنية الهابطة من مسلسلات و برامج تحاول من خلالها تبرير الكوارث التي تعيشها البلاد بمخلفات حزب البعث المنحل و مكافحة الارهاب و تتغاضى عن فساد المؤسسات الحكومية و الاحزاب و التيارات التي تملك السلاح المنفلت .

لا بد من اعادة هيكلة هذه المؤسسة الممولة من اموال الشعب العراقي و التي لا تمتلك القدرة التي تمتلكها مؤسسات إعلامية صغيرة، أو حتى مدونين على مواقع التواصل الاجتماعي، في سرعة نقل الأحداث التي تشهدها البلاد، فضلًا عن عدم ثقة المتابعين بها، لتعمدها إغفال أحداث خطيرة و مهمة جدًا كالتظاهرات، أو تغطية أحداث أخرى لا قيمة لها، بهدف صرف النظر عن أحداث أهم . كما يجب ان ترسم سياسات وطنية تسير عليها بحيادية و موضوعية بالشكل اللائق و الا فلا ينبغي ان تستمر بشكلها السلبي الحالي .