23 ديسمبر، 2024 9:23 م

شباط الأسود جداً وضحاياه

شباط الأسود جداً وضحاياه

1
في تاريخ وحياة كل الشعوب والأمم أيام وشهور مشؤومة تجلب النحس والبلاء، لا يحبذ بها عمل أي شي، كما هناك تواريخ وأيام لا يمكن أن تنسى بسهولة وتمحى من الذاكرة. وفي تاريخ العراق وخاصة الحديث عن أيام وتواريخ أدخلت البلد في نفق مظلم. ومنها 8 شباط الأسود وما ارتكبه البعث من مجازر وقتل وحشي في ذلك اليوم ،حيث خيم سواده على اغلب أرجاء الوطن. حملة الاعتقالات والاغتيالات تجري على قدم وساق، ومطاردة القوى الوطنية اليسارية التقدمية، كانت هدف ومبتغى انقلابيي البعث ومن دعمهم من خارج الحدود. حملة البعث الشباطية السوداء لم تفرق بين رجل وامرأة، طفل ومسن، فالكل معرض للقتل والتصفية والمطاردة والسجن، عشرات النساء زججن في السجون وعشرات أخريات عذبن وقتلن، إضافة إلى مئات وربما آلاف من الرجال، الذين ظل البعض منهم يقاتل أياما وأياما، لكن ما من ناصر ولا معين. والحديث لا يسع لأذكر حتى ولو بعضا من تلك الحالات التي باتت من الموروث السياسي- الاجتماعي العراقي المعروف والمتداول، وخاصة مع حلول 8 شباط، حيث تعود الذاكرة مرغمة إلى تلك الأيام.
2
يوم آخر في شباط المشؤوم لا يقل سواداً عما جرى في الثامن منه، ألا وهو يوم 14 شباط عام 1949 يوم إعدام الشهيد الفذ فهد ورفاقه من قبل الحكم الملكي. ذاك اليوم الذي يحتفل به الجميع بعيد الحب الفلانتين، إلا جماهير الحركة الوطنية العراقية والشيوعيين وأصدقائهم، فلهم ألف حزن وحزن في ذاك اليوم المرير. وألف دمعة ودمعة على شهداء العراق، وألف حسرة وحسرة، لأنهم لم يكملوا الدرب، ويكلل نضالهم بانتصار إرادة الشعب وقواها الوطنية ، العاملة من اجل حياة كريمة وشعب سعيد في ظل وطن حر وأمان ومستقر، لكن طغيان الحكم الملكي والقوى الرجعية لم تسمح لهم بذلك. لتبقى ذاكرة الوطن تحفر يوم استشهادهم بنور أزلي، وتلعن ذاك الشباط المشؤوم ويومه الرابع عشر إلى أبد الدهر والزمان. ولم يكتف شباط بذلك بل أصر على تطريز أيامه بالسواد والقتل والعار، ففي يوم 19 شباط 1963 ألقي القبض على سكرتير الحزب الشيوعي العراقي سلام عادل، وعذب بكل وحشية وقسوة، طوال الأيام المتبقية من شباط حتى تقطعت أوصاله واستشهد، في أوائل آذار.
3
اليوم حين نتوقف أمام هذه الكارثة السوداء التي وضعت العراق في معمعة العاصفة، وبعد عشر سنين من تغيير سياسي للأسف جاء بتدخل خارجي، أدخلنا في دوامة الأزمات والتخندقات المذهبية والطائفية والقومية، لابد لنا شعبا وحكومة وقوى سياسية وتيارات وأحزابا، من استيعاب الدرس بشكل جيد، وان يكون العمل أولا على عدم تكرار المأساة والانفراد بالسلطة من أي مكون وصناعة دكتاتورية جديدة قد تدخلنا في نفق مظلم لا يقل حلكة عن نفق 8 شباط البعثي التآمري الرجعي. كما لابد من الحرص على مستقبل العراق وتطوره الديمقراطي وبناء المؤسسات الضامنة للديمقراطية، والانتقال السلمي للسلطة. وأن تكون صناديق الاقتراع هي الفيصل في ذلك، وتحت قانون عادل يضمن أصوات الجميع، ونبذ العنف وتجريم كل من يلجأ إليه أو يستخدمه لأي غايات وأغراض، والعمل على صون وحدة العراق من أي تقسيم وتشرذم، وكبح الأصوات التي تنادي وتعمل على التقسيم لغايات وأجندات باتت معلومة وواضحة، مع تدخل الاحداث والأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، وخاصة ما حدث ويحدث في سوريا.
4
لقد ارتكب انقلابيو 8 شباط أعتى جرائم قتل بحق الشعب العراقي، ومارسوا شتى صنوف التعذيب والإعدامات والمقابر الجماعية في الشوارع والساحات وانتهكوا الأعراض في كل أرجاء البلد، دلالة على وحشيتهم وطغيانهم الذي بان من أول لحظات، إذ ستبقى تلك الجرائم وصمة عار وخزي على جبين البعث وأزلامه وأيتامه  الذين استحقوا ما حدث لهم من سقوط مروع في ليلة من نيسان 2003 لن تنسى أبدا، رغم مرارتها، بدخول الدبابة الأميركية بغداد. فيما بقي الشعب شامخا وقواه الوطنية ساطعة في سماء الوطن. تستمد عزمها من شهداء الوطن ضحايا البعث والدكتاتورية، ومعززة الثقة بالنفس وبالجماهير التي سيأتي يومها وتقول كلمة الحق بصناديق الاقتراع بعيدا عن الطائفية والمذهبية والقومية. من اجل عراق مزدهر متقدم ينعم بروح السلام والتآخي والتعايش السلمي بين كل مكوناته. ومع استعادة الذكرى المؤلمة لابد من الدعوة مجددا لإنصاف ضحايا 8 شباط الأسود وشمولهم بالتكريم واعتبارهم شهداء الوطن ومنح عوائلهم امتيازات ما تمتع به شهداء العراق. إلا أن الذي حصل مؤخرا تم إنصاف الجلاد على حساب الضحية، وأنصف أزلام البعث، بحقوق تقاعدية وإعادة أملاك وامتيازات، وقد سبقهم من وصل إلى الحكم والبرلمان، والسبب هو خطأ فادح ارتكبته الأحزاب الحاكمة حين استعادت البعث، بشكل طائفي، وموالاتي، أي كل من يرفع راية الموالاة والطاعة معي.
5
في شباط عام 2011 خرج شباب العراق إلى ساحة التحرير في ممارسة حق ديمقراطي كفله الدستور، وهو التظاهر والمطالبة بتوفير الخدمات والقضاء على الإرهاب والفساد والبطالة، ورغم ما تعرضت له التظاهرات من حملات إعلامية ومحاولة تشويه إلا أنها جنت بعض ثمارها. لكن ما كنا نأمله ونرجوه هو تغيير موعده فقط والانتظار ثلاثة أيام لا أكثر، حتى ينتهي شباط ويعلن آذار قدومه وتنطلق التظاهرات، وكنا حينها سنطلق عليهم شباب آذار الخير والعطاء، لا شباب شباط الأسود المشؤوم، الذي لن ولن يكون غير ذلك في يوم ما، حتى لو حدثت فيه أحداث جسام وغيرت بوصلة الأحداث ودفة السلطة.
الشيء الآخر، هناك إعلان أو تعميم بانطلاق تظاهرات أخرى يقوم بها شباب “نصب الحرية” في يوم 14 شباط تحت عنوان حب العراق تيمناً بعيد الحب الفلانتين، ولا بأس بذلك، لكن لم لا يكون تيمناً بيوم الشهيد ذكرى إعدام فهد ورفاقه، الذين ضحوا بحياتهم من أجل العراق وشعبه وأرضه وتاريخه. ونجعل منه يوما وطنيا يتم من خلاله تعريف من لا يعرف بما حدث في ذاك اليوم، وخاصة من الشباب.