يمثل الشباب في العراق، الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان، ثروةحقيقية وطاقة كامنة قادرة على دفع عجلة التنمية. إلا أن هذه الطاقةتواجه تحديات جسيمة تهدد بتعطيلها وتحويلها إلى قنبلة موقوتة،حيث تقف أزمات متراكمة كالبطالة المرتفعة والعزوف عن الزواج عائقًاأمام تحقيق طموحاتهم، وتلقي بظلالها القاتمة على مستقبل البلادبأكمله.
البطالة: شبح يطارد أحلام الشباب
تعتبر البطالة من أبرز الأزمات التي تضرب جيل الشباب في العراق. تشير الإحصاءات إلى معدلات مقلقة، فبحسب بيانات حديثة لعام2024، وصلت نسبة بطالة الشباب إلى 32.09%، وهو رقم لا يعكسمجرد أزمة اقتصادية، بل كارثة اجتماعية تترك آثارًا نفسية عميقة. فالشاب العراقي، بعد سنوات من التحصيل العلمي، يجد نفسه فيمواجهة واقع مرير، حيث تتقلص فرص العمل وتغيب الآفاق المهنيةالواعدة.
تعود أسباب هذه الأزمة إلى عوامل متداخلة، أبرزها عدم التوافق بينمخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، وهيمنة القطاع العام الذيوصل إلى مرحلة التشبع، وضعف القطاع الخاص الذي يعاني من بيئةاستثمارية غير مستقرة. هذا الوضع يدفع الكثير من الشباب إلىالشعور بالإحباط واليأس، وقد يفتح الباب أمام سلوكيات اجتماعيةخطيرة.
العزوف عن الزواج: قرارٌ تفرضه الظروف
نتيجة مباشرة للأزمة الاقتصادية، برزت ظاهرة مقلقة أخرى وهيعزوف الشباب عن الزواج. لم يعد الزواج وتكوين أسرة حلمًا قريبالمنال لشريحة واسعة من الشباب، بل أصبح عبئًا ماليًا ثقيلًا. فارتفاعتكاليف المعيشة، وغلاء المهور، ومتطلبات السكن، كلها عوامل تجعل منالإقدام على هذه الخطوة مغامرة غير محسوبة في ظل غياب الاستقرارالمادي.
الأمر لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل يتعداه إلى أبعاداجتماعية. فالعادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض تكاليف باهظةللزواج تزيد من تعقيد المشكلة. هذا العزوف لا يؤثر على الشبابفحسب، بل يهدد النسيج الاجتماعي للبلاد على المدى الطويل، منخلال تغيير التركيبة السكانية وزيادة المشاكل الاجتماعية المرتبطةبتأخر سن الزواج.
غياب التمكين: طاقات مهدرة
إلى جانب البطالة والعزوف عن الزواج، يعاني شباب العراق من نقصفرص التمكين الحقيقية. فهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة التي تؤهلهمللمنافسة في سوق العمل الحديث، حيث كشفت تقارير دولية أن حوالي60% من الشباب في العراق يفتقرون للمهارات الرقمية والمهنية اللازمةللتوظيف.
كما أن مشاركتهم في الحياة العامة وصنع القرار لا تزال محدودة، ممايخلق شعورًا بالتهميش والإقصاء. إن تمكين الشباب من خلال توفيرالتعليم الجيد، والتدريب المهني، ودعم المشاريع الصغيرة، وإشراكهمفي العمل المدني والسياسي، ليس رفاهية بل ضرورة ملحة لبناءمستقبل مستقر ومزدهر للعراق. فبدون استثمار هذه الطاقة الشابة،سيبقى العراق يدور في حلقة مفرغة من الأزمات.
نظرة نحو المستقبل: الطريق إلى الحل
إن معالجة أزمات الشباب في العراق تتطلب رؤية استراتيجية شاملةتتجاوز الحلول المؤقتة. يجب على الحكومة والمجتمع المدني والقطاعالخاص العمل معًا لخلق بيئة داعمة للشباب. يتضمن ذلك:
* إصلاح نظام التعليم ليتماشى مع احتياجات سوق العمل.
* دعم القطاع الخاص وخلق بيئة استثمارية جاذبة لتوفير فرص عملجديدة.
* تقديم قروض ميسرة للشباب المقبلين على الزواج ودعم مشاريعهمالصغيرة.
* إطلاق برامج تمكين وتدريب لتزويد الشباب بالمهارات اللازمة.
* تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية والعامة ومنحهم صوتًاحقيقيًا في صنع مستقبلهم.
إن الاستثمار في شباب العراق هو الاستثمار الأكثر أهمية لمستقبلالبلاد. فتجاوز هذه الأزمات لا يعني فقط حل مشاكل فئة معينة منالمجتمع، بل هو إنقاذ لمستقبل وطن بأكمله.