23 ديسمبر، 2024 5:40 م

العراقيون بطبيعتهم يحبون شرب الشاي بأفراط ولا يعدلون عنه ابداً ، وهو مفضّل لديهم عن كل المشروبات الغازية وامثالها . والبغداديون بالذات يحبون الشاي ( السنكين) او الثخين كما يسميه بعضهم ، واهلنا في الجنوب وبعض مناطق اطراف بغداد يشربونه عصراً مع الكعك ، وان هذه العادة او الممارسة كانت متأصلة فيهم وهي لديهم كالطقوس التعبدية والممارسة الدينية ومعتادون عليها منذ وجد الشاي .

   وان لكل شعب من الشعوب طريقته الخاصة في شرب الشاي ، فمثلاً الايرانيون والاتراك يشربونه خفيفاً وبعض الدول يشربونه متوسطاً ، والمصريون يشربونه بسكر زيادة كما يقولون . اما العراقيون فيشربونه (سنكين) ويقولون بان السنكين يعدل الرأس ، وبمعنى انه يزيل الصداع عنه .

   واغلب العراقيين يشربون الشاي بطعم الهيل ، ويعبرون عنه ( شاي ابو الهيل ) لكن وزارة التجارة رادت من العراقيين ان يقلعوا عن هذه العادة ، عادة شرب الشاي المطعم بالهيل ، فاستوردت لهم الشاي المطعم ببرادة الحديد والمسامير ، ولو حلل كل فرد عراقي دمه لوجد فيه ما لا يقل عن ثلاثة مسامير انج ونصف الانج. ويا ليت الامر يقف عند هذا الحد وينتهي الحال ، بل ان اجهزتنا الامنية – جزاءها الله خيراً – قد عثرت على ستين طناً من الشاي الفاسد ، منتهي الصلاحية في عدة شاحنات ، وهذه الشاحنات في طريقها الى وزارة التجارة كي يتم توزيع هذه المادة في الحصة التموينية ، فبدل ما يشرب المواطن العراقي شاي بطعم البرداة يشربه بطعم العفونة ، و(كرت) عين وزارة التجارة .

   ان الامر اذا وصل الى التلاعب بحياة المواطن وبصحته ، بحيث ان يستهان به وبحياته ، ولم يحسب له اي اعتبار فهنا السكوت مكروه وعليه ان يصرخ بكل ما اوتي من قوة وبصوت واضح وجهوري ، ويقول كلمته الفصل فقد وصل السيل الزبى ، أهذا جزاء المواطن الذي انتخبهم بعد ان ضحكوا عليه ووعدوه بوعود واهية لم يتحقق منهم شيء على ارض الواقع ؟. وقد ينطبق على المواطن المثل الشعبي القائل: ( فوك (…) جيلة ماش) .

   هل يعتبر هؤلاء بان المواطن ساذج ( قشمر ) وتنطلي عليه كل الخزعبلات (والكلاوات) بحجة تعددية وحرية وديمقراطية واحزاب ( كلمن بكيفه) فهذا يغطي على هذا ، وذاك يسكت على ذاك ، والمواطن هو الضحية ، وبعض المحللين السياسيين اعتبر كل الذي يجري هو من تدبير المواطن نفسه ، كونه لم يعرف يتدبر ويختار الاشخاص الذين يكونون اهلاً لثقته وحسن اختياره ، وان المثل الشعبي الشائع يقول : ( الما يعرف تدابيره … حنطته تاكل شعيره ) . وهو اليوم لا حصل على حنطة ولا على شعير .

   لا ادري هل هؤلاء الذين استوردوا هذه الصفقة المغشوشة من الشاي الفاسد لهم قلوب نابضة ووجدان حي وضمائر سليمة !؟ وهلا سألوا انفسهم بان المواطن الذي يشرب من هذا الشاي ماذا يكون مصيره ، ولا سيما الطفل او الشيخ او المريض ، ولا شك بان الذي يشرب منه سيصاب بالسرطان عاجلا ام اجلاً . ثم اين الحكومة ودور الرقابة او دور وزارة الصحة التي يفترض بانها معنية في صحة المواطن اكثر من غيرها من الوزارات الاخرى ، ام كلنا في الهوا سوا .

   عتبي على الحكومة ، فلو انها اتخذت قرارات صارمة بحق هؤلاء ، لما استطاع اي احد الجرأة او التجاوز على المواطن والتلاعب بحياته ، وعلى رأي المطربة الاصيلة سميرة توفيق ( ظلت بكيفك عاد كلمن وضميره ) .