لم تكن قوات تنظيم داعش بعددها القليل, بالوضع الذي يمكنها من فرض سيطرتها على المساحات الشاسعة من الأراضي التي باتت تحت سلطتها بين عشيّة و ضحاها, ,قياساً بالحشد الذي يواجهها من القوات الحكومية العراقية بمختلف مسمياتها, مسندة بتحالف دولي هو الأضخم من نوعه , وصل عدد الدول المنضوية تحته, إلى(83) دولة.
ففي قريتنا مثلا؛ اقتصر وجود داعش على مفرزة من بضعة أفراد فقط, رابطوا في مركز الشرطة, وحتى العلم الحكومي المرفوع فوق المبنى, لم يكلّفوا أنفسهم بإنزاله, ورفع رايتهم بدلاً عنه. وعندما هاجمت القوات الحكومية القرية في أوائل شهر آب 2014, انسحبت مفرزة داعش تلك ,بعد إشتباك قصير لم يستمر سوى لساعات قليلة, فدخلتها القوات الحكومية بدون مقاومة تقريبا.
ومن لطف الله بأهل هذه القرية, إنهم قد غادروها جميعاً, قبيل وصول قطعان (القرامطة الجدد) إليها, وإلاّ لكان مصير من وجدوه؛ هو الموت بأبشع الطرق. ففي قرية مجاورة لقريتنا, جرى عليها لاحقاً, ما جرى علينا, كان هناك 5-6 عوائل, لم يهربوا, لأنه كانت لديهم صلات سريّة مع قطعة عسكرية مرابطة بقربهم عبر النهر, ولم تسقط بيد داعش, وكان بعض شباب تلك العوائل يزوّدون استخبارات تلك القطعة العسكرية, بمعلومات عن تواجد عناصر داعش داخل قريتهم, فتقوم القوات العسكرية باستهدافهم, وأحيانا يقع ضحايا في صفوف المدنيين بسبب عدم دقة الرمي. فهؤلاء, على هذا الأساس, لم ينزحوا من ديارهم عندما اقتربت منها(جحش),ولكن ذلك المجهود والمخاطرة الشديدة, لم تشفع لهم, فتم اعتقالهم جميعا, بما فيهم النساء والأطفال, ولم يتم العثور على أيِّ أثر لهم, و يُعتقد على نطاق واسع, إنه تمّت تصفيتهم, وإخفاء جثثهم في قبور جماعية مجهولة. و تاريخ هذه الواقعة هو شهر آذار 2015.
في المقاطع المصوّرة لدخول القوات الحكومية لقريتنا, تظهر بيوتها سليمة, عدا أضرار بسيطة وخفيفة بسبب القصف الجوي والمدفعي في الأسابيع الأخيرة, وكان القادة والآمرون عند تجوّلهم داخلها, يؤكدون على ذلك, ليس لتبرأة داعش, وإنما ليقولوا إن : (عملية التحرير كانت نظيفة)!!. ولم تتسبب بأيِّ ضرر. وكانت هذه الأفلام التي صوّرتها قنواتهم التي كانت ترافقهم, هي دليل الإدانة الدامغ, الذي لم يتحسبوا له, ليثبت للقاصي والداني إن الحشد الشيعي الإجرامي الطائفي, هو من فعل الأفاعيل, في هذه القرية, وكل قرية ومدينة استباحها. فما الذي حصل بالتحديد ؟
قامت القوات الحكومية النظامية من جيش وشرطة اتحادية, بإجراء تفتيش لبيوت القرية بزعم البحث عن مسلحين وأسلحة, وخلال أيام قليلة أنهت عملها , وكان التخريب والسرقات في هذه المرحلة ليس كبيراً, ثم سلّمتها لجيش الحشد الشيعي؛(جحش), فقامت هذه الشراذم, التي يملأها الغلّ والحقد الطائفي , بسرقة ما خفّ حمله وغلا ثمنه من البيوت والمحال التجارية, وحتى جامع القرية , والذي هو تحفة عمرانية شُيّد في أواخر الثمانينات, لم ينجُ من شرِّهم وحقدهم, هذا الجامع الذي ظلَّ قائماً ولم يمسسه بسوء حتى الغزاة الأمريكان في 2003, قامت قطعان (جحش) بنسف و تدمير مأذنته الشامخة, والتي يصدح فيها الآذان خمس مرات في اليوم والليلة, ثم سرقوا سجاده و أثاثه, ومنبره الخشبي المزخرف الجميل, ولم يكتفوا بكل ذلك , بل قاموا بإحراقه. فهل من هذه أفعاله الشائنة, يمتُّ لأمّة الإسلام بِصلة ؟!!.
بعد مرحلة السرقات , بدأت مرحلة الحرق, وهذا جزء أساس من عقيدتهم المنحرفة, فأحرقوا بيوت القرية التي تزيد على الألف, عدا قليل منها اتخذوها مقرات لهم, أحرقوها بأثاثها الذي لم يسرقوه, فالأشياء التي نجت من السرقة, لم تنجُ من النار. وكانت لهم أساليب غاية في الخبث والإجرام, في ذلك, فيقومون بوضع قناني الغاز المنزلي التي وجدوها في البيوت, بداخلها ومعها أعداد من الإطارات المطاطية المستهلكة, ويشعلون فيها النيران التي تستمر لساعات طويلة, مع ما يصاحب ذلك من انفجارات شديدة لقناني الغاز, فيؤدي إلى تدمير البيت بشكل كامل, ويغدو عبارة عن كومة من الأنقاض.
ثم بدأت مرحلة أخرى من التخريب المنظم والمخطط له جيدا, فقد استدعوا أعداداً كبيرة من الرعاع والسفلة, يُعرفون ب(العتّاكة), وهؤلاء, أرذل ما خلق الله, فيأتون بسياراتهم من أحياء الصدر والشعلة وغيرها في بغداد ومناطق أخرى في جنوب العراق , حاملين معهم كميات من قناني المياه والمواد الغذائية لتلك القطعان, بحجة إنهم (يلبّون نداء السيستاني)!!. ولكنهم لا يعودون؛(خماص البطون، خفاف الظهور), بل يملأون سياراتهم وشاحناتهم بالمواد والأثاث والأبقار والأغنام والمرشّات الزراعية, وغير ذلك كثير, من المواد المسروقة العائدة للأهالي الهاربين من بطش هذه الوحوش المسعورة, ويرجعون بها الى مناطقهم, حيث فتحوا هناك أسواقاً لتصريفها, سُميّت ؛(أسواق داعش)!!, استنساخاً من تجربة مماثلة في سوريا نفذتها عصابات الأسد, عُرفت ب(التعفيش)!!,( وما في أحد أحسن من أحد)!!,فمن يحرّك أطراف (محور المقاولة والمماتعة) هو الشيطان (خامنئي) القابع في طهران. ومادام مال السُنّي (حلال)!!,بعد (تخميسه) , فلا بأس في ذلك !!.
محوّلات الكهرباء وأعمدتها و أسلاكها, لم تنجُ هي الأخرى من السرقة , والذي يعجزون عن سرقته, يدمّرونه موقعياً, للإمعان في الأذى, وحتى تبقى هذه المناطق لعشرات السنين, غير صالحة للعيش, فالهدف بعيد, وأبعد مما يعتقد البعض. وحتى قضبان السكّة الحديد التي تربط بغداد بالموصل, فكّكوها و شحنوها بالسيارات العسكرية, و ذهبوا بها إلى إيران. أما ناقلات الدبابات (الفاونات), فصارت تُنقل فيها الأبقارالمسروقة, وهناك صور شهيرة لأفراد من (جحش), يقومون فيها بتحميل الأبقار المسروقة,على ال(فاونات). إنها (براءة اختراع)!! سُجّلت باسم الحشد الشيعي (المقدس)!!!.
ووفقاً لما أكّده (أبو وحيد الحيالي), بتاريخ 19-3-2021 ,وهو عنصر سابق في منظمة بدر, ويقوم بنشر فضائحهم ومخازيهم, في قناته؛(حقائق بلا قيود),على (اليوتيوب),إن هادي العامري , قام بسرقة أبقار ومواشي المحافظات الغربية وشحنها بالسيارات العسكرية الى معسكر(أشرف/ المقر السابق لمجاهدي خلق) في ديالى, ومنه يوزّع المسروقات لأفراد منظمته, كرشىً لينتخبوه. حيث عرض مقطعاً لشخص من المنظمة, يشكر فيه (المجاهد)!!هادي العامري , الذي أعطاه بقرتين ,ويطلب منه اثنتين أخريتين, ويختم مناشدته, بأن يجعل عمله هذا (في ميزان حسناته)!!.ولِمَ لا, والقوم يستند دينهم على عقيدة؛( خذ مال الناصب حيثما وجدته,وادفع إلينا بالخُمس)!!!.
ثم انتقلوا الى بساتين القرية, العامرة بأشجار النخيل والفاكهة, والتي عمرها عشرات السنين, فقاموا ببيعها للفحّامة, كما استقدموا (المعدان), من جنوب العراق مع جواميسهم, ليسرحوا ويمرحوا, في مزارع القرية ومياهها, وبعدها؛ يلطمون و يأكلون (الهريس)!!.
ولم يكن كلُّ ذلك التدميروالتخريب الممنهج, ليشفي غليل حقدهم المتأجج, وكأن جهنم قد فتحت فرعاً لها على الأرض, وتقول: هل من مزيد ؟!!.
نعم هناك المزيد, فسياسة الأرض المحروقة لا تكفي, فانتقلوا إلى مرحلة أشدّ أذىً من سابقاتها. ورُبَّ سائل يسأل: وهل بقي شيء ؟..نعم؛ ففي جعبة هؤلاء الأوباش (كلُّ ماهو جديد), بحيث إن إبليس نفسه, يبدو تلميذاً صغيراً, مقارنة بهم.
الجديد, هو؛ قيامهم بالاتصال ببعض النازحين على هواتفهم التي حصلوا على أرقامها من بيوتهم عندما دنّسوها. ومن المألوف إن أي شخص يتصل بآخر,أيًّا كان دينه وعرقه, يبدأ كلامه بالتحيات المعتادة. ولكنَّ هؤلاء الأوغاد من حثالة الحثالات, لهم طريقتهم الخاصة في ذلك, فيبدأ- أحدهم – كلامه بشتائم مقذعة, وتهجُّم بألفاظ قبيحة تقشعرُّ منها الأبدان, على خيار الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين (رضي الله عنهم جميعا وأرضاهم)!!. إسلوب يكشف خسّتهم وحقارتهم ونذالتهم و دونيتهم و انحطاطهم , و طبيعة الوسط الإجتماعي الذي نشأوا و ترعرعوا فيه.
هم الآن ؛ في طغيانهم يعمهون, و في غيّهم سادرون, وفي سكرتهم يتخبطون, وغداً ستنقلب عليهم الأمور رأساً على عقب وينتظرهم ريب المنون, وستدور عليهم الدائرة , فخنجر أبو لؤلؤة المجوسي, الذي حزّوا به رقاباً بريئة, سيحزّ رقابهم, عمّا قريب , فدوام الحال من المحال, والظلم مرتعه وخيم , و يوم المظلوم على الظالم , أشدّ من يوم الظالم على المظلوم ,وسيبكون ويلطمون , على كل نفس أزهقوها, وكل قطرة دم سفكوها, و كل مال غصبوه, أو أتلفوه, و كل قبيح فعلوه .. فالأيام دول, والدول أيام, و لات حين مناص.
أما نحن؛ فنستذكر قول الله, سبحانه وتعالى: (( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ. إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )).
وفي الختام؛ إن الذي أريد أن أقوله, هو مايلي : لقد كنتُ شاهداً ميدانياً على جرائم الاحتلال الأمريكي لبلادي في 2003, وما بعدها, وكنت شاهدا قريبا لجرائم(جحش) في 2014. فوالله الذي لا إله إلاّ هو, إن جرائم الأمريكان لا تعادل قطرة من بحر من جرائم(جحش)!!!. جرائم وأفعال تذكّرنا بالقرامطة, فهؤلاء هم أحفاد أولئك.. نعم إنهم القرامطة الجدد, عليهم من الله مايستحقون, والمكر السيّء, لا يحيق إلاّ بأهله.. قال تعالى: ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)).
والعاقبة للمتقين.
رابط المقال السابق من هذه السلسلة.. https://www.algardenia.com/maqalat/49726-2021-06-29-06-34-32.html