22 ديسمبر، 2024 2:37 م

شاهد على …. اللا بعث!

شاهد على …. اللا بعث!

بينما كان خيرة شباب العراق يُقتلون في معارك (الشوش وديزفول) سنة ” 1981″ في قادسيته، كان كامل حنا سكرتير طاغية العراق صدام حسين يبني قصره بـ ( حي القادسية) وكانت الدار الوحيدة المستثناة التي تعلو الجسر المجاور لها.

كان عمري آنذاك (15) عشر سنة، (وبما انني احد اقدم يتامى العراق فقد رحل والدي وعمري خمس سنوات وقد فُرضت علي مسؤولية البيت مبكراً)، كنت اعشق الدراسة وحريصا على عدم الانقطاع عنها، وتلك مهمة صعبة مع عسر الحال، وأن كانت الحياة بسيطة ورخيصة آنذاك، لكن ذاك لا يعني ان تعيش دون معيل، فعادت ما كان شخص واحد يعمل في البيت يعيل الجميع.

كان جارنا ” حسن حليحل” رحمه الله يعمل بناء دور، وكنت اقتطع يوم في الشهر وايام العطل للعمل بأجر يومي يتطلب ذلك ايثار من بعض عماله بترك العمل ذلك اليوم، لفسح المجال لي، وغالباً العمال من الجيران الطيبين.

في احد الايام العطلة الدراسية من سنة 1981، وبينما كان (خلف) صاحب الشوارب الكثيفة والبدلة الزيتوني على عادته اليومية ينقلنا من ( مسطر العمالة) بمنطقة (البتاويين) في ( الباب الشرقي) بسيارته (البيكب) ذات اللون الازرق التابعة للدائرة الهندسية للقصر الجمهوري، ولازلت اذكر كيف يتعمد مستهتراً سحق المياه الآسنة التي تتجمع من بقايا مقاهي المسطر وبعض العمارات المجاورة لتلوث ملابس الموجودين من عمال او بعض مرتادي المسطر.

كنت لا اطيق خلقته واخلاقه، لكنني لا املك خيار آخر بديلاً لجمع بعض المال اعين به نفسي وعائلتي، وكنت اختار الجلوس في (بدي السيارة) تجنباً لطبيعتي في عدم السكوت على الظلم، رغم ان الأسطة حسن حليحل رحمه الله يحزنه جلوسي في البدي لأسباب اجتماعية، ويرفض ذلك لكنني اقنعته قبل أن يأتي خلف بحجتي بعدم الجلوس في القمارة، لعدم أحراجكم، وقد اقتنع.

وصلنا بيت كامل حنا سكرتير صدام حسين، وكنا حينها نعمل في الطابق الثالث، وقبل فترة استراحة الغداء، كنت وجهاً لوجه مع كامل حنا، كان يرتدي بدلة زيتوني يحمل في حزامه مسدس يتدلى منه شريطين جلد، يبدو عليه أثر بذخ الحياة، وجناه متوردتان وعطره الفائح يسبقه بطابقين، يتحدث من خاصرته!، يرافقه شخص يرتدي بدلة صيفي مدنيه، عادة ما يرتديها الرفاق البعثيين ورجال الأمن بمدينتنا، وهي علامة ان مرتديها بعثي أو رجل امن.

سأل كامل حنا صاحب البدلة الذي يرافقه، من المسؤول عن العمل؟ فأجابه : ابو عماد، فرد حنا عليه: يا بو عماد هاذ؟ فأجابه : هذا البعثي!.

منذ تلك اللحظة أدركت غباء المنتمين الى حزب البعث (وكانت مشاجراتي معهم سواء بفترة الدراسة او المناسبات الاجتماعية مستعرة، ولقد كانت العناية الالهية سبب بقاء على قيد الحياة)، سيما من ابناء مدننا الذين اذاقوا اهلهم الموت والتهجير وزنازين السجون، ايمانا منهم بفكرة البعث، وهم لا يدركون أن دائرة صدام المقربة لا يوجد فيها بعثي، بل لا تحترم البعث وممن ينتمي اليه، فهي تطلق عليه اسم اشاره ( هذا البعثي)، وتستكثر عليه لقب (رفيق).