21 ديسمبر، 2024 6:01 م

استهلال
——-
من يدخل بيت عادل كوركيس ينبهر لمعالمه واثاثه الغارقة في القدم ، والفلكلور ابتداءا من الارائك والكراسي والمناضد مرورا بالفرش الارضيه واواني المطبخ وغيرها وانتهاءا بالقطع الفنية والنفائس المعلقة على حوائط غرفة الاستقبال والهول الداخلي التي جعلت من البيت كأنه متحف قديم يتجاذبه الجمال من كل حدب وصوب ..
هكذا كان الراحل يعتز بكل شيء قديم ويحتفظ به ..
كان لرحيل الفنان الرائد المسرحي والتشكيلي والمترجم عادل كوركيس المفاجىء وغير المتوقع يوم 4/5/2008 الاثر البالغ في نفوس ذويه وأصدقائه ومحبيه ، لاسيما في أوساط المسرح العراقي ، ومثقفي أبناء شعبنا لما كان يحظي به من مكانة مرموقة في مجال المسرح والفن والثقافة ..
رحل وترك لنا كما هائلا من الذكريات العبقة المفعمة بالحلاوة والجمال والعطاء الزاخر بفن المسرح ، والتشكيل ، وهندسة الديكور، والترجمة ، والكتابة ..
أمتاز صديقي عادل بخصال رائعة جدا من الطيبة والوفاء واحترام قدسية المسرح للحد الذي تم وصفه (راهب المسرح) ، وأحيانا (قديس المسرح) ، وأوصاف أخرى تليق به فعلا ..
بما أني كنت أحد أقرب المقربين اليه وإلى عائلته ..لذلك آثر ذويه بتكليفي في إيصال إهداء مكتبته الثرية لكلية بابل للفلسفة واللاهوت في عنكاوا، وتلك هي مكتبة كلية بابل رفوفها تزهو بكتبه ..
أتفقت مع صديقي الدكتور سعدي المالح المدير العام للثقافة والفنون السريانية يومها بإحياء أمسية لمناسبة اربعينية الراحل تخليدا لذكراه.
بعدها بأيام كلفني الدكتور سعدي المالح أن أكتب بعض الصفحات عن إرثه الفني وحياته وصوره لعرضها في متحف التراث السرياني في عنكاوا ..
لازال المتحف المذكور يحتفظ بها معلقة ومعروضة للمتلقي مع أعداد من المشاهير من أبناء شعبنا في مجال الثقافة والفنون ..

حياته ومؤهلاته
—————
ولد عادل كوركيس عام 1944 في بغداد وهو من أب وأم تلكيفيين ..
رحل عنا يوم 4/5/2008 ..
بعد إكمال دراسته الاعداديه سافر الى جيكسلوفاكيا ليدرس هندسة الديكور ..
عاد الى بغداد – درس الفن المسرحي وحصل على الشهادات التالية
– دبلوم فنون مسرحية
– بكلوريوس إخراج وتمثيل من أكاديمية الفنون الجميلة .
– ماجستير مسرح في مجال ( اشكالية المكان في العرض المسرحي) .
– كان يخطط لدراسة الدكتوراه . رحيله المبكر حال دون ذلك .
– بكلوريوس آداب اللغة الانكليزيه .
كتب وترجم العديد من الدراسات والبحوث وأصدر العديد من المؤلفات باللغات العربية والانكليزية والجيكيه ، أذكر منها :-
– كتاب لغة الجسد
– مسرحية الطائر سيء السمعه
– كتاب الممثل وعمله
– كتاب أوراق من بغداد الجديده
– مسرحية الوباء الابيض
– مسرحية الام
– مسرحية مهما يكن الثمن
– كتاب المراثي واشعار مابعد الرحيل
أخرج العديد من المسرحيات العالمية والمحلية أذكر منها :-
– مسرحية الربع الخامس من القرن العشرين تأليف محي الدين زنكنه
– مسرحية وداعا أيها الشعراء تأليف جليل القيسي
– مسرحية المماشي الترابية للكاتب نيكولاس خاتيوف
– مسرحية البقره لناظم حكمت
– مسرحية مجنونه للكاتب وفاء عبد الوهاب
صمم ديكور عشرات المسرحيات التي عرضت في بغداد
عضو المركز العراقي للمسرح
سافر الى المانيا وفرنسا ممثلا عن المسرحيين العراقيين في اكثر من وفد مسرحي
عرف عن الراحل جمال لوحاته التشكيلية ، إضافة لكونه خطاط متمرس
شغل منصب رئيس فرقة مسرح اليوم إلى أن وافته المنية ..
قبل أن يرحل عندما كان معي في عنكاوا اتفقت مع الراحل أن يستقر في أربيل ويتفرغ للتدريس في أكاديمية الفنون الجميلة – قسم الفنون المسرحيه في جامعة صلاح الدين لكن للاسف الشديد رحيله المبكر حال دون تحقيق الهدف ..
كتب عنه الكثير من الادباء والمثقفين ولعل آخرهم كان الفنان المسرحي والكاتب صباح المندلاوي في كتابه مسرحيون راحلون تحت عنوان :- عادل كوركيس الكاهن الوديع المتواضع المبدع ..
قبل رحيله بعشرة أيام كان ضيفي لمدة اسبوع بين الاهل في عنكاوا ..
فاجعني خبر رحيله غير المتوقع بعد ثلاثة ايام فقط من مغادرته اربيل الى بغداد ..

بعض من خصاله
————-
عرف عن عادل كوركيس هدوئه وطيبته وسمو اخلاقه في الاوساط الفنية والثقافية والاجتماعية ..
أحب القراءة وقضى جل سنين عمره بين صفحات الكتب يلتهم منها المعرفة والثقافة وكان طموحه لايحد حد ..
لعل واحدة من أجمل خصاله كان يعقد الصداقات مع الطيور الاليفة حيث امتلأ ت أشجار حديقة منزله وشرفات النوافذ بأعشاش للطيور المختلفة ، إضافة الى أعداد من القطط التي وجدت ظالتها في العيش بمكان آمن في حوش الدار وهي تفرّخ وتتكاثر وتعبث وتلعب دون أن يمسها أحد ، وحتى لو دخلت البيت فلا أحد يمسها بأي أذى ..
قد يكون رحيل عادل كوركيس مرده فرط تأثره برحيل أخته الكبيرة فكتوريا في المهجر حيث لم تفصل بين رحيلهما أكثر من شهر ..
اتصل بي عادل وهو في طريق سفره الى اربيل وقلبه يعتصر ألما وكان قد وصل مشارف كركوك قائلا :-
لطيف لقد اتصلوا بي الان من المانيا يخبروني برحيل اختي فكتوريا ..ماذا أفعل ؟.. هل أعود الى بغداد ؟..
(يومها كانت بغداد تغلي على سطح صفح ساخن من الصراع الداخلي الطائفي المحتدم ، ولا يضمن المرء ان يعيش فيها في مأمن من التجاذبات وكان القلق سيد الموقف) ..
قلت له :- انت طيب ياعادل لروح الاخت فكتوريا السلام والرحمة – ياعزيزي واصل سفرك الينا لطالما لايوجد أحد في بغداد يعزّيك في خضّم الظروف الحالية ، والوالده التي تشكو من مرض الزهايمر..

لماذا تذكرت عادل اليوم؟
————————
كلفني صديقي الدكتور (طبيب أسنان وفنان تشكيلي) علاء كوركيس (أخ عادل) المقيم في أمريكا منذ عقود كلفني أن أبعث له بعض مجاميع من البومات ومخطوطات الفن التشكيلي العائده لعادل ، مع مجاميع شعريه لعدد من الشعراء العراقيين ..
اودع ذوي الراحل كارتون كبير قياس 1 متر مكعب يحتوي بقايا من كتب ثمينه ومخطوطات فنية عالمية لكبار الفنانين التشكيليين التي آثرت أن نحنفظ بها لندرتها وعدم توفرها في مكتباتنا ، إضافة لبعض الاكسسوارات القديمة جدا ..
عندما قمت بفرز ما طلبه مني الدكتور علاء عثرت على شال من الصوف كان عادل يلفه حول رقبته في ايام الشتاء البارده .. اخذت الشال وشممته . بالضبط هي رائحة عادل العطرة التي الفتها.. تراقصت صورته أمام عيني وكأنه حي يرزق ..
لم اتمالك نفسي بكيت بحرقة وبصوت مسموع – هرول اهلي نحوي مرتعبين ويتسائلون عما حدث ، قلت لهم هذا شال عادل – عثرت عليه بين محتوياته وتضامنوا معي في البكاء ، وصرنا نسّطر ذكراه وخصاله وطيبته ..

عنكاوا
23/12/2020