23 ديسمبر، 2024 3:33 م

شاكر العاشور: وبعض حصاده الشعري

شاكر العاشور: وبعض حصاده الشعري

(تلاوة في ما قالته ريما للشمس) -ج1- “دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع / دمشق”- الغلاف للفنان : سعيد فرحان، هي الجزء الأول من الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر شاكر العاشور،وأهداها:إلى:”الراحل الشاعر” عبد الخالق محمود”، وكذلك، علي رشيد- دون مناسبة”(ص5). الأستاذ محمد خضير ، خصها بكلمة عنونها بـ(حلم لم يكتمل) ذكر في جزءٍ منها:” إن في (الأعمال الشعرية) للعاشور أصداء متباعدة من حلم لم يكتمل ، قصائد نشرها-العاشور- كما عاناها، مخاض يطول وقت ولادته”. ويضيف أن:” قصائد العاشور الأولى بمثابة ، ومضات تلوح على جانبي الأرض النبيّة التي لفها ظلام دامس ،أحلاماً أجهضتها صدمات الزمان العراقي القاسي العنيف،زفرات لفظتها (روحٌ متمردة)، وخفقاتٍ رسمها(جناحٌ كسير). إيقاعٌ حالم، حب أول، يأس شفيف: سماتُ جيل التمرد(جيل القدر) الذي جذب تجاربَ العاشور الشعرية إلى مخاضه “(ص7 ). بدأ العاشور في النشر، شاباً رومانسياً،منشغلاً بتهجدات وتوجعات فؤاد متلهف للحب، دلالة على ذلك مجموعته “قصائد أولى” وكذلك “أحببت الجارة يا أمي”-التي أبعدها عن(تلاوة في ما قالته ريما للشمس) !!. ومرت بعد ذلك تجربته الشعرية- الحياتية بمرثيات ذاتية أثخنتها مكابدات الهوى وهيام الوجدان وجراحات القلب واخفاقته. شاكر العاشور، بدأ النشر قبل منتصف الستينات ، في الصحف البصرية و العراقية ، وانتقل، بعد ذلك، إلى بعض المجلات الثقافية- الأدبية الكويتية-الخليجية. وقد أصدر مجموعته الشعرية الأولى بداية عام 1965 ، لكن الناقد الأستاذ الدكتور محمد صابر عبيد ، في كلمته التي عدها “على سبيل التقديم”(ص 9-13 )، وضمن الإعمال الشعرية الكاملة (ج1/ 965 -1977) للعاشور ،اعتبره ينتمي إلى جيل السبعينات العراقي، الذي عده- ا.س عبيد- “جيلاً مغايراً سعى للخروج من أسر تجريبية الجيل الستيني ومقاربة الحداثة الشعرية ، التي أخذت

تنفتح على الحركات والتيارات الشعرية مطلع السبعينات في العراق”. ويذكر: بقي (العاشور) متجانساً و قريباً لحد ما لـبهاء القصيدة العربية وفضائها وعالمها الإيقاعي – الجمالي ونموذجها الذي انبثق بعد مخاضات تاريخية- عسيرة وتجسد بـنتاجات وتنظيرات بعض شعراء “قصيدة التفعيلة” بعد منتصف عقد الأربعينات من القرن الفائت، وفي العراق تحديداً،( بتصرف). “الأعمال الشعرية الكاملة” للشاعر شاكر العاشور تستحق الانتباه ، لما تحتويه على حس شعري ، ونزعة شبابية- فردانية، تعزز بقاء الشعر وديمومته وتواصله، في مواجهة التوجهات الثقافية الراهنة، وفي مقدمتها هيمنة الرواية على الذوق العام والسوق الثقافية.لكن الشعر عموماً ، يذهب و من خلال التأكيد على وظيفته الجمالية ، في مضاعفة رقي الروح ووهجها مترابطاً مع الخصوصية الفردية- الإنسانية. تضمنت” الأعمال الشعرية” للعاشور مجموعاته التي سبق ونشرها ، وهي:”قصائد أولى” عام “1965”، ومساهمته في مجموعة مشتركة لشعراء البصرة بعنوان”تسعة أصوات” عام 1971،و”الإنذار الأخير إلى أزهار الحدائق” البصرة – 1972 و”في حضرة المعشوق والعاشق” 1975 – وزارة الإعلام بغداد- وقد حظي باهتمام النقاد والكتاب في حينه لكونه قد تميز بألفته في التعامل مع الأشياء والوقائع والرموز والدلالات بلغة بعيدة عن التهويلات والمبالغة التي ميزت بعض شعر تلك المرحلة، لأسباب ومتجسدات اجتماعية- سياسية، لسنا في وارد التطرق إليها كونها مرتبطة بمرحلة تاريخية ملتبسة. لكننا نرى أن ميزة “في حضرة المعشوق والعاشق”، تتجسد في تجاوزها تلك الهموم الصغيرة والفردية، التي ميزت بداياته، ومنها قصائد:العري ،العصفور، ،الخروج ، حدود السواحل، وفيما عداها فانه لا يعدم تناغماً، واضحاً، مع حالات التردد والانكسار والحيرة واليأس مغلفاً قضية العشق الإنساني، بهموم يومية تقع أسيرة لما هو مندثر في تجاوزات ومهيمنات والق(العشق والعاشق) وبذا فأن ،الشاعر شاكر العاشور، يتعامل، مع العشق في تجلياته ليس كما معروف كونه مسألة فردية ، بل ينقل هموم قضية أرضية خاصة- محرقة إلى تخوم الصوفية

وتجلياتها، و يبقى مقتنعاً بما حصل ، منتظراً “دلال الرب”، ومتوسلاً بانكسار يفضي إلى الاحتماء بالذل تارة. تتقاسم قصائد:( النصل، الامتداد، تقاسيم ،وتر الليل، مقاطع من الحزن،آويت إلى جبل يعصمني، الصوت ،القتلة) حالة من السكون التي تطبق فيها على التجربة الحياتية- الشعرية وتجعلها فاقدة(الجرأة) في جملة وتوجهات القصيدة ، الواحدة بالذات، ويساهم التقطيع الذي يمكن لنا وصفه بـ( المونتاج- الشعري)، لبعض القصائد،وغير المبرر، في بعثرة الصور الشعرية وفي الالتفاف على حسية ومعرفية القصيدة، ما يجعل بعضها وحدات مفككة إلى أجزاء متناثرة ،لا تخضع لتصور ونسيج شعري واضح ،يفترض وجوده لنقل التجربة الشخصية -العامة شعرياً، ولم يكن قسمٌ منها، غير حالات منفردة ، وتنهكها الجملة التقريرية :

-غابت الشمس وانطفأ الليل.

– سلاسل يحملها كي يستر رداءك.

– فكل خطاياك ليست تبرر لي أن يغاير وجهك وجهي.

– الباقي من أحزاني فتلامسه عن عمد،أو عن غير تعمد فيلوذ بأحضاني.

– خذلتني في الطريق نحو هواك المراكب.

– يُخضبُ في لفح الهجير دمي،شوك الطريق، ولصف الرمل مهراقي.

في بعض القصائد نلمح التكوين الشعري الموحي مع انه ملغم بأفعال، عادية تفتقد التوجهات والحداثة الشعرية وتوهجاتها، مثل: حطت، أكلت، قعدت، مضت، نهضت، سارت، نامت، قالت، غدت، ارتعبت، تناوشت،تناهبت..الخ. شاكر العاشور يمنح بعض قصائده بعداً سياسياً محدداً ضمن زمن ملتبسٍ، لكنه من جهة أخرى يحاول، وضمن ما متاح ، لحدٍ ما ، في تلك المرحلة ، تجاوز ذلك الزمن ، ويجهد لتمييز ألفته في التعامل مع الأشياء اليومية ،والرموز وبعض دلالاتها بلغة، مقتصدة وبعيدة عن التهويل اللفظي والمبالغة، كما سعى لموقف الرفض، في مجمل قصائده، وهو يلتهب حماساً،و شاهداً على إن الدم المراق ، تعسفاً، لا ينزع غير الجلد، ولا يخفي

الليل سيوف القتلة ، خاصة في قصيدة (العري والعصفور) التي نلمح فيها ذلك التخطيط الحميم لـمدينة (سانتياغو) ، بعد الانقلاب الدموي في تشيلي،(سانتياغو) المحاصرة بالدم والدموع والحراب، إذ تنسحب المدينة عارية، تاركة النوافذ مغلقة على العشاق والمحبين، والغبار على الموائد، بينما ترتفع المناديل التي تثقبها الرصاصات ملوثة بالدم لتحط على المدينة بعد فرار العصافير مرعوبة. الشاعر شاكر العاشور وما قدمه في الستينات والسبعينات،بغض النظر عن ابتعاده عن النشر حالياً، لأسباب نجهلها؟!. لكننا نعتقد ،بحكم العلاقة التي ربطتنا منذ عقود، لا يمكن له أن يفارق الشعر كونه حاجة، لا يمكن الاستغناء عنها، تحت أي ظرف ما، وغاية إنسانية- شخصية، كما تذهب إلى ذلك الشاعرة البولونية- فيسوافا شيمبورسكا. وكذلك احتوت “الأعمال الشعرية” بعض القصائد التي لم تضمها تلك المجموعات والتي كتبها “العاشور” في أعوام الثمانينات، ولم ينشرها سابقاً، وقد تم ترتيب القصائد في،(تلاوة في ما قالته ريما للشمس) زمنياً وليس كما نشرت في المرة الأولى ضمن مجاميعه الشعرية. “العاشور” عرف،كذلك، باهتماماته وتنقيباته في التراث العربي ،إذ حقق وأصدر ديوان “سويد بن أبي كاهل اليشكري” 1972 ، وديوان “عمارة بن عقيل” 1973 ،وكتاب” المسائل والأجوبة”لابن قتيبة1974 ،وديوان “محمّد بن حازم الباهلي”1977 ، و”تحسين القبيح وتقبيح الحسن”1981 ،و ” المذاكرة في ألقاب الشُعراء”للمجد النشّابي الإربلي” 1989 وديوان” أبي الفتح البستي”- النسخة الكاملة- 2006 ، وأصدرتها جميعاً في مجلد أنيق ” دار الينابيع- دمشق”.كما سبق وحظي بأطروحة أكاديمية-ماجستير-( حوله وشعره) في كلية التربية- قسم اللغة العربية- جامعة البصرة.