17 نوفمبر، 2024 4:29 م
Search
Close this search box.

شارع بيتنا الذي لايزال بدون تبليط منذ 58 عاما سبب حب أميركا

شارع بيتنا الذي لايزال بدون تبليط منذ 58 عاما سبب حب أميركا

ما الوطن ، وماهي الوطنية .. نحن الفقراء الجياع المقهورين .. نطالب الوطن الذي قذفتنا الأقدار فوق أرضه بالإعتذار لنا لما سببه من عذابات أوصلتنا الى درجة الجحيم ،وقد تكون 99 % من معاناتنا ومشاكلنا في الحياة كانت ستختفي ولم نتعرض لها لو ولدنا في بلد متطور آخر غير العراق ، من المؤسف لاأحد يتحدث بصوت عال عن لعنة الأوطان ، نحن في الشرق نتمسك بالشعارات ونخضع لعبودية الأفكار ونتجاهل مصالح الإنسان ، وصلت الى عمر 31 عاما حينما غادرت البلد ، ولم أكن أشعر بمشاعر وطنية نحو العراق ، كيف تحب طرفا ما لايبادلك الحب ، بل هو سبب تعاستك -لاحقا في بلاد المهجر شعرت بالإنتماء للعراق وواجب الكتابة حول مشاكله والدفاع عنه – كنت لاأعرف معنى الوطن ، بل كنت أشعر بالنفور حينما إسمع كلمة وطن التي أراها إختزالا لمعنى الحاكم المتسلط والحزب الحاكم حينها.

منذ عام 1962 سكنا في منطقة صحراوية في كربلاء حيث لايوجد ماء ولاكهرباء ، وكانت أمي تمشي مسافة أكثر من ساعة لجلب الماء ، توفيت أمي قبل ثلاثة أشهر وأخذت عذاباتها معها ، كنا عرضة يوميا لطوفان هيجان الصحراء التي تلقي برمالها علينا ولم تستطع جدران بيتنا المكونة من سعف النخيل توفير الحماية لنا من إختراقات موجات التراب ، وكانت مجموعة من الفقراء تسكن تلك المنطقة تواسي بعضها وتتضامن ، وأيضا تخوض صراعات حيوانية بدائية فيما بينها شبيهة بصراعات المثقفين والساسة -لافرق- حيث يقبع الشر في نفوس كافة البشر بدرجات متفاوتة ، وقد رأيت قصصا مفجعة من عذابات الفقر ،على سبيل المثال : في أحد الأيام أرسلت أمي من باب تضامن الفقراء بعض الطعام معي الى جارتنا التي سمعتها تناجي الله بعد أخذها الطعام مني قائلة : (( إلهي الغدا دبر ، شلون راح أدبر العشا !)) ، لكن الله يبدو لايرى ولايسمع أو غير موجود نهائيا ولهذا تُركت المخلوقات تتعذب منذ الخليقة ولغاية الآن !

شارع بيتنا منذ 58 عاما ولغاية هذا اليوم لم يتم تبليطه ولايزال ترابيا ، هل الوطنية هي تطبيق لشعار (( نموت ويحيا الوطن )) أم هي علاقة تفاعلية بين الحقوق والواجبات ، وهل هي إنتماء ثابت ، قطعا الوطنية ليست قدرا ثابتا بالنسبة لوطن مسقط الرأس الذي إختارته الأقدار لنا وهو ليس بالضرورة تتجسد فيه أحلامنا وطموحاتنا وراحتنا … فالوطن إختيار أولا ثم إنتماء بعد توفر شروط العلاقة التفاعلية بين الحقوق والواجبات ، وحرية الإنتماء لوطن معين غير بلد مسقط الرأس حق أصيل وتطبيق لمبدأ حرية التنقل والسكن وإختيار الإنتماء لجماعة بشرية ورقعة جغرافية وحضارة ما … وهذا الحق هو ليس خيانة لوطن مسقط الرأس مثلما يخطيء الوعي العربي في الحكم عليه.

وصلت الى الولايات المتحدة الأميركية وانا أحمل معي ( نصف دولار ) فقط أي في حالة إفلاس تام ، وفي داخلي مجموعة من الأمراض : سكر ، كولسترول ، شرايين القلب ، فقرات عنقية ، مشاكل العين، إكتئاب ، إحتضنتني أميركا بحنان الدولة التي تعترف بحقوق المواطن ،وأنقذت حياتي مستشفياتها ، وأعطتني أميركا تأمين صحي مجاني وراتب تقاعدي وشقة بإيجار رمزي ، ومنحتني الجنسية دون ان تطلب مني أي مقابل مما يدور عادة من إتهامات في العقل العربي ، علما انا على إستعداد تام للدفاع عن أميركا بشتى الطرق بشكل تطوعي مجاني بدافع إيماني بقيم الوفاء للبلد الذي فتح أبوابه لي وإحتضنني ، وقد تجاوزت علاقتي بأميركا قضية إستقادتي الشخصية منها ، وشملت حبي لتاريخها وجغرافيتها وإنجازاتها العلمية حيث تطور إرتباطي الى الشعور بالإنتماء العميق لأميركا .

وفق القيم الأخلاقية ماذا يفترض يكون موقفي من أميركا .. أليس يفترض ان أكون وفيا وشاكرا لمن قدم لي هذه الخدمات ، هذا اولا .. ثم من الذي يمنع من الأنتماء الفكري والروحي للحضارة الأميركية بعد إستبعاد الدعاية السياسية العدوانية والكلام الغوغائي ضد الولايات المتحدة الأميركية .. بالتطهر من سطوة الأيديولوجيات العدوانية : اليسارية والقومية والإسلامية .. صار عندي وطن خفف عني ورطة الحياة وعالج جروح العراق ، وطن لأول مرة في حياتي أشعر فيه بالأمان الإقتصادي والصحي والسكني ، وانظر بحب كبير فيه الى الشرطة والأجهزة الأمنية الاخرى على انهم رجال شجعان يحمون حياتي ويسهرون من أجلي .. ما أروع ان تنتمي لوطن يبادلك الإحترام والحب ويرعاك ، وطن لايعاني شارع بيتك فيه منذ 58 عاما وهو بدون تبليط ولايزال ترابيا!

أحدث المقالات