18 ديسمبر، 2024 7:58 م

شئ عن ثورة العشرين وأهازيجها الشعبية

شئ عن ثورة العشرين وأهازيجها الشعبية

المقدمة :
ليس من السهل الخوض بما قيل ويقال عن ثورة العشرين وقد بحث فيها أكاديميون واختصاصيون تاريخيون كُثر ، لست بصدد ذكر أسمائهم ، وقد تشكل لي مما قرأت عن ثورة العشرين مجمل رؤى واستـنتاجات شخصية سأوردها من خلال سطور هذه الموضوعة ، والكثير يدعي أنه هو من أجج شرارة الثورة متناسيا أدوارا أخرى لشرائح ، وطوائف ، وأعراق عراقية مساهمة بهذه الثورة الخالدة .

 بعد السيطرة على بغداد عام 1917 م بقيادة ( ستانلي مود ) قررت الحكومة البريطانية تشكيل ( الإدارة المدنية في العراق ) وترأسها السير (ارنولد ولسن) حتى عام 1918 م ، فتبعه السير (بيرسي كوكس) الذي ألغى العديد من المؤسسات الإدارية العثمانية ، وانشأ محلها مؤسسات عسكرية لإدارة الشؤون المدنية ، ونصب عليها ضباط انكليز برتب عالية ، فحكموا بشكل صارم ومهين للعراقيين .

أسباب اندلاع ثورة العشرين :
من أهم أسباب ثورة العشرين هي السياسة البريطانية التي عزمت على ( تهنيد العراق ) وضمه لاحقا الى بريطانيا العظمى ، وشن حملة واسعة كما ذكرنا سالفا وربط العراق بمنظمة ( الكومنويلث ) ، والسياسات الجائرة من قبل المحتل البريطاني ، وامتهان الكرامة العراقية الممثلة بعدم احترام شيوخ العشائر ورجالات الدين وشرائح المجتمع الأخرى ، وقد أستدعي الشيخ ( شعلان عناد ابو الجون ) شيخ عشيرة ( بني حجيم ) في الرميثة لمقر الإدارة المدنية في بغداد يوم 30 / 6 / 1920 م ، ودار حديث غير مؤدب معه من قبل الحاكم المدني الذي أمر بتوقيفه وإرساله مخفورا الى سراي ( الرميثة ) ، ومعلوم ان الشيخ شعلان كان رأسه يرتعش من مرض مصاب به ، فأعتقد الحاكم البريطاني أن شعلان كان خائفا منهم ويرتعش من خوفه ، وقال البريطاني له ( نحن لا نخاف من رجل خائف يرتعش ) ، فأجابه شعلان ابو الجون وهو العارف ب ( الهوسات ) العراقية والكاتب لها ( أرعش ما أرعش هذا آنه ) ، ويقال أن شيخ عشيرة آخر أسمه الشيخ شعلان العطية هو من أرتجل هذه الأهزوجة ( أرعش ما أرعش هذا آنه ) ، ولا يصح لدي مما تقدم أن الأهزوجة ( أرعش ما أرعش ) للشيخ شعلان العطية ودليلي لذلك لعدم وجود أهازيج أخرى تنسب له ، في حين أن الشيخ أبو الجون له أكثر من أهزوجة مسجلة باسمه سنوردها بمحلها ، وحينما علمت رجالات العشيرة بحبس شيخهم – شعلان ابو الجون – هبوا لنجدته واقتحموا السراي وأنقذوا شيخهم شعلان من سجنه بعد مقتل عدد من حراسه وهروب العدد الآخر ، أضف لأسباب ثورة العشرين الوعي الوطني والديني لرجالات العشائر ومما ينسب الى شعلان ابو الجون قوله هازجاً ( حل فرض الخامس كوموله ) . لم يكن الكورد بمعزل عن ثورة العشرين فقد تحركت القبائل والعشائر الكردية تضامنا مع العشائر العراقية وهب ثوار كردستان في السليمانية وهاولير – اربيل – وعقرة وخانقين وكفري ، وفي كفري وقعت معارك طاحنة بقيادة القائد الكردي ( إبراهيم خان ) نهاية ت1 1920 م واستولوا على مدينة كفري من البريطانيين وقتل قائدهم البريطاني ( كاردن ) بعد 23 يوما من القتال الدامي ، وكبد الكرد القوات البريطانية الخسائر الفادحة في خانقين وديالى ومندلي وبدرة والصويرة والحي والنعمانية وهذا ما أكده الشيخ ( صلال الموح ) بمذكراته عن ثورة العشرين كأحد قواد لها ، ودليل آخر هذه الأهزوجه التي قالها رجل من الحي بعد أن تبرعت أمرأة كردية بحليها الذهبية لثوار العشرين ( تجار الحي فدوه الشانه ) والمرأة الكردية أسمها ( شانه ) ، وأهزوجة أخرى تقول (ثلثين الجنه لهادينا وثلثه الكاكه احمد واكراده) .

اشهر المعارك
معركة الرارنجية
حصار مدينة الكوفة من قبل الثوار
معارك العارضيات والهاشميات
معارك الكفل والحلة
معارك عشائر زوبع وقطعهم سكك الحديد بين بغداد وسامراء
معارك العشائر الكردية في السليمانية وخانقين وعقرة وكفري وغيرها من المناطق.
المعارك التي اشتركت فيها عشائرمن الكورد الفيليين مع اخوانهم من العشائر العربية في ديالى ومندلي وخانقين وبدرة والحي والنعمانية والصويرة
* ( الطوب أحسن لو مكواري )
أهزوجة مشهورة رددها الثوار عند قنطرة الرارنجية بعد أن غنم الثوار مدفعا بريطانيا بأسلحة بسيطة وهي الفؤوس و ( المكاوير مفردها مكوار) وهو عبارة عن عصا غليظة تنتهي بكتلة من القار المتماسك .

أهازيج الثورة :
لا أدخل بآليات صناعة الأهازيج وشرحها وسنذكر قسما مشهورا من هذه الأهازيج
( بس لا يتعلك بأمريكا ) ، ومفادها أن قسما من الشيوخ أرادوا أن يستنجدوا بقوات أمريكية وحال الثوار دون تلك الرغبة ، ولكن ما حصل أن قوات الثوار تكبدت خسائر كبيرة في المعارك فقال مهوالهم ( كطان أحميد صرت آنه ) ، وحميّد هذا سماكا يرمي شباكه فأصطاد كما يظن سمكة كبيرة ( كطان ) ولكنها كانت صخرة علقت بشباكه ، بمعنى أننا لن نحصل على النجدة الأمريكية كصاحبهم ( أحميّد ) .
( هز لندن ضاري وبجاها ) ومعلوم أن الشيخ ضاري قتل القائد لجمن فقيلت له هذه الأهزوجة .
( بلشها ونام أبسردابه ) قيلت بعد أن توفى أحد رؤساء القبائل وكانت الطائرات التي تشترك لأول مرة ضد الثوار لذا قيلت هذه الأهزوجة ودلالتها أن شيخهم تركهم وهم بحاجة له .
وقال مهوال آل أزيرج مخاطبا القائد البريطاني ( هملتن ) عندما أراد الهجوم على عشيرته
ذوله أفروخ الأزرج موش أهل لملوم
يهاملتن تأدب لا تزومش دوم
بالسنكي نريد أوياك نصفه اليوم
( رد لا تتدهده أبحلك آفه )
وخاطب المهوال محمد آل صيته عشيرته وهو يشاهد بنات آوى يأكلن جثث الجنود الأنكليز
واوي الكوت جايع وأعتنه متمور
يكول أشهل الربيعه أشكثر بيها أكسور
واوي العارضيه أيكله من يا خور
( يتكله وأهله يندهونه )
ولعل من أجمل الأهازيج ما قاله شعلان أبو الجون مخاطبا أفراد عشيرته وهم يحرسون جسر ( السوير ) ويدافعون عنه ، وهو يعلم أن النسوة يخافن شن الهجوم المقابل الانكليزي فقال
أكنللج يجامعة الحسن عيناج
فن كوكس وديلي أبعسكره يدناج
كون أهلج جفوج أحنه أبطرب جيناج
( خل يامن كلبج يرعيعه)
والرعيع : الخائف
( يالترعد بالجو هز غيري )
قالها الثوار بعد أسقاط طائرة بريطانية .
( تندار الدنيه وهذا آنه ) هذه الأهزوجة للشيخ عبد الواحد الحاج سكر.
وللشاعرة ( أفطيمة ) من عشيرة الظوالم أهزوجة جميلة فحين عاد أخ لها من المعركة سألته عن أبنها فقال لها ( جن لا هزيتي ولوليتي ) بمعنى أن ولدها قد أستشهد فأجابته على الفور ( هزيت ولوليت الهذا ) بمعنى أني ادخرته لهذا اليوم ، يوم القتال ، وامرأة أخرى شاعرة أسمها ( عفته بت أصويلح ) أسر البريطانيون ولدها وخشيت من أن يتعذر من فعلته وحمله البندقية مع الثوار وهو مار عليها مقيدا أسمعته ( بس لا يتعذر موش آنه ) بمعنى أني لست من ثار ضدكم ، فأجابها ولدها ( حطوني أبحلكه وكت آنه ) أي أنني وضعوني بفم الموت ولم أعتذر عن فعلتي ، وأخرى توفى زوجها وهو من عشيرة أخرى فعادت مع وليدها لأبيها ، وتربى الولد مع أخواله وحين بلوغه مبلغ الرجال تفجرت ثورة العشرين ، فشق على الشاب أن يقاتل مع أخواله ويترك أعمامه ولكن أمه أرغمته على البقاء مع أخواله حفاظا عليه كما تعتقد ، وحين تلاحمت قوات العشائر مع الانكليز وعرف الجميع ذلك قالت الأم مخاطبة ولدها المقاتل الغائب ( بس لا ما يتنخه أبخاله ) ، وفعلا لم يستنجد ذلك الشاب بخاله وأستأذنه باللحاق مع عشيرة أبيه وكانت له صولات تذكر .
وللشيخ ( عجمي السعدون ) هذه الأهزوجة
غذايّ الماطلي لوثار طريت
ثمل لو دخن البارود طريت
أنه سن البحر للميل طريت
( خل الطك للصد بالبيضا )
وللشيخ ( منذر آل فرعون ) هذه الأهزوجه
ما تنداس ثايتنه وحدنه
مبارد ما تحت بينه وحدنه
نشك أشكوك ونخيط وحدنه
( شك ما يتخيط شكينه )
ولم تكن الحلة الفيحاء بعيدة عن الأهازيج فهذا الشاعر الشيخ حسن العذاري يقول
حدنلي أبكل الناس والشر
ولا نتبع حجي النمام والشر
أحنه اللي أبحد الموت والشر
( والموته أبكل عز نشريها )
بعد انكسار عشائر المنتفج بمعركة الشعيبه وهروب الرجال صوب الشيخ ( خزعل ) أمير عربستان ، وكان الشيخ خزعل يسلي نفسه مع مواليه وقام أحد عبيده بالرقص أمامه تحركت دماء مولى للشيخ عجمي باشا من آل السعدون وخاطب الشيخ خزعل قائلا ( أنا عندي ما يرضيك أمير ) وأردف قائلا
أهي حرب أدول يخزعل ما هي درننكات 1
وخلها لبو أمطشر خلفت البيكات
تتراكض صبايا تكسر الجيمات
( أسأل قنصلها أشسوينه )
1 : درننكات / الطبل / آلة للعزف
وأهزوجة أخرى
يكوكس وين وجهك جوك أهل لملوم
نطلبك بالشعيبه وأعرضيت البوم
لابد ما نسوي أعله السماوه اليوم
( تستانس بيها حتى أمريكا )
وهناك ملاحظة تدل على الوعي السياسي للثوار فأمريكا كانت تطالب بحرية الشعوب يوم ذاك والأهزوجة معناها أننا سنهزم بريطانيا وتفرح أمريكا بذلك .
انقاتل بالسمه ونقاتل البلگاع
ولا بينه الجبان و لا بنا اليرتاع
واليجفل يخوتي يرخص المبياع) ها حميّد جينا أنموت اهنا(
وأخرى
ييت ويبت أخوتي تابع السيرة
ومن اكعد يخوتي تبطل الغيرة
خالي ألما عرفني هاي هالحيرة
( حسباله أتطلب ييت انطيه )
الأهزوجتان أعلاه قالهما ( خيون صبر الدوشان ) .
حين تشييع جنازة الشيخ ( عارف حمد الفهد ) أنبرى ولده الشيخ ( حمد ) هازجا
ارخصوني عمامي خل اون اعليه
لا بهل الجنوب ولا وسط نلگيه
اهو سور العشيرة وللوزن نرجيه
( الموت من الله الما مر بيه )
وقال
ريض يل المشيع وين بيه تريد
چا يا هو الأعيده من يجيني العيد
ويا هو يسد مسدك گلي يوم الويد
( يل بين احسابك باطل تحصد بالزينين )
وأكمل قائلا
يا عارف صدك تجفي وما تشوفك عين
وحاير باليــعوضك گلي اجيــبه أمنـــين
ما ينطـــينه فنتگ ردف طــگ البيـــــن
)ان چان الحگ يتسولف هذا المشرك بالشريان( .
وهناك ( مهوالا ) من سوق الشيوخ يعد أفضل ( المهاويل ) أسمه ( حامد سعدون ) له هاتان الأهزوجتان
لغز يبقى الرجل من يمتلك عگله
لما يحچي اتعرف اشخفة وشثگله
بالك بالسواد اتعير المگله
( ابنار العلية اتچوة وصار اسود لونه )
شوف اشحچت وشگالت الدوده
ادخلوا ابيوتكم والبوب مسدوده
لا يسحگم سليمان وجنوده
( قانون الدوده يبنادم بلكت عدك )
وهناك أهازيج لم يصل منها ألا قفلها ( الهوسة )
( شرناها وعيّت يا هيزه )
و ( هيزه ) منطقة تلال شمال الناصرية حيث قبائل المنتفج ، يقول ( المهوال ) أننا أستشرنا منطقة هيزه بقبول المحتل فرفضت لذا قاتلنا لأجل رفضها هذا .
( من ذوله أتربع واوينه ) قالها أحد المهاويل أمام القائد البريطاني الذي زار العشيرة بعد ثورة العشرين وشاهد القائد كلاب القرية سمينة ومليئة باللحم ، بمعنى أن هذه الكلاب شبعت من جثث قتلاكم ، و ( أتربع ) من الربيع لأن الأغنام يتوفر لها المرعى في الربيع ، وقرن المهوال الأغنام بالذئاب وبنات آوى .
( سوالك مسند تركينه )
قيلت أمام الملك فيصل بمعنى اننا من أوجد مملكتك ببنادقنا التركية .

وللأهازيج قصصها :
عروضيا تعد (الهوسة) من بحر الخبب – حركة الخيل – هكذا صنفها الخليل بن احمد الفراهيدي ، وتعتمد بتفعيلتها على (فعلن) مكررة ، وتسمى لدى الشعراء الشعبيون ب ( الهوسة) ، ومنهم من يسميها (أعكيلية) نسبة لعشائر (العكيلات) ، ومنهم من أسماها ال(طربكة) نسبة لحركة قوائم الخيول (طربك ، طربك) و(طربك) عروضيا تقابل ( فعلن ، فعلن) ،ومنهم من أسماها (الأهزوجة) وهناك خطأ شائع يقع به الشعراء حيث يسمون (الهوسة) ب ( العراضة) ، و (العراضة) قد يكون من معطياتها (الهوسة ) ، و (العراضة) يعرفها أهل الوسط والجنوب العراقي وبخاصة أهالي الفرات الأوسط ، وللعراضة مراسيم خاصة لسنا بصددها ، كعراضة المتوفى وعراضة الزواج وعراضة (تشييخ) أحدهم لعشيرته ، وقد لعبت – العراضة – فعلها الواضح على رجالات العشائر أبان ثورة العشرين.
تكتب ( الهوسات ) بكافة أوزان الشعر الشعبي كالموشح والتجليبة والنصاري وهذه هي الأوزان الشائعة غالبا ، ومنهم من يكتبها بأوزان أخرى ، مع ملاحظة أن الأبيات التي يكتبها الشاعر -المهوال – غالبا لا تزيد على ثلاثة أبيات يختمها بال (هوسة) والتي يجب أن تكون على تفعيلة الخبب ( فعلن) لكي يؤدي المجتمعون مع ( المهوال) الحركات التي تتواءم مع أهزوجته ، وتتخلل الأهزوجة حركات راقصة من مؤدوها جميعا ، وغالبا ما يحمل الشاعر بيده بندقيته ويرقصها ويطلق الآخرون عيارات نارية من بنادقهم .
( بالرارنجية أنت ويانه)
الشيخ مرزوك العواد (أبو جفات) شيخ عشيرة (العوابد) والتي يمتد سكن رجالاتها بحوض الفرات الأوسط ، ومضيف الشيخ مرزوك بناحية الشامية حيث مسكنه وعشيرته الأم ، ويعد الشيخ مرزوك من رجالات ثورة العشرين وقوادها ، ومن المعلوم أن ثورة العشرين أجبرت حكومة بريطانيا العظمى بالنظر بجدية لمطالب الثوار بتشكيل حكومة وطنية ، وكانت رغبة بريطانيا جلب ملك لكرسي العراق من غير الثوار المنتفضون عقوبة لهم ، وكان لهم ما أرادوا بدسائس أثبتها المختصون ، وحينما أصدرت بريطانيا العظمى أوامرها باستقدام الملك فيصل الأول من سوريا لمملكة العراق الجديدة ، كان الشيخ مرزوك العواد من ضمن الوفد الذي ذهب لجلب جلالة الملك ، خلال المسيرة الطويلة من سوريا الى العراق أرتبط ملك العراق الجديد فيصل بعلاقة صداقة حميمة مع الشيخ مرزوك ، وعرف الملك أن الشيخ مرزوك يقول الشعر الشعبي رغم عدم معرفة الملك باللهجة العراقية الجنوبية المحكية ، ودع الشيخ مرزوك مليكه الجديد بعد أن وصلوا لبغداد وقفل راجعا للشامية ، بعد حين أراد الملك فيصل زيارة الألوية العراقية – هكذا تسمى سابقا – وحين وصوله للشامية كان الشيخ مرزوك باستقباله بمضيف عشيرته ، وكان برفقة ملك العراق كل من ( رشيد عالي الكيلاني ) ووزير الداخلية ( ناجي السويدي ) ، طلب الملك فيصل من الشيخ عواد أن ( يهوّس) لمقدم صديقه ، أجابه الشيخ مرزوك لست ( مهوالا) جلالة الملك ، وهنا أمر رشيد عالي الكيلاني الشيخ مرزوك قائلا له ، (مرزوك هوّس لجلالة الملك) ، لا حظ الشيخ مرزوك هذا الإسلوب الفض من رشيد عالي الكيلاني حيث لم ينعته بالشيخ ، وحتى لم يكنيه بأبي ( جفات ) فكبر ذلك عليه وقال له ، نعم (هسه حلَت وحلت الهوسه) وأنشأ قائلاً وهو يعلم جيدا أن رشيد عالي الكيلاني لم يكن له أسم يذكر بثورة العشرين وإنما جاءته هكذا بالصدفة والعلاقة – كأيامنا هذه (إ يجد أبو كلاش وياكل أبو جزمه) – ، وكما أطلقوها سابقا ( خياركم بالجاهلية خياركم بالإسلام) ، ويعرف الشيخ مرزوك أن أسم أم رشيد عالي الكيلاني ( عليه) فأنشأ قائلاً
ذبحنه الصوجر وجبنه الملوكيه
دلالة على جلب الملك فيصل من سوريا
وأبن (عليه) وزير ويامر أعليه
وأدار وجهه صوب وزير الداخلية ناجي السويدي مكملا أهزوجته قائلاً
إبحضك هم شفت هاي الأفندية
( بالرارنجية أنت أويانه )
والرارنجية قريبة من مدينة الحلة باتجاه الجنوب – النجف – حدثت بها معركة ضارية مع الإنكليز.
( خايف منك خاف أ تجيت أعليه)
مرض الشيخ ( حاتم الحسن ) شيخ عموم الحسناوين في الفرات الأوسط ، وهو من سكنة ( الصليجية) ناحية العباسية العائدة لقضاء الكوفة محافظة النجف الأشرف ، وكان مرضه الذي مات به منتصف السبعينات من القرن المنصرم ، وحاتم الحسن وجه عشائري له ثقله بين عشائر العراق ، ولوالده موقف سجل عليه لا له فترة ثورة العشرين الخالدة يذكره المهتمون بها ، ومن المعلوم أن كل شيوخ العشائر لهم (مهاويلهم) الخاصون بهم ، والشاعر (المهوال) لسان عشيرته بأفراحها وأحزانها وحروبها وغاراتها على العشائر الأخرى ، ويفضل (مهوال) العشيرة على (المهوال) الذي ينتمي لعشيرة أخرى ، وكان لحاتم الحسن شاعرا (مهوالاً) صديقا له أسمه (فنجان الحسناوي) ويكنى بأبي زيدان ، والشيخ حاتم الحسن مسجى بإحدى مستشفيات العاصمة بغداد منتصف السبعينات تحدث من على سرير موته مع (مهواله) فنجان قائلاً له ، فنجان ، أجابه ( لبيك إمحفوظ آمر) ، قال الشيخ لفنجان لطالما امتدحتني بحياتي في مواقف شتى فما عساك تقول راثيا لي بعد موتي ، أجاب فنجان شيخه ( عمرك إطويل إمحفوظ إنشاء الله من عمرنه على عمرك) ، قال الشيخ ( لا فنجان هاي مرضة موت ماظن أكوم منها ، أبروح أبوك شو درثيني) ، أطرق فنجان قليلا ونهض من مكانه قائلا
وراك العمر ما ريده ولا هوّس بعد بحزام
وعليك إنسد مضايفنه يملفه الزلم من تنظام
ي(نيص) الأسد من تجبل أعله ظهره من يريد أينام
خايف منك خاف إ تجيت أعليه
الشطران الأولان معلومان للقارئ الكريم ولكن الشطر الثالث يحتاج للتوضيح كما أرى ، فال(نيص) حيوان بري يقارب الأرنب بحجمه ولكنه بوثبة واحدة ينقض على الأسد ويقضم رقبته من قفاه فيدرك الأسد النزف من الدماء حتى الموت ، فلذا عندما يرى الأسد (نيصا) ينام على ظهره ويرفع أرجله ويداه لكي يتقي قفزة ال (نيص) ، إلا أن ال(نيص) لا يهجم على فريسته وهو نائم على ظهره لأن بذلك حتفه بل ينتظر جزع الأسد من استلقائه ليهجم عليه ويفترسه ماصا دمه.
وقال الشيخ لمهواله ( وبعد فنجان شتكول) ،أطرق (المهوال) وأردف قائلا
يا ميزان الأول حيث الأول عال – من العلو
ويا حلو المحاجي ويا كلب رجال
ترهه أعله السطور ومثل حرف الدال
(خليه يالدنيه أتنومس بيه)
ولا أعرف بماذا يتمييز حرف الدال على بقية الحروف ولم أجد من يفسر لي ذلك ، وقد يكون الشاعر يقصد أن حرف الدال يشبه رأس السهم .
(الشر يتلبد وأحنه أندور أعليه)
يمر القطار النازل والصاعد من وألى البصرة الفيحاء عشائر بل قل قبيلة الظوالم وهي كثيرة البطون ، والتي تمتد من الديوانية وصولا لذي قار ، وكان الوطنيون من الثوار المعارضون لوجود المحتل ببلادهم يعترضون قطار المؤن والمعدات العسكرية الإنكليزية برميه بما تيسر لهم من أسلحة آنذاك ، أستاء القائد الإنكليزي من فعلتهم هذه وأرسل لقسم من الشيوخ المؤازرين للمحتل وما أكثرهم – ما أشبه اليوم بالبارحة – ، جمع القائد الإنكليزي مثل هؤلاء الشيوخ بمكتبه وحدثهم بمكره وأهداهم العطايا فمنهم من استجاب ومنهم من رفض ، أغدق القائد الإنكليزي على من تواطأ معه وأعطاه مبلغا من المال لأجل مأدبة يقيمها للقائد المحتل ، أكل الجميع من هذه المأدبة المدفوعة الثمن وتحدث القائد مع الجميع قائلا ، لا أريد من عشائركم شيئا ما إلا أخبارنا أو إخبار الشيخ بأسماء من يعترض القطار بعد هذا اليوم ، أجاب الشيخ نعم ولك ما تريد أيها القائد ، قال القائد موجها كلامه للجميع أجلبوا لنا قرآنا ليكون شاهدا عليكم ، جلب الشيخ قرآنه وقبل أن يضع يده على القرآن للقسم نهض أحدهم من مكانه مخاطبا الشيخ ، ( على هونك إمحفوظ خليني أهوّس كبل ما تحلف) ، تفتحت أسارير الشيخ معتقدا أن (المهوال) سيطلق عنان لسانه لصالحه -أي الشيخ – ليقبض ثمن إهزوجته (هوسته) ، وكانت (نخوة) عشيرة الظوالم هي (ولد جلبه) ، والنخوة هذه يعرفها أبناء العشائر، ولكل عشيرة نخوتها الخاصة بها ، يطلقها أبن العشيرة حينما يظام ولا يجد ناصرا له ، توسط (المهوال) الجمع قائلا
أحنه (أولاد جلبه) وبزرة الشيطان ويروى
أحنه (أولاد جلبه) وما نهاب الدان – القنابل
نحلف بالترك ما نحلف بقرآن
ونحلف بم (صليب) الجايه من إيران
(الشر يتلبد وأحنه أندور إعليه)
ونحلف ب ( الترك ) دلالة للبندقية التركية التي هي سلاحنا ولا نقبل أن نحلف زورا وباطلا بالقرآن الكريم ، و(أم صليب) البندقية المعروفة والتي كانت تصنع في دولة إيران ويجلبها- (القجخ جيه )- المهربون لبيعها للعشائر الثائرة ، وهكذا أستطاع هذا المهوال الذي لا أعرف أسمه من أن يضيع فرصة الفوز بمغنم خائن للشيخ الدخيل – شيوخ التسعين – ، وخرج القائد الإنكليزي من المضيف خالي الوفاض .

الإدعاءات السياسية الخاوية
لي وجهة نظر خاصة بي مفادها ان السبب في نجاح ثورة العشرين هو عدم وجود قيادات سياسية ما تدخلت بشكل أو بأخر بثورة العشرين ، ولم تكن الطائفية السياسية طافية بشكل واضح على المشهد المجتمعي العراقي ، ودليلي ما أوردته من نجاحات وإخفاقات ثورة العشرين ، وحين دخلت السياسة وتبلور مفهومها بدأت تلعب على أوتار الطائفية وبدأت كل طائفة تنسب لها بطولات ثورة العشرين ، وهناك حقيقة أنتهجها الطاغية المقبور بهذا المجال وشجع عليها كثيرا ، ومعلوم للجميع ما قام به الطاغية من الإيعاز بتمثيل فلم سينمائي أسماه ( الأيام الطويلة ) ، أظهر فيه ان حادثة القطار المشهورة قد وقعت بمدينة ( الفلوجة ) ، والجميع يعلم ان الواقعة حدثت بمنطقة ( السوير ) حيث مرور القطار فيها ، ويصح القول أن شيوخ وثوار الفلوجه قطعوا طريق القطار الذاهب صوب سامراء ، وبعد انتفاضة آذار الخالدة التي تشبه ثورة العشرين ، لأنها أتت هكذا على الفطرة العراقية الوطنية ، بلا أحزاب تدعيها لذا أهمل ذكرها وعدت مع النسيان ، بعد الانتفاضة المسماة بالشعبانية توجهت وفود من محافظات العراق المنتفضة لاسترضاء القائد المهزوم ، وما يذكر ذهاب وفد من محافظة المثنى برفقة ( مهوال ) بصير أجهل أسمه مع أسفي الشديد وأعتقد أن أسمه ( علي ) ، ووقف هذا البصير أمام الطاغية المقبور وهو يحمل عصاه التي أمر الطاغية استبدالها ببندقية ( برنو) ، وبعد ان عرف ذلك البصير أين يجلس الشيوخ ومكان جلوس الطاغية أرتجل أهزوجته قائلاً
لون شعلان يدري أنباكت الثوره
جا شك التراب وطلع من كبره
عدنه عالسوير المسأله الكبره
( الشاهد عندي الشاهد ، ذوله أيتام من العشرين )
و( ذوله أيتام ) وهو يشير ببندقيته صوب جلوسهم ، ويقال ان الطاغية أدرك مقولة البصير وأوعز بإيقاف عرض فلم المسألة الكبرى .

الخاتمة :
مما تقدم يتضح لنا جليا أن ثورة العشرين كانت حصيلة جهاد شعب عراقي بكامله وبكافة طوائفه ، وقد لعبت السياسة وخبثها لحرف تاريخ الثورة لصالحها ، وأهم منجز حصلته ثورة العشرين التي أستمرت ستة أشهر هو قيام المملكة العراقية ، ولما حصل في بلدنا العراق وما سيحصل سأضيف هذه الأهزوجة وهي من نظمي لمجمل الأهازيج التي ذكرتها
لون شعلان يدري نوصل الهل الحال
جا فلش مضيفه ولا لبسلـَه أعكال
معكورة الحيوده والردي الخيال
( أنحارب بيش أنحارب … مكسوره الفاله ومكواري)

عن الدكتور حامد كعيد الجبوري