إتخذت الصين قراراً، لمنع هجمات القبائل المتوحشة من الخيونجو، والقبائل المتوحشة الأخرى، ببناء سوراً كبيراً ليحمي حدودها الشمالية، وذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، سمي بعد ذلك بسور الصين العظيم، وقد كانت تلك القبائل تقوم بالهجوم على أراضي الصين ، وذلك لأنها كانت تعيش على السلب، والنهب، والغزو، ويبلغ طول هذا السورالعظيم، الذي أكتمل بشكله النهائي، حتى القرن السادس عشر الميلادي، حوالي (٢٤٠٠ ) كيلو متر. تحملت الصين، بإعتبار إن المشروع يخصها على وجه التحديد، ويحمي حدودها، ومواطنيها، وهذا هو منطق الحال، تكاليف بناءه ، جملةً وتفصيلاً، حد الفلس الواحد.
هذه العبقرية العظيمة، تفتقت، عند الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، في مسعى منه، لمنع تدفق المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين الى بلاده، فضمنها مشروعه الإنتخابي، وخاض بها، وبمثلها، الإنتخابات الرئاسية، مستغلاً بذلك، تحسس بعض مواطنيه من ذوى الأصول الأوربية، ومن ذوي البشرة البيضاء، ” عنصرية جديدة”، وهذا ما دعا الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، أوباما، التحذير منها في خطاب الوداع، من وجود المكسيكيين ذوي البشرة الداكنة، والشكل المختلف، والذين يبحثون عن لقمة للعيش، ومستقبل أفضل، لهم، ولأطفالها، في أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وأغلبهم يعملون في أعمال تسمى الأعمال القذرة ” dirty works “، مع الأعتذار عن إستخدام هذا المصطلح، وهي أعمال خدمات النظافة، وتسليك المجاري، والترميمات، وتنسيق الحدائق، وقص الأشجار، وخدمة البيوت، وغيرها من الأعمال التي لا يشتغل فيها الأمريكان من ذوي البشرة البيضاء، أو أعمال اخرى تنافسية، كالعمل في مصانع السيارات، أو المنشآت الصناعية الأخرى. وكان الرئيس المنتخب يهدف من وراء ذلك توفير فرص عمل، في الأعمال التنافسية، يقتنصها لناخبيه.
أن الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك تبلغ (٣١٤٥) كيلو متر، وهي واحدة من أطول الحدود بين دولتين في العالم، تتخللها جبال وعرة، ونهرا كولورادو وريو غراندي، وقد خصصت سلطات الولايات المتحدة إمكانيات هائلة لتأمين تلك الحدود الجنوبية، من خلال نشر (١٧) ألف عنصر أمن من حرس الحدود، مدعمين بدوريات سيارات، ومروحيات، وصور الأقمار الصناعية، وشرعت منذ عام ٢٠٠٦ بوضع سُوَر كامل على الحدود، تنتشر في محيطه أسلاك شائكة، ووضعت حوله آلاف الكاميرات، وأجهزة الرؤية الليلية، والإستشعار.
إن الولايات المتحدة ليست بحاجة الى بناء سُوَر ترامب العظيم، والذي تقدر كلفته مبدئياً بحدود (١٠) مليارات من الدولارات الأمريكية. وحسن فعل الرئيس المكسيكي أنريكة بينيا نييتو، عندما أعلن بأن بلاده سوف لن تتحمل تكاليف هذا البناء، وأنه أوضح ذلك لترامب، بما لا يدع مجالاً للشك. وذلك رداً على تصريح الرئيس المنتخب، مؤخراً، بأن التمويل الأمريكي المبدئي يستهدف السرعة في تنفيذ الجدار، وأن المكسيك ستسدد تكاليف بناء الجدار فيما بعد، وأضاف الرئيس المكسيكي أيضاً، بأن أعداد المهاجرين المكسيكيين الى الولايات المتحدة في تناقص مضطر، ويعني بذلك أن الأعداد المهاجرة بطريقة غير شرعية، قليلة بمكان، لا تستوجب بناء مثل هذا الجدار، ولا هذه الأموال الطائلة التي ستنفق عليه، دون مبرر حقيقي. إذن لماذا هذا الإصرار على مشروع لا جدوى منه سوى أنه واحدة من وسائل التأجيج، أو لعله مشروع العصر، بالنسبة لإمبراطورية العقارات ومشاريع البناء، التي تملكها مؤسسة ترامب .. وهذا ما يُذّكر بالحجج الواهية التي أطلقتها إدارة بوش الإبن في مسألة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وقد تكون مماثلة للجدار، وصرف مبالغ هائلة، لإحتلال العراق، لكي تمكن بموجبها لشركات النفط الأمريكية، وحليفاتها الغربيات، من الإستحواذ على خزين نفط العراق الذي يعد ثاني أحتياطي في العالم. لعلها واحدة بواحدة .. من يدري؟