(نزهة مع بوشكين) – هو عنوان كتاب صدر في باريس العام 1989 من تأليف الكاتب الروسي المعاصر اندريه دوناتوفيتش سينيافسكي ( 1925 – 1997 ) . و سينيافسكي اسم شبه مجهول تقريبا للقارئ العربي , ولكنه يكاد ان يكون علما من اعلام الكتّاب الروس في الغرب الاوربي , بعد ان تم اعتقاله مع زميله دانييل في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي , وجرت محاكمتهما ( المدويّة آنذاك ) بسبب كتابات مضادة للايديولوجيا السوفيتية وتوجّهاتها , ارسلوها الى الغرب بشكل سريّ , وتم نشرها هناك باسماء مستعارة بالطبع, وكان الاسم المستعار لسينيافسكي هو ابرام تيرتس ( وهو اسم يهودي واضح جدا بالنسبة للروس) , ولكن سينيافسكي كان روسيّا , اي انه حاول ان يتخفى ( تحت اسم يهودي مستعار) عن عيون الرقابة السوفيتية الشديدة جدا و الصارمة جدا ( والتي كان سينيافسكي يعرفها حق المعرفة !), ولكنه لم يستطع طبعا, اذ ان هذه الرقابة – كما هو معروف للجميع , ولسينيافسكي ايضا وبلا شك – كانت تمتلك عيونا وآذانا عديدة في كل مكان داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه .
سينيافسكي خريج كليّة الفيلولوجيا (اللغات وآدابها) بجامعة موسكو العام 1949 , وحاصل على شهادة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة) في العلوم الفيلولوجية من نفس الكليّة و الجامعة العام 1952 , وكانت اطروحته بعنوان – ( رواية غوركي (كليم سامغين) وتاريخ الفكر الروسي الاجتماعي نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 ) , وهي اطروحة سوفيتية النكهة والمضمون والروح بامتياز , وبعد تخرجه بدأ العمل في معهد الادب العالمي باكاديمية العلوم السوفيتية ( وهو الذي كتب الفصل الخاص بغوركي في كتاب الاكاديمية الموسوم ( تاريخ الادب الروسي السوفيتي ), واصبح ايضا محاضرا في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وعضوا في هيئة تحرير مجلة ( نوفي مير)( العالم الجديد) الشهرية , وهي واحدة من أشهر المجلات الادبية السوفيتية آنذاك ( ولازالت لحد الان ) , والتي كانت هيئة تحريرها برئاسة الشاعر تفاردوفسكي . وباختصار شديد , اصبح سينيافسكي اسما مرموقا في الاوساط الادبية السوفيتية في النصف الثاني من الخمسينيات فصاعدا باعتباره ناقدا ادبيا وباحثا في مجال الادب الروسي السوفيتي (و يوجد رأي يقول , ان الكتاب الاول الذي اصدرته سفيتلانا ابنة ستالين بعد هروبها من الاتحاد السوفيتي العام 1966 بعنوان – ( عشرون رسالة الى صديق ) هو سينيافسكي , وعلى الرغم من ان هذا الرأي بقي دون اثبات , الا انه مهم فعلا ) . ولكن سينيافسكي لم ينشر نتاجاته الابداعية داخل الاتحاد السوفيتي , وتم اعتقاله عام 1965 بتهمة الدعاية المضادة للاتحاد السوفيتي , وحكموه عام 1966 بالسجن لمدة سبع سنوات , ولكن تم اطلاق سراحه عام 1971( بأمر من اندروبوف رئيس جهاز المخابرات السوفيتية آنذاك , والذي اصبح عام 1984 رئيسا للدولة والحزب بعد وفاة بريجنيف ) , فدعته رأسا جامعة السوربون للعمل استاذا للادب الروسي لديها , وهكذا سافرمع عائلته الى هناك , وعاش في باريس وتوفي فيها عام 1997 . كان سينيافسكي نجما بارزا في عالم الادب والفكر الروسي واوساطه في باريس آنذاك , بعد اعتقاله ومحاكمته في الاتحاد السوفيتي و كل هذه الاحداث المرتبطة بمسيرته, ونشر في باريس العديد من الدراسات والكتب , ومن جملتها كتابه الموسوم ( نزهة مع بوشكين ) , والذي نريد ان نتوقف عنده قليلا لتعريف القارئ العربي به .
يقع الكتاب في( 201 ) صفحة من القطع المتوسط , وهو كتاب يرسم صورة بوشكين بشكل مغاير عن تلك الصورة السائدة في مسيرة النقد الادبي الروسي , وقد رسمها سينيافسكي مستندا على معلومات عميقة حول نتاجات بوشكين ومستشهدا بمقاطع دقيقة ومحددة من تلك النتاجات , اضافة الى دراسة تفاصيل شبه منسية من سيرته الحياتية . أثار هذا الكتاب رأسا ردود فعل مختلفة ومتباينة بشكل حاد و لدرجة التناقض بين القراء , ولا زالت هذه الآراء المتنوعة سائدة حول الكتاب لحد الان , وقد اطلعت على رأي كتبه أحد الباحثين الروس عام 2019 يقول ما معناه, ان الموقف تجاه بوشكين كان ( شبه مقدّس) , وان كتاب سينيافسكي ( نزهة مع بوشكين ) قد ساعدنا على التحرر من هذه النظرة غير الموضوعية للامور . اما الرأى الآخر , المضاد لهذا الكتاب , والذي أسماه باحث بانه ( المحاكمة الثانية لسينيافسكي ) , مشيرا , الى ان المحاكمة الاولى جرت في موسكو السوفيتية عام 1966 بسبب موقفه تجاه الايديولوجية السوفيتية , اما المحاكمة الثانية فانها بسبب موقفه من بوشكين .
سينيافسكي وكتابه ( نزهة مع بوشكين ) يستحق النظرة الموضوعية العميقة والهادئة , اذ ان ذلك كله جزء لا يتجزأ من تاريخ الادب الروسي المعاصر , هذا الادب الذي لايزال غير واضح المعالم بالنسبة للقارئ العربي….