ليس توقا إلى ماضي يصعب استرداده ُ وترك فجواته الكبيرة بين ثنايا الروح … وظل أسير رغبه سرد غير متخفية برداء خاص متوافقا مع ماقاله هيجو من ان ليس لأحدنا حياة خاصة .
ففي ستينيات القرن الماضي كنا نسكن في خان الحاج فليح في منطقه الباب الشرقي و يضم بيوتا كثيرة لاتحتفظ لنفسها بسياج خارجي أو حديقة أنها مجرد غرف بنيت من الطين وسقفت من جذوع النخيل كما هو حال غرفتنا التي تكدسنا فيها واحتلت وسطها صوره للعائلة معلقه على الجدار الطيني …. بيتنا الذي نحلو دائما ان نصفه هكذا يقع مقابل الباب الخشبي الكبير للخان وعندما نخرج منه يقابلنا الشارع المؤدي إلى ساحة الطيران والذي نصب علية طوق حديدي مقوس احتل علم الجمهورية وصوره الزعيم المبتسم في وسطه وزين بالنشرات الضوئية الملونة هذا الشارع أحتضن عشرات المسيرات والتظاهرات كما سارت عليه مسيرات المقاومة الشعبية ومن بعده جموع الحرس القومي
يجاور الخان من الجانب الأيسر بيوتا ضخمه تلاصق كنيسة الأرمن الاثورزكس ومن الجانب الأيمن تلتصق سطح بيوته بسينما النصر الصيفي…بقايا من صور الماضي استعيد فيها دقائق لاتمحى فالسينما عبارة عن قاعة كبيره بلا سقوف ننظر من فوق سياج الخان إلى ذلك الضياء القوي الأتي من خلف شباك طالما رأيناه كئيبا لايملك الإبهار نفسه حين تصطدم تلك الأشعة الخارجة منه بالجدار المغطى بالقماش الأبيض في مقدمه السينما فيجعله ينبض بالحياة فشاهدنا على مدى أيام الصيفية كما تقول فيروز أفلام لعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وأفلام هندية لكن أفلام المطرب التركي الشهير زكي موران (1931-1996) تركت في الذاكرة رنينها الخاص فلأسابيع متواصلة سهرت العوائل على إيقاع صوته الرخيم الساحر وحفظ الصغار أغانية فكنا نسمع أنين رواد السينما تحت مختلطة بدموعنا نحن المتفرجين من فوق ولازلت اذكر عبارة ( فلم رديء ) التي لأول مره اسمعها من طفل يكبرنا بسنوات قلائل فأردنا ان نعاكسه قلنا( لا) ارتبك وهز كتفيه وقال أمي قالت ذلك! وتابع ألمشاهده غير مك�هده غير مكترث بنظرات السخرية التي أحطناه به
سك؇ به
سكان الدور ألمقابله للخان يحسدوننا على جورتنا للسينما وأحيانا تتم دعوتهم مشاطرينا متعه المشاهدة كان صديقي كمال الذي قايضناه بالصعود على سطح الخان مقابل حضورنا انأ وابن خالتي حسن ( قداس الكنيسة ) والذي حضرناه وكأننا جئنا من كوكب بعيد فقد ذهلنا لهذا الفناء الواسع ودخلنا نحن الوكحين مرتبكين للقاعة وزاد من حيرتنا جلوسنا مع الجميع على مصاطبها الخشبية
احد ألقسسه كان منتبها للضيوف الجدد ربما ميز ملامحنا أو كانت ملابسنا الباليه علامة تميزنا طردنا بهدوء لكنه لم يستطع ان يمنع مرحنا المتفجر ونحن نتجول في فناء الكنيسة وازداد عنادنا لمشاكسته فاخترنا المقبرة خلف بنايه الكنيسة مقرا”لاحتفالنا الجديد فكنا نهرب من المأوى الصاخب في الخان لنجلس قرب القبور المشيدة والمصطفة بإتقان ننظر للوجوه ألجميله المشرقة التي جاءت لزيارة موتاها تبكي بلا صراخ ! سيقان الرغبة في الوصول للأبواب الخفية توقفها دروس الحذر التي كان يسديها ألينا كمال لكن ما يصنع مغامرتنا هو المجهول لنقع في شرك المواجهة وجها لوجه مع القس ثانية حين وجدنا في إحدى الغرف لنطرد شر طرده وليصبح المشهد النهائي الذي ظل محافظا على صفائه مع مشهد الأيادي التي لوحت بالوداع ذات يوم قائض عندما غادرنا الخان للمرة الاخيره وانفرط عقد الخرز الملون لكن وجه كمال ظل متأرجحا بين الحلم والحقيقة اخبره دوما ان الفقر هو اللاعب الضاحك من بين اللاعبين
وتمر السنين ..وتقف عند السنة الرابعة للحرب كنت بين الجموع في قطار لايصل إلا وجه الصبح ومصابيح عرباته اقرب إلى العتمة لكنه منحني قدرا ضئيلا من الضوء مستمتعا بقراءة ترجمه ديوان طالما الأرض تدور (1)
رفعت راسي كي أرى أصدقائي من الجنود الذين تفرقوا بين العربات لمحته يمر من إمامي ضابطا” بنجمتين تلمعان وبصوت اقرب إلى المناجاة صحت كمال …لم يلتفت ركضت خلفه إلى مؤخرة العربة والتقيتة مذكرا بطفولتنا ومشاكساتنا والسينما والمقبرة في زمان لايبدع سوى السراب
كان ساهما يجول بنظراته بعيدا لم أرى رقته وعذوبة صوته كان إنسانا أخر يبدو حزينا كأني ألان عرفته وقبل ان القي عليه التحية العسكرية مودعا قرأت له
( إنا إميل إلى الظن ان في البدء(1)
كان البشر وبعدها
أصبح الكثير منهم نسورا
وتحول الآخرون إلى ثعابين )
قال لي قاسم اقرأ لي فالليل طويل هنا
(في هذه الحياة
كثيرا مانمنح أرزاقا بلا عدالة
هاهم يدسون اللحم في فمي دسا وقد
فقدت أسناني
وكنت اقتات بلعصيده وانأ بكامل أسناني )(2)
(1) ديوان طالما الأرض تدور للشاعر الروسي رسول حمزاتوف ترجمه الشاعر حسب الش>