بعد أن أعلنت المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات نتائجها النهائية وتأكّد حصول كل كتله على مقاعدها النيابية بدأت الكتل وبدون استثناء مارثون الاصطفافات وتشكيل الائتلافات واندماج “الاخوة الاعداء” لمجاراة التحديات. الاسهاب في طرح اربعة او خمسة وربما ستة سيناريوهات لتشكيل الحكومة العراقية القادمة هي تحليلات ليس لانها غير واقعيه فحسب وانما تنم عن عدم ألمام بالواقع السياسي العراقي المتأزم فضلا عن جهل بطبيعة تفكير الساسة الجدد ومدى انعدام الثقة بينهم، ناهيك عن حجم تغليب مصالح احزابهم وكتلهم على المصلحة العامة. لذا ومن وجهة نظرنا ان الوضع الراهن لايحتمل الا سيناريو واحد فقط لتشكيل الحكومة الثالثة واخر اضطراري يبقى قائما حتى الرمق الاخير بعد ان يكلّ ويملّ الجميع وتصل الامور الى طريق مسدودة.
بعد حصول أئتلاف دولة القانون على 92 مقعدا وتجاوز رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي بأصوات أضعاف مضاعفة لمنافسيه التقليديين لن يكون بالامر السهل تجاوزه وتجاوز أئتلافه ولا بأي حال من الاحوال. في المقابل لايمكن للمالكي الاستغناء عن القوائم الاخرى ليس لانها قوائم سياسية منافسه مجردة وانما هي قوائم تمثّل مكونات رئيسية في العراق ولديها حضور وجمهور واسع على شاكلة (أئتلاف الكتل الكردستانية) و (متحدون). في المقابل لن يتمكّن هؤلاء من تشكيل حكومة بعيدا عن دولة القانون حتى وان استطاعوا استماله تيار الاحرار والمجلس الاعلى الاسلامي لان في تلك الاستماله معناه تشييع التحالف الوطني العراقي الى مثواه الاخير وهي مجازفة لايستطيع الصدر والحكيم تحملها لانها ستكون خطوة مكشوفه لشق الصف الشيعي وتنذر بعواقب لاتحمد عقباها ولايعلم افرازاتها ونتائجها الا الله وحده.
الامر بتلك الكيفية وهذا التعقيد لن يحلّه الا خطوة القبول بالأمر الواقع “الولاية الثالثة” مع تنازلات واتفاقات يقدمها ائتلاف دولة القانون وتحديدا المالكي مع ضمانات محلية واقليمة واخرى دولية. أولى تلك التنازلات هي ان يقبل المالكي بتعديل فقرة حجم صادرات النفط من اقليم كردستان الى النصف او اقل مع اعطاء البيشمركة مايطلبونه من امتيازات فضلا عن رفع الحظر عن تصدير النفط من الاقليم وذلك لضمان تمرير موازنه 2014 من جهة والقبول بولاية المالكي الثالثه من جهة اخرى. أما متحدون فلن تقبل بغير بقاء النجيفي في منصبه والمطلك في منصبه مع الاحتفاظ بمنصب نائب رئيس الجمهورية الذي سيرشح له الدكتور ظافر العاني. مطالب الصدريين للتجديد بولايه ثالثة لن يكون بأقل من بقاء وزاراتهم كما هي وبالرغم من تدني نسبة تمثيلهم في المجلس الحالي (34 مقعد) مقارنة بالمجلس السابق (40 مقعد).كذلك الحال مع المجلس الاعلى الذي سيرفع طلباته ليطالب هذه المرة بمنصب نائب رئيس الوزراء مع حقيبه وزارية سيادية لن تكون بأقل من وزارة الداخلية او المالية.
كل هذه المطاليب من وجهة نظر الكتل مشروعة وهي ليست بعيدة التحقق عن المالكي وسينفّذها ولكن تبقى الخطوة الاخيرة والتي تتمثل بتوقيع “وثيقة شرف” أو تعهد خطي وممهور من شخص نوري المالكي نفسه والتحالف الوطني كمرجعية له فضلا عن ممثلين عن الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة وربما حتى ايران وذلك لضمان عدم تفرّد المالكي بالسلطة وتنصله عن تعهداته السابقة واللاحقة. بمعنى ان الوضع الحالي سيبقى على ماهو عليه ماخلا تغييرات طفيفة لاتتعدى اعادة صياغة او اعادة ترتيب للوزارات وربما استحداث وزارتين او اكثر وذلك لارضاء كتل اخرى فائزة من قبيل كتلة الوطنية.
اما المخرج الاضطراري والذي لايمكن تسميته بسيناريو لتشكيل الحكومة لانه سيكون بمثابة خطوة مجنونة لن يقدم عليها الا من يرى فيها حلا أخيرا للخروج من النفق ومجازفة لبناء دولة تتجاوز كل العناوين والمسمّيات ومستعد من خلالها تحمل كافة النتائج والمضاعفات التي ستصاحبها خصوصا لو أصرّ الطرف الآخر على مطالب يعجز عنها المالكي وأئتلافه. هذه الخطوة تتمثل بالاتفاق مع طرف ضد طرف اخر والحلقة الاضعف هنا ليس الاكراد حتما. حينها سيعصب المالكي ولايته الثالثة برأس الاكراد (61 مقعد) ويترك وراءه من لايلتحق به وبحلفائه ليحقق بذلك “الاغلبية السياسية” خصوصا وأن لتحاق كتل أخرى بالمالكي مثل الفضيلة والاصلاح وأخرى “صديقة” مثل العربية لن تقبل بالخسارة مرتين هو أمر مؤكد وهو ماسيرفع رصيد المالكي وأئتلافه الى 110-120 مقعدا وهو ماسيرفد المالكي بأغلبية مريحة لتشكيل حكومة الولاية الثالثة بمجموع لايقل عن (170-180 صوت).
www.zaqorah.com