يبدو أن الولايات المتحدة لم ولن تتعلم من أخطائها التي ورطتها في المستنقع العراقي، وتصّر على مواصلة سياساتها المتخبطة التي تدفع بالعراق والمنطقة كلها بعيداً في اتجاه الفوضى والدمار وعدم الاستقرار. وتتمثل آخر مؤشرات هذا التخبط في موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية واضحة على مشروع القرار غير الملزم الذي قدمه السيناتور الديمقراطي المرشح للانتخابات الرئاسية “جوزيف بايدن”، والقاضي بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات، سنية وشيعية وكردية، باعتباره الطريق الرئيس الذي سيتيح انسحاب القوات الأمريكية من العراق ويمنع انتشار الفوضى فيه، وهو القرار الذي قوبل بمعارضة عراقية وإقليمية ودولية قوية؛ نظراً للمخاطر الجسيمة التي يمكن أن تترتب على هذه الخطوة ليس فقط على العراق ولكن على أمن واستقرار المنطقة ككل.
ورغم أن الحديث عن تقسيم العراق ليس جديداً؛ حيث سبق للعديد من الخبراء والسياسيين الأمريكيين طرح هذه الفكرة باعتبارها الحل الأمثل للخروج من الأزمة السياسية العراقية، لاسيما بعد فشل كل الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء العراق وطوائفه، لكن الجديد والخطير هو أن يتم تداول هذه الأطروحة على المستويات الرسمية، بل ويصدر بها قرار من الكونجرس الأمريكي وبأغلبية كبيرة تعكس قبولاً واسعاً في أوساط الأمريكيين بجدوى تطبيقها. صحيح أن القرار غير ملزم لإدارة “بوش”، وأن هذه الإدارة أعلنت رفضها للقرار وأكدت أن هدفها في العراق لم يتغير وهو رؤية عراق موحد وديمقراطي وفيدرالي، بل واعتبرت في البيان الذي أصدرته سفارتها في بغداد أن أية محاولة لتقسيم العراق بالتهديد والقوة سينتج عنها قدر كبير من المعاناة وسفك الدماء، ولكن ما الذي يضمن ألا تضطر هذا الإدارة للأخذ بتلك الأطروحة تحت وطأة الضغوط التي يمارسها الكونجرس عليها، لاسيما مع استمرار الوضع المتفاقم في العراق؟ وما الذي يضمن كذلك ألا تسفر الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2008 عن فوز مرشح يؤيد هذه الفكرة ويشرع في تطبيقها، لتأمين خروج سريع للقوات الأمريكية من المستنقع العراقي بأقل التكاليف السياسية والبشرية، وهو الأمر الذي بدأ يلقى قبولاً ضمن قطاعات واسعة من السياسيين والإعلاميين الأمريكيين!!.
لا يعني ذلك بطبيعة الحال أن تطبيق فكرة تقسيم العراق أمر سهل وممكن بالنسبة لإدارة “بوش” أو لأي إدارة أخرى تحل محلها مستقبلاً، فهناك العديد من العوامل التي يمكن أن تقف حائلاً دون ذلك الأمر، بعضها يرتبط بالعراق نفسه، وبعضها الآخر يرتبط بالبيئة الإقليمية المحيطة. فعلى المستوى العراقي تجد فكرة التقسيم على أسس طائفية وعرقية معارضة واسعة من قبل معظم القوى السياسية العراقية، ولا يؤيدها غير الأكراد، وقد انعكس ذلك بوضوح في مواقف هذه القوى من القرار غير الملزم الذي أصدره الكونجرس؛ حيث دانته الحكومة العراقية ووصفه رئيس الوزراء “نوري المالكي” بأنه “كارثي”، كما أدانت معظم الأحزاب والقوى السياسية السنية والشيعية هذا القرار، واعتبرت في بيان مشترك أصدرته، أنه بني على قراءة خاطئة وتقديرات غير واقعية لماضي العراق وحاضره ومستقبله، وأنه يخالف كل القوانين الدولية التي تحمي حق الشعوب في تقرير مصائرها والدفاع عن وحدتها ومستقبلها. كما رفض مجلس النواب العراقي بالإجماع القرار القاضي بتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم على أساس عرقي أو طائفي واعتبره تدخلاً في شؤون العراق الداخلية ومساساً بسيادته.
ويعزز من هذا الرفض الذي أعلنته القوى السياسية العراقية عوامل موضوعية تجعل من تطبيق فكرة التقسيم الطائفي أو العرقي أمراً صعباً، ومن هذه العوامل التداخل العرقي والطائفي بين أبناء العراق، فعلى الرغم من تركز الأكراد في الشمل والشيعة في الجنوب والسنة في الوسط، فإن هناك تداخلات سكانية كبيرة في كل مناطق العراق، لاسيما العاصمة بغداد، وبالتالي يصعب تقسيم هذه المناطق طائفياً. كما أن هناك العامل المرتبط بالثروة النفطية، التي تتركز في بعض الأقاليم دون غيرها، وتحديداً في الشمال والجنوب، وهو ما يعني أن التقسيم سيحرم السنة من هذه الثروة، وهذا أمر لا يمكن أن يقبلوا به مهما كانت النتائج، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام انزلاق العراق في حرب أهلية مدمرة.
ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن الجبهة الداخلية العراقية محصنة وموحدة ضد قرار التقسيم، فهناك عوامل داخلية أخرى يمكن أن تدفع باتجاه تحقق هذا الاحتمال، ومن ذلك على سبيل المثال موقف الأكراد، الذين ما زالوا يراودهم حلم إقامة الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق، وانعكس ذلك بوضوح في موقفهم من قرار التقسيم الذي أصدره مجلس الشيوخ الأمريكي، والذي وصفوه بأنه “الحل الأمثل لمشاكل البلاد”. وهو الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة على الموقف الكردي؛ ففي الوقت الذي يشاركون فيه في العملية السياسية ويؤكدون تمسكهم بالعيش ضمن دولة واحدة، لا يتورعون عن إظهار رغبتهم في الانفصال وتكوين دولتهم الخاصة بهم!!. ومن هذه العوامل أيضاً الأزمة السياسية المستمرة التي تعصف بالعراق نتيجة تفاقم الخلافات بين القوى العراقية المختلفة وفشل مشروع المصالحة الوطنية وتراجع أفق التسوية السياسية في هذا البلد، وهو الأمر الذي يستخدمه دعاة التقسيم كمبرر لتدعيم دعواهم، معتبرين أن حل هذه الأزمة السياسية لن يتم إلا من خلال الفصل بين الطوائف الثلاث الرئيسية في العراق.
وإذا كان الوضع مثيراً للالتباس على مستوى الداخل العراق، فإن الصورة تبدو مختلفة على المستوى الإقليمي؛ حيث تجد أطروحات التقسيم معارضة واسعة من كافة دول المنطقة، ربما باستثناء إسرائيل، وإن كان هناك من يرى أن إسرائيل نفسها ستتضرر من تقسيم العراق إذا حدث؛ لأن ذلك سيدعم من هيمنة إيران الإقليمية. ولم يكن غريباً أن تسارع الدول المجاورة للعراق، لاسيما تركيا وإيران وسورية، إلى إعلان رفضها الواضح لقرار التقسيم الذي اتخذه مجلس الشيوخ الأمريكي، لما يحمله ذلك من إثارة للنزعات الانفصالية للأقليات الكردية الموجودة في الدول الثلاث. وتتبنى تركيا موقفاً متشدداً في هذا الصدد، انطلاقاً من قناعتها بأن قيام دولة كردية في شمال العراق سيمثل خطراً كبيراً عليها من الناحيتين السياسية والعسكرية، بحسب تصريحات رئيس الأركان التركي الجنرال “يشار بيوكانيت”.
ولا تقل عوامل القلق والخوف لدى الدول العربية والخليجية من هذه الأطروحات؛ فتقسيم العراق يعني عملياً القضاء نهائياً على دولة عربية مركزية ومهمة للاستقرار الإقليمي، ويفتح المجال واسعاً أمام حدوث صراع إقليمي طويل وممتد، لاسيما مع تدخل كل طرف إقليمي لدعم هذه الطائفة أو تلك، وقد يثير ذلك النزعات الانفصالية لدى الأقليات الشيعية في دول المنطقة، ويتسبب في حدوث قلاقل اجتماعية وأمنية بعيدة المدى، وخاصة في الدول التي توجد فيها أقليات شيعية كبيرة، إضافة إلى ما قد يترتب على ذلك من انتشار التطرف والإرهاب، وتحول العراق إلى قاعدة إرهابية في المنطقة،..إلخ. ولعل ذلك هو ما يفسر سبب المعارضة الشديدة التي عبرت عنها الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية لقرار الكونجرس، الذي وصفه أحد مسؤولي الجامعة العربية بـ “الوصفة المسمومة للرؤية الأمريكية المستقبلية للمنطقة العربية”، في إشارة مباشرة لاحتمال تكرار هذا السيناريو مع أية دولة عربية أخرى في المنطقة، فالتقسيم والتفتيت هو رؤية واشنطن للمنطقة العربية بحسب هذا الوصف.
قرار مجلس الشيوخ القاضي بتقسيم العراق غير ملزم للإدارة الأمريكية، وهذه الأخيرة أعلنت رفضها له، كما رفضته معظم القوى العراقية والإقليمية، لكن ذلك كله لا يقلل المخاوف من احتمال تطبيق هذا السيناريو “الكابوس”، وما لم يتم اتخاذ إجراءات جادة وحقيقية في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء وطوائف الشعب العراقي ونزع فتيل التوترات الطائفية والعرقية والمذهبية التي يعاني منها هذا البلد “بفعل فاعل”، فإن هذا السيناريو سيظل قائماً ومحتملاً، وسيظل دعاة التقسيم يروجون له باعتباره المخرج من الأزمة العراقية المتفاقمة، وربما يجد يوماً ما من يدعمه ويعمل على تطبيقه. والمسؤولية هنا لا تقع فقط على العراقيين، الذين بات يتعين عليهم تحصين جبهتهم الداخلية للحفاظ على وحدة العراق وأرضه وشعبه، بل أيضا على الأطراف العربية والإقليمية المجاورة، والتي بات يتعين عليها لعب دور أكثر إيجابية وتقديم المساعدة للعراق للخروج من أزمته، فليس من مصلحة أي من هذه الأطراف أن تستمر تلك الأزمة، أو أن يتعرض العراق للتقسيم؛ لأن ذلك سيفتح أبوب الشر على الجميع، وسيضع أمن واستقرار المنطقة كلها في مهب الريح.
واكثر الاشارات تدور حول||||||| خطة بايدن ـ جليب المهملة حول التقسيم تلقي اهتماما من إدارة بوش:العراق الي ثلاثة كيانات سنية وشيعية وكردية وحكومة مركزية ضعيفة في بغدادبغداد ـ القدس العربي ـ من ضياء السامرائي: تحدث تقرير لصحيفة نيويورك تايمز عن تنامي اهتمام ادارة الرئيس بوش بخطة السيناتور الديمقراطي جوزف بايدن حول تقسيم العراق إلي ثلاثة كيانات سني وشيعي وكردي تحت مظلة حكومة مركزية واحدة، لكن ضعيفة.وأشار التقرير إلي أن مسؤولا أمريكيا في إدارة بوش أكد أن الإدارة أصبحت قريبة من خطة بايدن ، في وقت نسب فيه التقرير إلي محلل سياسي قوله إن الإدارة أعطت إشارات إيجابية بشأن هذه الخطة.وكشف تقرير الصحيفة الامريكية عن زيارة السناتور بايدن إلي نيويورك للتباحث في هذا الشأن مع أعضاء دائمين في مجلس الأمن الدولي، ناقلا عن بايدن أن خطته لاقت استجابة جيدة، حسب قوله.وفي هذا الإطار، ذكر بايدن أن ممثل إحدي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن قال له إنكم أخذتم وقتا طويلا لتصلوا إلي هذه الخطة ، وأجابه بايدن بـ إننا وصلنا إلي هذه النقطة علي أية حال، والمهم أن نعرف كيف ندير التحول .تحفظات ومخاوفوفي ما ياتي أهم المفاصل والتي رصدتها القدس العربي وجاءت في تقرير السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن Joseph Biden الديمقراطي من ولاية ديلاوير ولزلي جليب Leslie Gelb الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية CFR الهادف إلي تقسيم العراق لثلاث مناطق كردية وسنية وشيعية تتمتع كل منها بالحكم الذاتي، حيث وجد مشروع بايدن ـ جليب لتقسيم العراق ترحيبا من قبل العديد من أعضاء الكونغرس ومن ضمنهم السيناتور الجمهوري كيلي بايلي هوتجيسون التي تري في تقسيم العراق المخرج الوحيد من المستنقع العراقي، وباستثناء الأكراد، تبدو مواقف الطوائف العراقية غير واضحة فيما يتعلق بتطبيق الفيدرالية وذلك في ظل انقسام شيعي حول المبدأ ورفض سني من الأساس. إلا انه في الأسبوع الماضي أقرت الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي مشروع قانون النفط والغاز، في غياب 13 وزيرا اغلبهم من السنة، وخصص المشروع 17% من واردات النفط العراقي لحكومة إقليم كردستان في خطوة وصفها المراقبون بأنها بداية صريحة لتطبيق الفيدرالية، وفي ظل الجدل المثار حول تقسيم العراق إلي ثلاث أقاليم اصدر مركز سابن بمعهد بروكينجز للدراسات السياسية والإستراتيجية بواشنطن دراسة بعنوان حالة التقسيم السهل للعراق (The Case of soft Partition in Iraq) حاولت الإجابة علي العديد من الأسئلة حول مدي إمكانية تطبيق الفيدرالية في العراق ونسبة النجاح مقارنة بالوضع الحالي إلي جانب الصعوبات التي ستواجه الأطراف المختلفة إذا تم تطبيق هذا الخيار الذي أطلقت عليه الدراسة الخطة (ب) Plan B . الدراسة أعدها جوزيف ادوار وهو باحث زائر بمعهد بروكينجز له خبرة كبيرة في مجال إدارة الصراعات حيث عمل لمدة عقد كامل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمنطقة البلقان ولديه العديد من المؤلفات في هذا المجال، وشاركه في إعداد الدراسة مايكل هانلون الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي الأمريكي بمعهد بروكينجز والذي عمل مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في العديد من الدول.ويعترف الباحث في بداية الدراسة أن هناك تحفظات كثيرة علي الفكرة خاصة في الأوساط الرسمية والتي تصف تقسيم العراق بأنه غير أخلاقي ولا سيما البيت الأبيض الذي يري هذا التقسيم مثيرا للفتن، وتضيف الدراسة أن مجموعة دراسة العراق Iraq Study Group وعلي رأسها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وعضو الكونغرس السابق لي هاملتون من اكبر المعارضين لهذا المشروع وذلك لعدة عقبات اولاها ارتفاع نسبة الزواج المختلط بين الطوائف العراقية المختلفة مما سيجعل التعامل مع هذه الظاهرة عن طريق الفصل الجغرافي أمرا من الصعب تحقيقه، والثانية أن تقسيم العرق إلي ثلاثة أقاليم من المتوقع أن ترفضه العديد من الأطراف سواء من داخل العراق أو من قبل جيرانه مثل المملكة العربية السعودية والأردن.ويقول الباحثان إنهما يتفقان مع العديد من تلك التحفظات سواء من حيث المبدأ أو النظرية كما انهما يعتقدان أن التقسيم ليس حلا جيدا لصراعات الطائفية إلا أن الواقع الحالي في العراق من اقتتال داخلي يجعل التقسيم أفضل الخيارات المتاحة، كما أن التجربة أثبتت عدم صحة المبدأ القائل بأن العراقيين يريدون العيش معا داخل دولة واحدة ذات حكومة مركزية حيث صوت العراقيون في الانتخابات في السنوات الأخيرة وفقا لمصالح الطوائف التي يدينون لها بالولاء إلي جانب أن العنف الطائفي كشف أن العراقيين يشعرون بالأمان حين يعيشون في منطقة معظم سكانها من نفس الطائفة وهذا ظهر بوضوح خلال حركات النزوح التي قام بها آلاف العراقيين هربا من العنف.الاكراد وحول مواقف الطوائف العراقية المختلفة من فكرة التقسيم تري الدراسة أن الأكراد هم الأكثر وضوحا خاصة أن هناك شبه اتفاق بين الأحزاب الكردية في الحفاظ علي سيادة الإقليم ـ كردستان العراق ـ واستقلاله واستمرار العمل بنظام الحكم الذاتي الذي يتمتع به الإقليم حاليا، وهذا يتناقض مع موقف السنة الذين يتخوفون من مبدأ التقسيم وينبع هذا الشعور من اعتقادهم بان هذه الخطة ستؤدي إلي سيطرة الشيعة علي عائدات النفط العراقي خاصة أن معظم حقول النفط تتواجد في منطقة الجنوب التي من المفترض أن تكون إقليما شيعيا يتمتع بالحكم الذاتي في حالة تقسيم العراق، كما أن السنة بات لديهم يقين بان استعادتهم السيطرة علي العراق كما كان في عهد صدام حسين بات أمرا غير منطقي وان عليهم أن يجدوا صيغة جديدة تناسب الوضع السياسي والديمغرافي الحالي، أما الشيعة العراقيون فيبدو أن موقفهم ليس موحدا تجاه هذه القضية كما تشير الدراسة حيث عارض العديد منهم الخطة التي روج لها عبد العزيز باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلي للثورة الإسلامية بشأن تقسيم العراق لأقاليم يتمتع كل منها بحكم ذاتي ولا سيما التيار الصدري الذي أبدي زعيمه الشاب مقتدي الصدر في أكثر من مناسبة معارضته إنشاء إقليم شيعي في الجنوب.وتقر الدراسة بأنه إذا لم يتم التخطيط بشكل جيد لعملية التقسيم فسيؤدي الأمر إلي عدم استقرار وفوضي في الإقليم بشكل عام خاصة أن هناك فارقا كبيرا بين تجربة البوسنة والوضع في العراق حاليا حيث أن جيران الأولي صربيا وكرواتيا كان لهم هدف استراتيجي واحد وهو تقسيم البوسنة مما سهل الأمر لوجود دعم إقليمي ودولي أما العراق فهو أمر مختلف تماما ووضع جديد من نوعه.وتشير الدراسة إلي أن الحرب الأهلية في العراق ـ علي حد وصف الباحثين ـ أدت إلي خلق واقع ديمغرافي جديد وذلك طبقا للإحصاءات التي نشرتها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة UNHCR والتي ذكرت انه حتي كانون الثاني (يناير) 2007 وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلي مليون لاجئ بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق ـ نزوح داخلي ـ إلي 1.7 مليون لاجئ كما أشارت التقارير ايضا إلي أن هناك أكثر من نصف مليون عراقي يتم تهجيرهم من مدنهم كل شهر. وتضيف الدراسة انه علي الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي طالب أكثر من مرة العراقيين بالعودة إلي قراهم التي هجروها إلا أن معظم المواطنين رفضوا العودة مما سيؤدي إلي حدوث تأثير عميق علي الحياة السياسة والاقتصادية حيث يسعي حاليا المواطنون العراقيون إلي النزوح إلي القري التي تتركز فيها الطائفة التي ينتمون إليها وفقا لما رصدته منظمة الهجرة الدولية والتي قالت في تقرير لها صدر مؤخرا أن العرب الشيعة يقومون بالنزوح من وسط العراق إلي الجنوب بينما يقوم العرب السنة بالنزوح من الجنوب إلي الوسط وخاصة إلي محافظة الانبار، وتصف الدراسة هذه الظاهرة نقلا عن تقارير المنظمات الدولية بان ما يحدث من موجات نزوح داخلي من شأنه تحويل العراق بالتدريج بلقانا جديدا.وبعنوان (نحو تطبيق تقسيم سهل للعراق) يشير الجزء الثاني من الدراسة الي أن هناك العديد من علامات الاستفهام لا بد من الإجابة عليها قبل الشروع في عملية التقسيم أولاها تحديد كيف سيتم رسم الحدود بين الأقاليم الثلاثة. وهنا تري الدراسة أن الظروف الحالية التي يشهدها المجتمع العراقي من زواج مختلط بين أبناء الطوائف المختلفة تجبر النظام الجديد علي احترام الأقليات مما يجعل رسم الحدود علي أساس جغرافي وليس طائفي وذلك من خلال استخدام الظواهر الطبيعية كالأنهار والجبال. الجنوب ويري الباحثان انه ليس هناك مشكلة فيما يخص المحافظات الواقعة جنوب العراق لان معظم قاطنيها من العرب الشيعة، إلا أن المشكلة الحقيقية في المحافظات والمدن الرئيسية مثل بغداد والموصل وكركوك. وتنتقد الدراسة اقتراح جليب ـ بايدن بجعل بغداد مدينة دولية مستقلة حيث سيؤدي هذا الطرح إلي مزيد من عدم الاستقرار خاصة أن ثلثي عمليات النزوح حدثت في بغداد وبالتالي لا بد أن تكون العاصمة العراقية بغداد جزءا من عملية التقسيم وذلك علي الرغم من أن الدستور العراقي الحالي يحول دون انضمام بغداد إلي أي إقليم في حالة حدوث تقسيم، إلا أن البدء في تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلي العديد من الاستعدادات منها اجراء عمليات مراجعة وتعديل لمواد الدستور كي تسهل عملية التقسيم.الدراسة تنصح أيضا بأن تتم عملية رسم الحدود بحرص بالغ كما أن الولايات المتحدة لا بد أن لا تتدخل في هذه العملية حتي تتجنب اتهامها بالانحياز وتقوية فصيل علي آخر وبالتالي فان الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية هما الجهتان المرشحتان للقيام بهذه العملية وذلك علي عكس ما حدث في منطقة البلقان عندما تم تقسيم البوسنة بقيادة السفير الأمريكي ريتشارد هولبروك، إلا أن وضع الولايات المتحدة حاليا لا يؤهلها للقيام بذلك نظرا لفقدانها المصداقية بين الطوائف العراقية، وهنا تشدد الدراسة علي أن هناك العديد من المبادئ التي ينبغي الالتزام بها عند رسم الحدود.أولها: أن لا تؤثر الحدود الجديدة علي عملية توزيع الموارد النفطية بل لابد أن يكون جميع العراقيين متساوين في هذا الأمر.ثانيا: أن لا يتم إجبار أي مواطن علي الانتقال الي إقليم آخر علي أساس طائفته بل تترك الحرية كاملة للمواطنين في الاختيار.ثالثا: وضع قواعد صارمة لاحترام الأقليات في كل إقليم وحمايتهم لتجنب حدوث أي اعمال عنف طائفي. ويبقي توزيع عائدات النفط العراقي المعضلة الرئيسية في عملية التقسيم حيث تشير الدراسة إلي أن معظم احداث الاقتتال الداخلي اندلع في أعقاب الاستفتاء علي الدستور العراقي في آب (أغسطس) 2005 نظرا لان الدستور ترك عملية توزيع الثروة النفطية أمرا غامضا لم تتم الإجابة عليه حتي الآن، مما عزز القلق السني خاصة أن الأكراد نجحوا الي حد كبير في تأمين نصيبهم من عائدات النفط أما الشيعة فيسيطرون علي المحافظات الجنوبية التي يوجد بها معظم الثروة النفطية العراقية. ويبقي السنة محاصرين في هذا الشأن فعلي الرغم من أنهم يمثلون 20% من حجم العراقيين إلا انهم لا يحصلون إلا علي 10% من عائدات النفط في الوقت الحالي، ويؤكد الباحثون علي ان تحقيق أي نجاحات في عملية التقسيم يتوقف علي توزيع عادل للعوائد النفطية لان ذلك سيضمن استقرارا امنيا ويحول دون النزاع الطائفي علي الثروات العراقية. ومن هنا تري الدراسة أن أفضل طريقة تضمن توزيعا عادلا لثروات العراقية لا بد أن تقوم علي أساس عدد سكان كل إقليم ولكن الصعوبة التي ستواجه هذا الطرح هو عدم وجود تعداد سكاني دقيق في الوقت الحالي.بطاقات جديدة للهويةوتقترح الدراسة انه ينبغي عقب عملية التقسيم تأسيس نظام جديد لإصدار بطاقات هوية خاصة بكل إقليم يتم التحقق منها عن طريق وضع نقاط تفتيش علي حدود كل إقليم، ويتم تدعيمها بالبيانات الكاملة حول المواطنين في جميع أنحاء العراق وذلك لمحاصرة العناصر المتطرفة، وتتوقع الدراسة التكلفة التقديرية لهذا النظام بمليار دولار. وهنا تطرح الدراسة سؤالا هاما حول حجم القوات المطلوبة خلال تنفيذ تطبيق عملية التقسيم خاصة أن هذه المرحلة حساسة للغاية، وقدر الباحثان حجم القوات بحوالي 300 ألف إلا أن هذه المرة علي قوات التحالف أن تعد خططا جديدة للانتشار حيث أن الخطط الحالية لها أغراض مختلفة لن تناسب المهمة التي ستقوم بها قوات التحالف في مرحلة التقسيم حيث سترتكز علي حراسة الحدود بين الأقاليم الثلاثة وكذلك نقاط التفتيش الي جانب تأمين المنطقة الخضراء. وتشير الدراسة الي أن فكرة تقليل حجم القوات الأجنبية في العراق غير واردة إذا تم تنفيذ خطة التقسيم وذلك علي الأقل لفترة انتقالية من 12 الي 18 شهرا..