كثُر حديث الأوساط السياسية عن مرحلة ما بعد داعش او استعادة الموصل و تحريرها , و لاشك إنها لا تقل خطورة من الحرب على التنظيم المتطرف , فالمؤشرات و التوقعات تشير إلى إن جملة من المشكلات ستواجه البلاد و أهمها السياسية و الأمنية والاجتماعية .
ويقيناً ان تنظيم داعش الذي دخل الموصل في 4 حزيران من العام 2014م ليعلن قيام الدولة الإسلامية في العراق و الشام , مُلغياً بذلك الحدود المرسومة بين العراق وسوريا منذ اتفاقية (سايكس بيكو) في عام 1916م , قد بدأ بتأسيس ما خَطَطَ له مُسبقا لقيام دولته من مؤسساتٍ و دوائر و محاكم شرعية و ولايات إسلامية ! , وكان يحاول و يسعى لإصدار عملةٍ نقدية خاصةٍ به يتم التعامل بها داخل حدود تلك الدولة ! , لكنه لم ينجح بذلك , وتدل الإمكانيات التي يملكها داعش على انه ليس مجرد تنظيم (سياسي ,ديني) مُتطرف , بل إنه مدعوم من جهات و جبهات دولية و إقليمية غير معروفةٍ في العلن و يقاتل بالإنابة عنها و هذا النوع من الحروب في منطق أهل السياسة يُعرف بحروب الجيل الرابع , فحروب الجيل الأول هي حروب السلاح الأبيض, أما حروب الجيل الثاني فهي حروب الأسلحة النارية , و الجيل الثالث الذي استخدمت فيه الأسلحة النووية في الحروب العالمية .
وبعد تقدم القوات العراقية المشتركة للجيش و الشرطة و البيشمركة مع طيران التحالف الدولي من عدة محاور و استعادتها للعديد من القرى و الاقضية و النواحي التي كانت تحت سيطرة التنظيم حتى دخلت في بعض المحاور الاحياء الجنوبية لمركز محافظة الموصل (نينوى) التي أحاطها داعش بخندقٍ و جَمَعَّ عناصره فيها تمهيداً للمعركة الأخيرة التي يؤكد خبراء عسكريون و امنيون إنها قد تطول بسبب وجود مليون ونصف المليون مدني داخل مركز المدينة وهذا ما يشكل عائقاً امام القوات المشتركة التي حققت تقدماً قياسيا رغم صغر فترة
انطلاق العمليات العسكرية لاحتمال نزوح هذه الأعداد من المدنيين او استخدامهم كدروع بشرية من قبل تنظيم داعش .
وفي كل الأحول فأن مدينة الموصل ستتحرر بحرارة الوطنيين المقاتلين بغيرة و بسالة ودماء الشهداء و تضحياتهم التي تُزفُ كل يوم قرباناً لبقاء هذه الارض موحدة . وتبقى العديد من السيناريوهات السياسية مطروحة على ارض الواقع مادام أن لا مُسلمَات و لا ثوابت في السياسة ..
ماذا بعد تحرير الموصل و استعادتها ؟.
_ فـ فكرة نائب الرئيس الأمريكي (جو بايدن ) بتقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم ( شيعي وسني وكردي) لا تزال قائمة , رغم وجود المعوقات في طريقها.
_ تركيا الساعية لأن يكون لها قرار و موقف بعد تحرير الموصل.. هل ستبني قاعدة لها في شمال العراق أم إنها ستشكل احتلالا جديدا بعد داعش ومن يخرجها ؟ .
_ قوات حرس نينوى التي أُبعدت هي الأخرى عن المشاركة في العمليات العسكرية الحالية .. كيف سيكون موقفها بعد تحرير الموصل ..
_ الحشد الشعبي وموقف فصائله .. هل سيبقى لحماية تلعفر و بعض المناطق هناك وقد أبدى نيتهُ و رغبته بدخولها و تحريرها بعد تلويح تركيا بالمشاركة في دخول الموصل ؟.
_ المناطق التي استعادتها البيشمركة وحررتها من سيطرة داعش هل ستُضم إلى إقليم كردستان كما لوحَّ البعض ؟..
_و الأهم من ذلك كلهِ هل ستبقى الموصل عراقية كما كانت قبل دخول داعش لها وكما حفظها السابقون لنا ام أنها ستتجزأ لا سمحَّ ؟ .
يذكرُ التأريخ القريب ان الملك فيصل الأول في ثلاثينيات القرن المنصرم قد خيرهُ البريطانيون بـ عراق كامل السيادة بلا (لواء الموصل) او عراقٍ منقوص السيادة ببقاء (لواء الموصل) تحت الانتداب البريطاني . فاختار الملك (رحمةُ الله عليه ) عراق منقوص السيادة ببقاء لواء الموصل تحت الانتداب البريطاني إيماناً منه بأن الانتداب سينتهي يوماً و يتحرر العراق بكل ألويته من الاستعمار البريطاني ..