22 ديسمبر، 2024 10:08 م

سيميولوجية الصورة الصحفية

سيميولوجية الصورة الصحفية

باتت هيمنت الصورة من ابرز سمات العصر الحالي لتكون أحدى أهم الأدوات المعرفية والثقافية، حتى ان الصورة اصبحت لغة تعلو على الرموز اللفظية، وتستحق التأمل والبحث، فقد سادت ثقافة الصورة بدلاً من ثقافة الكلمة، وتحتاج لغة الصورة إلى الكشف عن القواعد التي تحكم طريقتها في إنتاج معانيها ومن ثم ايصالها الى المتلقي.
إن أثر الصورة اليوم يتوقف على مستقبل الرسالة المصورة، وقدرته على استيعاب مغزاها، وفهم أبعادها، والقدرة على تأويلها وفك رموزها بدقة وبطريقة سليمة.
واليوم فأن الاتصال المصور يعد النموذج الاتصالي الأمثل، لأن البعد البصري قادر على إثراء المعني وإيضاح التفاصيل أكثر من الكلمة المسموعة أو المكتوبة، حيث إنه كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة ، وعلم الدلالة – والدلالة هي العلامة التي تربط بين الصورة (الدال) والمفهوم الذهني (المدلول) – هو ذلك العلم المنوط به دراسة الرموز كافة سواء كانت هذه الرموز لغوية أو غير لغوية، والصورة في حقيقتها مجموعة من الرموز والإشارات التي تنقل رسالة ذات مضمون محدد، وكثيراً ما تحل محل الكلمات والأرقام وغيرها من الرموز التي ألف الناس الاتصال من خلالها، أي أن الصورة تحل أحيانا محل اللغة.
وتنبع أهمية الصورة من إنها تجذب الانتباه حيث إن الكلمات تعجز أحياناً عن إيصال المضمون إلى المتلقي عندما تفتقد لوجود صورة، وفي بعض الأوقات تكون الصورة أبلغ وأقوى من النص المكتوب أو المسموع لأنها تنقل وتجسد الحدث، وتحليل الصورة يحتاج إلى الغوص في أعماق الرسالة لفهم معانيها، وذلك في إطار المجتمع الذي خرجت منه أو عبرت عنه، ويعتمد فهم معاني الرسائل المصورة على فهم العلاقات بين الأشياء، وكلما اشتركت مجموعة من البشر في نظام اشارى واحد، اقتربت هذه المجموعة من فهم الرسالة المصورة فهماً مشتركاً، ويرتبط المستوى الأول من قراءة الرسالة البصرية بإدراكها، بأبعادها الفنية والتشكيلية والتقنية، ويتعامل مع ظاهرية الصورة في استقلال عن فاعلها، أما المستوى الثاني فيرتبط بالتدليل والتأويل، أي الحديث عن قيم دلالية تعبر عنها الصورة، فالقاعدة الأساسية التي يستند إليها السيميولوجي تكمن في تركيب الصورة بدءً من شكلها وتنظيمها الداخلي والجمالي، وانتهاءً من عمق الصورة وما تحمله من دلالات أو علامات.
ونعني هنا بالسيميولوجيا أو السيميائية هي علم يتخطى الألسنة إلى ميادين مختلفة، لأن كل أشكال التواصل البشري تستخدم لغة ما، إما لغة رمز- لغة ألوان- لغة شكل- لغة مرور أو أي لغة أخرى، فاللغة كنسق علاماتي ليست فقط اللغة الأبجدية، إنما قد تكون تلك الغيوم السوداء التي تنذر بقدوم العاصفة، أو الملابس التي نلبسها، لأنها تعطي انطباعاً عن لابسها سوء عمره أو دوره الاجتماعي، وبالتالي فإن كل الظواهر الطبيعية والثقافية لها عناصر علاماتية تدل عليها.
والسيميولوجيا علم جاء في الأساس ليهتم بالعلامات اللغوية وغير اللغوية، ولكنه اهتم في البداية بالعلامات اللغوية، لارتكازه على علم أقدم هو علم اللسانيات، وتمثل الصورة إحدى أهم العلامات غير اللغوية أو غير اللسانية، ابتداءً من الرمز، وانتهاءً بالصورة الحقيقية، وفى عام 1964 أصدر رولان بارث (Barthes Roland) كتابه (عناصر السيمولوجيا) الذي يمثل بداية السيميولوجيا غير اللغوية، ويعتبر بارث هو أول من طبق منهجية في التحليل السيميولوجي للصورة، حيث أوضح فيه طبيعة هذا العلم قائلا:” كل النظم الرمزية باختلاف جوهرها أو مضمونها سواء الصور أو الإشارات أو الأصوات تعد جميعاً لغات أو على الأقل نظاماً للمعنى
أخيراً نقول أن وسائل الإعلام ومنها الرقمية في العراق وفي العالم تعتمد على الصورة في صياغة رسالتها التي تتفق وخصائص الجمهور المستهدف، فهي لا تعتمد على الرموز اللفظية فقط إنما تعتمد على رموز أخرى غير لفظية، حيث يتم توظيف رموز الصورة بما فيها من أفكار ودلالات ومعاني، محققة بذلك دوراً اتصالياً وإقناعياً لا غنى عنه في الرسالة الإعلامية ، ولعل هناك امثلة كثيرة على استخدام الصورة كما حصل في العراق اثناء الحرب على داعش وايضا استغلال السياسيين للصور اثناء الحملات الانتخابية. الخاص بي‬