18 ديسمبر، 2024 10:17 م

سيكولوجية الجموع

سيكولوجية الجموع

تعتبر مواضيع الجموع احد اهم ملامح العصر الراهن في وطننا العربي بشكل خاص, والعالم اجمع بشكل عام, لما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تغيرات سريعة ومتلاحقة على الصعيدين السياسي والاجتماعي,   وهناك اصناف عديدة من انواع الجموع تختلف حسب الهدف المنشود المسبب للتجمع, فقد يكون التجمع لأغراض سياسة كمساندة حزب معين  او اتباع قائد او رمز سياسي او السعي لتغيير السلطة والحاكم  , او قد يكون هدف الجموع نوع من اداء الواجبات الدينية كما هوالحال في جموع الحجاج في مكة المكرمة, او كما هوالحال في اداء مراسم زيارة الامام الحسين (عليه السلام) , او اتباع رمز ديني معين, وعادة ماتكون الجموع الدينية الاكثر تنظيما” ودقة وذلك نظرا” للأجواء الروحانية التي ترافق اداء العبادات, وتختلف كذلك  ادارة الجموع بين جهات سياسية تطمح لأغراض مقصودة تكون احيانا” داخل الوطن الواحد كما هو الحال مع احزاب المعرضة في معظم الدول  حول العالم , وبين   اطراف اقليمية تسعى لأجراء تغييرات في مناطق معينة من العالم ومايحدث في الشرق الاوسط خير دليل  من احداث متلاحقة للدول الاوربية بصمة واضحة فيها, وبمساندة اطراف عربية لها مصالح في اجراء هذه التغييرات,  وقد تكون الادارة من قبيل زعيم او قائد يمتلك كاريزما القيادة والصفات التي تؤهله للتأثير في الجمع وتدفع بالجماهير للالتفاف من حوله فيصبح خطابه وتوجيهاته هي المحرك الرئيس لهذه الجموع , وهناك عدة طرق تستخدم لتوجيه الجموع والتأثير فيها, تتراوح هذه الطرق بين الاجتماعات والتوجيهات  وغالبا” ماتستخدم هذه الطرق داخل الحزب الواحد او في تنظيم المظاهرات اذ يسعى القائمين على تنظيم المظاهرة الى تحديد الاهداف الطلوبة واماكن الانطلاق وتحديد الوقت وتحديد الشعارات, اما الطرق الاخرى والاكثر فاعلية وتأثيرا” وأنتشارا” في الوقت الراهن هو الاعلام وطرق التواصل الاجتماعي بحكم انتشار استخدام التكنولوجيا, اذ يعد الاعلام هو المحرك الرئيس والاكثر تحفيزا”  للجموع , فهو يوصل الفكرة لا كبر عدد ممكن , ولآقصى بقاع العالم , كما انه في متناول الجميع, بحكم انتشار القنوات الفضائية لذا  اصبحت الدول التي تمتلك قنوات فضائية اخبارية هي الاكثر تحكما” بالرأي العام وتأثيرا” بالجموع ,   و بحسب الظروف التي يمر بها العالم العربي فأن دور الجموع يتمثل في احداث التغييرات السياسية وقلب انظمة الحكم اذ تحتل الجموع الدور الابرز,  بأعتبارها المحرك الرئيس والفاعل في اجراء التغيير, و الثورة على الحكومات, كما انها اصبحت اداة لمن يعرف يوجهها ويستخدمها بشكل صحيح من الدول الاوربية المتنفذة والتي لها اذرع عديدة في المنطقة العربية, والتي اصبحت ترى في الجموع بديلا” جديدا” عن التدخل العسكري, فهي تمثل سلاحا” جديدا” واكثر فاعلية من التدخل العسكري المباشر الذي كانت تقوم به سابقا” لأحداث التغيير اللازم وبالإضافة الى فاعليته فهو  اقل كلفة من الحروب وتكاليفها الباهظة سواء على مستوى الخسائر المادية او البشرية, كما انه سلاح اكثر شرعية  فيما يتعلق بدعوى خدمة مصالح الشعوب ودعم قضايا التحرر المشروعة, اذن هي البديل الجديد الامثل والافضل وسلاح العصر الاكثر تأثيرا”, وقد اشار  غوستاف لوبون الذي يعد احد اهم علماء النفس الاجتماعي في فرنسا والعالم الى مخاطر الجموع وتأثيرها حيث قال(( من الاهمية بمكان ان نتوصل الى حل للمشاكل التي تفرضها سيكولوجية الحشود, والا فلنسلم لها  انفسنافي صمت)), ومن هنا تتضح اهمية خطورة سلاح الجموع وكيف يمكن ان تكون اكثر فاعلية من غيرها فقد  قام علماء النفس وعلماء الاجتماع امثال تارد ,و ميلر و سكنر بدراسة ضاهرة الجموع وكيف تختلف سيكولوجية الافراد داخل الجمع,  عن التصرف في الحالة الفردية, فالأفراد عند اندماجهم ضمن المجموعة سيتصرفون طبقا” لمبدئ ((العقل الجمعي))  فالكل يصبح واحد  يسعى لتحقيق  هدف واحد ويهتف بشعار واحد ايضا”, فيصبح المشهد اشبه بكتلة بشرية ضخمة يندمج اعضاؤها مع بعضهم البعض فيصعب بذلك السيطرة عليها وكبح جماحها,  تجرف كل من يقف في طريقها, وأحيانا” قد تعمل عكس المطلوب, فالأفراد عند  الانضواء تحت لواء الجماعة يصبحون اكثر عدوانية اكثر قوة بحكم السلوك الجماعي, ومن هنا تأتي اهمية دور الاعلام في التوجيه وتحريك الجمع وفق رؤية القنوات وأهدافها السياسية, وقد اشار غوستاف لوبون  ايضا” الى دور الدعاية في التأثير في الجموع فأكد على ((ان الدعاية والشعارات الحماسية بغض النظر عن كونها عقلانية ام لا يكون لها الدور الاكبر في تحفيز الجماهير على الانضمام للمجموعة)) , ووفقا” لهذا المنطلق فالأعلام هو المحرك الرئيسي من وراء الستار للجموع على اختلاف انواعها لكنها تسير بهدف واحد هو مايرغب به الاعلام الموجه, على ان هذا لاينطبق على جميع حركات التحرر التي تنشأ بالفطرة وحتى في غياب الاعلام وخير دليل على ذلك المقاومة الفلسطينية التي يكاد الاعلام يلغي دورها تماما” في قتال الكيان الصهيوني  ورغم ذلك فهي مستمرة في طريق النضال, رغم كل الصعوبات وقلة الامكانات مقارنة بآلة القتل التي يستخدمها الكيان الصهيوني ومن يسعى لدعمه من دول الغرب ومن دول الشرق الاوسط ايضا”.