تعيش ألاطراف السياسية العراقية , ولاسيما أحزاب السلطة ومنذ تشكيل الحكومة بعد ألانتخابات ألاخيرة وتحديدا لعام 2010 تقاذفا للتهم وتبادلا للتشهيرالذي يصل الى حد التسقيط , مما جعل المواطن العراقي يعيش في حيرة مما يجري بين ألاحزاب والسياسيين , ومما زاد الطين بلة تسابق الفضائيات والصحف لآحتضان ونشر غسيل التهم والتشهير من خلال ألاستضافات التي ينقصها ألاختيار ألافضل , ومن خلال نشر وترديد التهم والتشهير على أنها مقولات ومواقف جديرة بالمتابعة وهي ليست كذلك , وهذا المشهد الذي مضى عليه سنوات وتحديدا بعد 2003 أدى الى أنخفاض منسوب النضج السياسي في العراق , ونتيجة لذلك نحاول وبأختصار ألقاء الضوء على الخلفية السيكولوجية لهذه الظاهرة .
تستقر في قعر ألاجتماع العراقي ثنائية سلوكية غير محببة أخلاقيا ومرفوضة شرعا وتلك الثنائية هي :-
1 – التهمة
2- التشهير
وللتهمة ترسب أجتماعي قديم في العراق ترجع أصولها الى ألاختلافات في المواقف والرؤى وعلى رأسها : ألاختلافات العقائدية التي كانت سببا للآختلافات السياسية التي تشظت الى سلطات زمنية تختزن الشك والريبة فيما بينها , ومن هنا أصبحت ” الملل والنحل ” موضع أهتمام المحققين والدارسين عبر تاريخ العراق وعاصمته بغداد المدينة الرئاسية لمدة خمسة قرون والتي لم تنصفها السياسة بفريق السلطة الزمنية بمقدار ما أنصفتها الثقافة بحوارات العقول الكبيرة التي بسطت هيمنتها في علم الفقه وعلم الكلام وجعلت من حواضر الكوفة والبصرة ينابيع وروافد لمائدة بغداد الثقافية التي أزدهرت بتلاميذ جعفر بن محمد الصادق حيث كان أبو حنيفة يستمع لصبي أبن ثمان سنوات هو موسى بن جعفر الكاظم ليأخذ منه مفردات علم البيئة ليقول : لو لم أحصل ألا على هذا لآكتفيت ؟
وفي الوقت الذي كان علي بن موسى الرضا تعقد له مجالس الحوار بأمر من المأمون , ليطأطئ العلماء رؤوسهم قائلين : صدقت ياأبن رسول الله , كان في الجانب ألاخر فريق يتحرق غيضا , فينشغل بصناعة التهمة , مما جعل والد بوران زوج المأمون يقول للمأمون في معرض سؤاله عمايريد من مكافأة لماصنع له من نثر اللؤلؤ والذهب على رأسه ليلة زفاف المأمون : أحفظ لي قلبك ؟ أي من التهم والتحريض و التشهير الذي أنتشر حسدا بين أعوان السلطة ووصلت تداعياته الى الكتاتيب وغرف الدرس التي لم ينضبط جميع طلابها بأخلاقية العلماء والحفاظ على أمانة العلم .
ومن هنا رأينا كلما أوغلت السلطة الزمنية بالشدة والتنكيل كلما زاد المناوئون وكثر المتزلفون والمنافقون , وأرتفع منسوب التهمة والتشهير تحريضا للحكام وتسقيطا للاخر سياسيا وعلميا .
وظلت التهمة منذ العصر البابلي القديم المشحون بألاستقطاب والغزوات وألاسر ” أسرى أورشليم ” مرورا بالعصر الاموي ذي الهوية التمردية بالعصيان على الشرعية , والعصر العباسي الحافل بسيكولوجية الشك والريبة التي من جرائها يتهم ألامام أبو حنيفة بالموالاة للآمام جعفر بن محمد الصادق .
ولم تفارق التهمة سلاطين بني عثمان , بل أزدادت وأنتشرت في مكاتب الولاة والولايات , وكانت حصة بغداد منها كبيرة لمكانة بغداد التاريخية في نفوس ألآتراك الذين يقول مثلهم الشعبي المعروف ” لامدينة كبغداد ” .
أن الحسد والغيرة يقفان وراء التهمة , وروح التشفي وألانتقام تقف وراء التحريض والتشهير , وهذه جميعها تعشعش اليوم في مكاتب ألاحزاب التي لم تعرف جغرافية ألاجتماع وطقوسه ولا مناخات السياسة وتقلباتها .
فألاجتماع العراقي على مستوى الفرد والجماعة , وعلى مستوى ألاسرة والمدرسة والجامعة والحوزة والمؤسسات الحكومية مستباح بالغيبة والنميمة المؤسسين للتهمة والمصدرين للتحريض والتشهير والراعيين للتشفي وألانتقام , والحزبي والسياسي ورجل السلطة ورجل الحوزة والجامعة هم أفراز طبيعي لحاضنة أجتماعية تختزن في يومياتها التي تتوزع على العلاقات كل من :-
1- الغيبة
2- النميمة
3- التهمة
4- التشهير
5- التسقيط
6- التشفي
7- ألانتقام
وهذه أمراض سلوكية تقف ورائها نفوس مريضة تتخذ من شعارات الدين , والديمقراطية غطاء , وبذلك يتساوى العلماني مع المتدين , والليبرالي المادي مع الثيوقراطي .
وعلى قاعدة ” فاقد الشيئ لايعطيه ” لذلك لايمكن لآحزاب السلطة من عرب وأكراد وتركمان ووجودات عراقية أخرى , بالطريقة التي ظهرت فيها وبألالية التي تمخضت عنها ألانتخابات المطعون في مصداقية مفوضيتها من قبل أحزاب السلطة قبل غيرهم , والمشكوك في عذرية صندوقها ألانتخابي وطلاسم المعلوماتية المسخرة بأيادي أجنبية غير حريصة على أمن وأستقرار العراق
فأن التراشق بالتهم بين أحزاب السلطة , وشيوع التشهير وسيلة للتسقيط , لم يكن وليد الخصومة السياسية اليوم , وأنما هو ترسب قديم وأختزان لاشعوري أستوطن ذاكرة البعض ممن حرموا من نعمة الدين الصحيح ” وهو ” الدين القيم ” و ” الدين المهيمن ” وحرموا من نعمة ألاخلاق المظهر الحقيقي للتمدن والتحضر والوسيلة المثالية للتنمية البشرية في كل مجالاتها .
وهذا التراشق بالتهم لم يتوقف عند أحزاب السلطة ومحازبي الكتل السياسية , لآنه موجود قبل ذلك في ألاسواق وبين أرباب المهن وتجد له سوق رائجة فيما يسمى بألاحياء الصناعية ” محلات تصليح السيارات وبيع أدواتها ألاحتياطية ” وهي مصادر تلوث البيئة العراقية ليس بمخلفات قطع الحديد والمعادن البالية ومايعلق بها من فضلات زيوت محروقة وتسرب بنزين ونفط , وأنما هي مصدر ملوث للآخلاق لاسيما للآحداث من صغار السن الذين يتسربون من المدارس الى هذه الآماكن باكرا مما يجعلهم صيدا رخيصا لآصحاب الشذوذ , مثلما أصبح حقل التعليقات في المدونات يعج بنفايات الكلام الذي لايعرف أصحابه غير التراشق بالتهم وألاكثار من التشهير والتسقيط بأستعمال ألالفاظ الطائفية التي لاتجد لها رصيدا عند أئمة المدارس الفقهية وأًصحاب المذاهب .
وهذا السيل من ألانحدار التعبيري يتساوى فيه الجميع , وألاستثناء قليل ونادر , وللتخلص من ثقافة التهمة والتحريض والتشهير نحتاج الى مشروع أحياء القيم , وهذا لايتم ألا بيقظة الضمير ؟
رئيس مركز الدراسات والابحاث الوطنية
[email protected]