يسبح العامة في بحر من الأسماء ، فيما تغوص النخبة في المفاهيم ؛ و يستعصي حد الاضطراب على الكثير أن ينتمي للعدالة أو الصدق أو الحب ؛ فيستعيض عنها باختيار عادل و صادق و محب ؛ للأمر ارتباط بالحسي و بالمجرد ، و كذلك ببلوغ التسليم و الانتهاء من الأسئلة فهي تعبث بالطمأنينة ، و مهما بلغ المفاهيمية ستجد من ينزلها إلى الذاتية و الشيئية ، ابتداء من الله و ليس انتهاء بالقيم ، كل الأشياء تتجسد ليرتبط و يُنتمى و يتعامل معها
ليست هذه الكلمات ترفا ، و ليست حشرا معرفيا في مقال و يحمل عنوان ( سياقات قضائية ) ، فهي ستكشف لنا لماذا لم يرى الكثير في قانون مجلس القضاء الأعلى إلا مدحت المحمود و فائق زيدان مع حفظ الألقاب ، و كأن القانون هو إنهاء مسيرة أحدهم و تعيين الآخر ، و ما هو أشد إيلاما أن الحديث هذا ينطلق في سياقات الإصلاح !
نحن لا نتحدث عن تعاطي شعبي بل عن شريحة واسعة من صناع الرأي ، و رجال القرار ؛ هؤلاء أغلبهم فاتهم أن القانون أشتمل مثلا في مادته الثالثة في الفقرة خامسا : ( ترشيح المؤهلين للتعيين بمنصب نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية و رئيس محكمة الاستئناف الاتحادية و نائب رئيس هيئة الإشراف القضائي ، و إرسال الترشيحات إلى مجلس النواب للموافقة عليها ) و صريح المادة 91 من الدستور في فقرتها الثانية في باب صلاحيات مجلس القضاء الأعلى تقول : ( ترشيح رئيس و أعضاء محكمة التمييز الاتحادية ، و رئيس الادعاء العام ، و رئيس هيئة الإشراف القضائي ، و عرضها على مجلس النواب للموافقة عليها )
و بين النصين الأتي : ( نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ، رئيس محكمة الاستئناف الاتحادية و نائب رئيس هيئة الأشراف القضائي ) ، هذه المناصب الذي تريد الكتل السياسية و ليس مجلس النواب أو السلطة التشريعية ، لأن البنية و الأدوار القائمة هي لكتل سياسية و ليس لمجلس نواب ، فضلا عن أن تكون سلطة تشريعية لا في دورها و لا في بناءها لأنها من غير مجلس الإتحاد المنصوص عليه دستوريا في المادة 48 . هذه المناصب هي جزء من عملية تقنين المكوناتية كضامن لأستمرار الطبقة المحاصصاتية ( اذا جاز هذا الوصف ) ، الطبقة التي تتحمل بهويتها هذه كل ما جرى و يجري من سوء طيلة السنين التي تلت التغيير في العام 2003 ، فهذه المناصب المضافة و المرتبط أمرها بموافقة مجلس المكونات و الأحزاب تعني غير أنها خرق للفصل بين السلطات بشكله الدستوري ، تعني مواقع للتفاوض عليها بين الكتل ، و تمثيل مكوناتي و حزبي في القضاء للتدخل في عمله ؛و تصيّيرْ أحكامه بما يناسب و يحقق لها المكاسب و المصالح
ليست الفقرة خامسا من المادة ثالثا إلا نموذج على أزمة التشريع ، فرغم الأمل أنها ستنقض حتما في المحكمة الدستورية لأنها مخالفة صريحة ، إلا أن تعبر عن الفاهمة التي تدير بنية عمل الدولة في العراق .
هنأ المحمود خلفه زيدان قبل أن ينفذ القانون ، و هذه تعنيلي محاكاة مفروضة للواقع ، و سيجد رئيس مجلس القضاء الأعلى الجديد نفسه في ذات معادلات الأزمة المكوناتية التي تتجسد جيوش الكترونية و إعلام للتسقيط و الأبتزاز و تشريع و تنفيذ لحماية المكاسب و تحقيق المصالح ، من يطلب للقضاء الإصلاح عليه أن ينظره في سياقاته .