22 ديسمبر، 2024 7:52 م

سياسيون عراقيون وعقوبات امريكية

سياسيون عراقيون وعقوبات امريكية

بتاريخ 18 تموز من عام 2019 اصدر مكتب السيطرة على الارصدة الاجنبية في وزارة الخزانة الامريكية قرارا بفرض عقوبات على اربعة مسؤولين عراقيين استنادا الى القرار التنفيذي الصادر عن رئيس الولايات المتحدة الامريكية رقم (13818) والخاص بتطبيق القانون المعروف باسم (غلوبال ماغنيتسكي للمسؤولية عن انتهاكات حقوق الانسان ) (Global Magnitsky Human Rights Accountability Act ) لسنة 2017 وهولاء الاشخاص هم كل من سيد ريان الكلداني و السيد وعد القدو والسيد نوفل السلطان والسيد احمد الجبوري . اما التهم الموجهة لكل منهم حسب ما ورد في قرار وزارة الخزانة الامريكية ( ونحن هنا نترجم ماجاء في القرار حرفيا) فهي بالنسبة للسيد ريان الكلداني فهو متهم بانه قائد اللواء خمسين (حشد شعبي) وقيامه بقطع اذن شخص مقيد وتصوير ذلك علنا بالاضافة الى انتهاك حقوق الانسان وكذلك قيام اللواء خمسين بنهب المنازل في سهل نينوى ومنطقة بطنايا ، اما السيد وعد قدو فمتهم بقيادة اللواء 30 (حشد شعبي ) وقيام ذلك اللواء بابتزاز المواطنين في منطقة برطلة ، السيد نوفل حمادي السلطان محافظ نينوى السابق والتهمه الموجهة اليه هي الدخول مباشرة او غير مباشرة في عمليات فساد مالي اثناء فترة توليه منصب محافظ نينوى ، الشخص الرابع هو السيد احمد الجبوري محافظ صلاح الدين السابق بتهمة الدخول مباشرة او غير مباشرة في عمليات فساد مالي في العقود الحكومية واستخراج الثروات الطبيعية . وبموجب هذا القرار فان واشنطن ستفرض حظراً على ممتلكات الاشخاص الاربعة في الولايات المتحدة، واية ارصدة لهم في اي بنك امريكي كما ستمنع مواطنيها من إجراء أي تعاملات تجارية معهم. كما ستمنع دخولهم الى الاراضي الامريكية والغاء اي تاشيرات دخول حصلوا عليها سابقا ، وتمتد تلك العقوبات الى كل شخص او مؤسسة او منظمة او جهة علمت او ساندت او دعمت او حاولت التستر او حماية الاشخاص الذين وردت اسماؤهم في القرار . فما هو هذا القانون المسمى ب(غلوبال ماغنيتسكي ) ؟ وهل تملك الولايات المتحدة الحق في فرض مثل هذا القانون ؟ وكيفية التعامل مع هذه الحالة ؟
في عام 2011 قام السناتور (بنجامين كاردين) من الحزب الديمقراطي مدعوما من 38 عضوا في مجلس الشيوخ على راسهم السيناتور (جون مكين) والسيناتور (ماركو روبيو) من الحزب الجمهوري والسيناتور (جوزيف ليبرمان) عن الحزب الديمقراطي بتقديم مشروع قرار لمعاقبة المسؤولين الروس الذين تم اتهامهم بتعذيب واخفاء وقتل المحاسب الروسي (سيرغي ماغتنيسكي) عام 2009 في روسيا بعد ان قام بكشف ملفات فساد خطيرة . في حزيران من عام 2012؛ رفعت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ تقريرا اعده عضو اللجنة السيناتور (كيري) تقريرها باعتماد المشروع باسم قانون سيرغي ماغنيتسكي للمسؤولية . كانَ القصد الرئيسي من القانون هوَ معاقبة الساسة الروس المسؤولين عن وفاة (سيرغي ماغنيتسكي) من خلال حظر دخولهم إلى الولايات المتحدة ومنعهم من استخدامِ النظام المصرفي. في السادس من كانون الأول من نفس العام صادقَ مجلس الشيوخ الأمريكي على نسخة من القانون وذلك بعد موافقة 92 نائبًا مُقابل رفض 4 فقط.وقّعَ الرئيس (باراك أوباما) على القانون في 14 كانون الأول 2012.

اختص الجزء الرابع من القانون بتحديد الاشخاص الذين يخضعون للقانون وتم تحديدهم في الفقرة اولا بالمسؤولين الروس الذين تثبت علاقتهم بحادث ماغنيتسكي حصرا الا ان الفقرة الثانيا من الجزء الرابع وسعت من ذلك بادراجها اي شخص في العالم يثبت اشتراكه في تعذيب او اخفاء او قتل اي شخص في العالم يحاول كشف عمليات فساد يرتكبها مسؤولين حكوميين او يحاول الكشف عن اي انتهاكات لحقوق الانسان المعترف فيها عالميا .
في عام 2015 عاد السيناتور (كاردين) مدعوما بزعيم الجمهوريين (جون ماكين) واعضاء بارزين في الحزب الديمقراطي وقدم مشروع قرار يدعو الى توسيع القانون ليصبح اسمه قانون (غالوبال ماغنيتسكي) وتم تمرير القانون في عام 2016؛ بحيث يسمحُ لحكومة الولايات المتحدة بمعاقبة المسؤولين الحكوميين الأجانب المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي في أي مكان في العالم . وعلى نفس الخطى سارت العديد من دول العالم على راسها كندا التي قامت باصدار قانون مشابه عام 2017 وكذلك المملكة المتحدة التي عدلت قانون العقوبات وضمنته فقرات من قانون غلوبال ماغتنيسكي عام 2017 وكذلك فعلت استونيا عام 2016 وليتوانيا عام 2017 ولاتيفيا عام 2018 .
السؤال الذي يثار هنا هل بامكان الولايات المتحدة الامريكية فرض مثل هذا القانون ؟ الجواب هنا ببساطة هو نعم ! فهذا القانون يعتبر قانون جنائي دولي وهو يختلف عن القانون الدولي الجنائي الذي يتعلق بالنظام العام الدولي ، ونطاقه الجرائم التي تمس البشرية ، بينما القانون الجنائي الدولي فيمس النظام العام الداخلي ( الوطني ) ، وعليه يكون القانون الدولي الجنائي فرعاً من فروع القانون الدولي العام ، أما القانون الجنائي الدولي فيكون فرعاً من فروع القانون الجنائي الداخلي ( الوطني ).
تكمن اهمية هذا القانون في انه ولاول مرة في القانون الجنائي الدولي يتم منح السلطة التنفيذية والتشريعية وليس القضائية لدولة ما وهنا المقصود بها الولايات المتحدة الامريكية سلطة التحقيق وفرض العقوبات حيث ان نص الجزء الثالث من قانون عام 2016 منح لرئيس الولايات المتحدة الامريكية صلاحية فرض عقوبات اقتصادية على اي شخص تتوفر لدى الرئيس معلومات عن قيامه بانتهاكات حقوق الانسان مهما كانت صفة ذلك الشخص او منصبه في دولته حتى وان كانت تلك الانتهاكات قد وقعت على اشخاص لايحملون الجنسية الامريكية وليسوا مقيمين في الولايات المتحدة الامريكية ولم يحصلوا على تاشيرة دخول الى الولايات المتحدة الامريكية وليس لهم اي علاقة مادية او معنوية بالولايات المتحدة الامريكية .
من ناحية اخرى منح القانون السلطة التشريعية (الكونغرس) للولايات المتحدة الامريكية صلاحية الطلب من رئيس السلطة التنفيذية القيام بالتحري والتحقيق في اي ادعاءات لانتهاكات حقوق الانسان او فساد مالي يحصل في بلد اخر وفي مناطق خارج الولايات المتحدة الامريكية لبحث امكانية قيام الرئيس بفرض العقوبات المنصوص عليها في القانون وحسب ماورد في نص الفقرة (د) من الجزء الثالث فان على الرئيس خلال مدة 120 يوم من استلامه طلبا من رئيس الكونغرس او اعاء اللجان المختصه في الكونغرس للتحقيق في مزاعم اخفاء وتعذيب اشخاص او قتلهم ان يقرر فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون او ان يقدم تقريرا للكونغرس يبين فيه اسباب امتناعه عن تطبيق العقوبات .
كما ان الفقرة (ج) من القسم الثالث اشارت ولاول مرة الى اعتماد الرئيس في فرض العقوبات المنصوص عليها في القانون على المعلومات المقدمة من قبل حكومات الدول الاخرى والمنظمات غير الحكومية المعنية بمراقبة انتهاكات حقوق الانسان وكذلك المعنية بمكافحة الفساد المالي والاداري دون تحديد جنسية تلك المنظمات اي ان جميع المنظمات غير الحكومية في العالم من حقها ان تقدم معلومات عن قيام اشخاص بتعذيب او قتل او اخفاء او تطبيق اجراءات خارج اطار القضاء الاعتيادي بحق اشخاص حاولوا كشف فساد مالي او اداري او حاولوا كشف عمليات انتهاك لحقوق الانسان . هذا النص يمنح صلاحية قوية غير مسبوقة للمنظمات غير الحكومية مهما كان حجمها او جنسياتها او تبعياتها في ملاحقة انتهاكات حقوق الانسان وملاحقة عمليات الفساد المالي والاداري .
كما ان نصوص القانون جعلت للسلطة التشريعية الحق في متابعة تنفيذ العقوبات وحددت من قدرة الرئيس على رفع تلك العقوبات الا بعد ان يتم تقديم تقرير الى الكونغرس بالاسباب التي يتم على اساسها رفع العقوبات كذلك نص الجزء الرابع من القانون على قيام الرئيس بتقديم تقرير الى الكونغرس يتضمن اسماء الاشخاص (المادية والمعنوية ) الذين تم تطبيق القانون عليهم واسباب تطبيق العقوبات والقضايا التي تم التحري والتحقيق فيها . والزم القانون الرئيس بتقديم تقرير سنوي في يوم 10 كانون الثاني وهو اليوم العالمي لحقوق الانسان عن اجراءات تطبيق القانون وان يكون هذا التقرير علنيا الا اذا اقتضت مصلحة الولايات المتحدة الامريكية جعل جزء منه سريا لاحتوائه على معلومات قد تمس المصالح العليا للدولة .
يلاحظ في هذا القانون ان اهميته تنبع في انه لم يحيل الامر الى السلطة القضائية في الولايات المتحدة الامريكية لتقرير ما اذا كان الشخص يجب فرض العقوبة عليه ام لا وقد سبق للعديد من دول اوربا ان منحت لمحاكمها حق النظر في دعاوى انتهاكات حقوق الانسان التي تقع خارج اوربا ولكنها اول مرة يتم منح هذا الحق للسلطة التنفيذية في تطبيق عقوبات على اشخاص ارتكبوا جرائم خارج اراضي الدولة التي تفرض العقوبة والضحايا والمتهمين فيها ليس لهم علاقة بالدولة التي تفرض العقوبة وهو توجه خطير كون العقوبات تمنح الحق لاي مواطن امريكي وحسب ماورد تعريفه في نص الفقرة 3 من القسم 2 من القانون الحق في احتجاز اي اموال او ممتلكات تعود ملكيتها الى شخص تم فرض العقوبات عليه بموجب هذا القانون .
بعد هذا الشرح نصل الى السؤال الثالث وهو كيفية التعامل مع مثل هذه القرارات الصادرة بموجب هذا القانون خصوصا انها تمس مواطنين عراقيين ؟ الاجابة هنا ممكن الحصول عليها من معرفة النظام القضائي الامريكي الذي يسمح بالطعن بالقرارات الصادرة عن رئيس الادارة الامريكية امام المحاكم الفدرالية في الولايات المتحدة الامريكية وبامكان القاضي الفدرالي المنفرد اصدار قرار بايقاف تنفيذ القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية بصورة دائمة او مؤقته . من هذا المنطلق يحق للاشخاص الذي يتم فرض العقوبات عليهم بموجب قانون ماغنيتيسكي الطعن بتلك العقوبات امام المحاكم الفيدرالية الامريكية ولكن ذلك يتطلب وجودهم او من يمثلهم على الاراضي الامريكية ليتم الاستماع لقضاياهم.
قد يثار سؤال هل بالامكان تجاهل هذه العقوبات باعتبار ان الاشخاص ليسوا بحاجة للدخول الى الولايات المتحدة الامريكية ، ولايمتلكون ارصدة في بنوكها ولا ممتلكات على الاراضي الامريكية ؟ الجواب عن هذا السؤال هو كلا الا اذا استغنى الاشخاص عن اي ارصدة لهم في البنوك العالمية او البنوك التي لها ارصدة بالدولار الامريكي وهذا غير موجود حتى داخل العراق وكذلك عليهم هم واقاربهم واصدقائهم عدم تملك اي اسهم او شركات يمكن ان يتم ذكر اسماؤهم فيها واعتقد ان هذا صعب ان لم يكن مستحيل .
في النهاية نكرر ان هذا القانون واتجاه العديد من الدول في العالم لاصدار تشريعات مشابهه يعتبر تحول مهم في القانون الجنائي الدولي يمنح للسلطات التنفيذية صلاحيات كبيرة ويمنح لاجهزة الاستخبارات امكانية التحري والكشف عن جرائم ترتكب في دول اخرى ولكنها في نفس الوقت تساهم بصورة كبيرة في محاربة خروقات حقوق الانسان وجرائم الفساد المالي باعتبار ان المتهمين لن يستطيعوا التستر خلف جدار السيادة الوطنية للتهرب من المحاسبة ولكن يجب ان يتم ذلك ضمن الاطر والاليات القانونية وليس بالشعارات والكلام فقط .