23 ديسمبر، 2024 4:23 م

سياستنا الإقتصادية: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب

سياستنا الإقتصادية: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب

يوم ٢٠- ١- ٢٠١٧، صعد ترامب على منصة التتويج لرئاسة امريكا، فذكر أولويات حكومته القادمة وهي: اقتصاد قوي يعتمد على المنتج المحلي بأيدٕ وطنية للقضاء على البطالة، تطوير العمران والبنى التحتية، تحالفات سياسية خارجية تعزّز الإقتصاد الوطني، إستئصال الإرهاب.
يوم ٤- ١٠- ٢٠١٨، ذكر مكتب السيد عادل عبد المهدي المكلف برئاسة الوزراء لتشكيل الحكومة العراقية القادمة، لوزير الخارجية الأمريكي بعد تهنئته، أن السيد عبد المهدي قال له: أن أولويات حكومتنا القادمة، إعمار البلاد وتقديم الخدمات للمواطنين، تعزيز العلاقات الخارجية مع المجتمع الدولي، الإستمرار في تعزيز الأمن.
ترامب جاء للسلطة من مجال المال والأعمال، والسيد عبد المهدي رجل ضليع بسياسة الإقتصاد، لذا ترى دائماً أصحاب العقلية الإقتصادية عند وصولهم للسلطة تتشابه رؤاهم وأفكارهم في الإدارة، والبرنامج الحكومي للدولة.
رئيس الوزراء المكلف حالياً، عندما رشح لهذا المنصب قبيل الإنتخابات أعتذر وكتب مقال بعنوان( رئاسة الوزراء..اشكركم الشروط غير متوفرة) كشف فيه عن سبب رفضه للمنصب، وذكر فيه المشاكل والعيوب التي ستواجهه وتعيق عمله، وبنفس الوقت بيّّّن فيه برنامجه الحكومي من خلال أسلوب النقد البناء الذي استخدمه.
السيد عبد المهدي طرح برنامجه لإدارة الدولة بصورة مجملة في ثمان نقاط، شخّص فيه بدقة الأخطاء والمشاكل في الحكومات السابقة وأعطاها الحلول الناجعة، وحقيقة أن هذا التشخيص للأمور مع كيفية معالجتها تدل على أنه رجل دولة من الطراز الأول، وكل نقطة ذكرها هي بمثابة ملف كبير، يحتاج إلى كثير من المقالات في الشرح والسرد.
أول نقطة مهمة ذكرها في مقاله هي( عقلية الإقتصاد الريعي للقوى السياسية)، وعندما راجعت التقارير والبحوث الإقتصادية لأساتذة مختصون بالإقتصاد، وجدت أن سبب وأساس المشاكل من فقر وحرمان وبؤس وبطالة وتردي الخدمات وفساد مستشري وترهل وظيفي ورواتب ضخمة، هو الإقتصاد الريعي للدولة، وأتمنى من كل الكتاب والباحثين أن يعرّفوا للمواطنين ماهي أسباب الإقتصاد الريعي، وآثاره السلبية ومخاطره على المجتمع والدولة، وكيفية طرق معالجته ففيه مادة وفيرة للكتابة.
عقلية الإقتصاد الريعي ليست عند القوى السياسية فقط كما ذكرها السيد عبد المهدي، أعتقد أنها عقلية من موروثنا الإجتماعي العربي عامة والعراقي خاصة، كان والدي سائقاً في سبعينيات القرن المنصرم، ويوفر كثير من المال بعد تلبية متطلبات الأسرة، وكان بإستطاعته أن يشتري عشر عقارات التي تعود على أبنائه بالربح والفائدة لعشرات السنين لو كانت لديه العقلية الأستثمارية، لكن والدي”الله يرحمه” وكثير من الآباء يمارسون سياسة(شبعني اليوم وجوعني باچر)، وبعد وفاته عمدت أسرتنا الى صرف المخزون المالي وعند نفاذه أصبنا بالفقر والفاقة.
هكذا السياسة الإقتصادية لمجتمعات وحكومات العرب( أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) ولا كأننا مسلمين نقرأ القرآن ونتلوا هذه الآية في الليل والنهار( ولا تَجعَل يَدَكَ مَغلولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبسُطها كُلَّ البَسطِ فَتَقعُدَ مَلومًا مَحسورًا).
تأخر الشعوب العربية والإسلامية في التطور، وإشاعة البؤس والحرمان والفقر والفاقة فيها يعود الى إنعدام ثقافة السياسة الإقتصادية المجتمعية والسلطوية.
مرة ذكرت إفتراض في إحدى كتاباتي السابقة فقلت: لا سامح الله لو ضرب البصرة زلزال ودمر آبار النفط التي يعتمد عليها إقتصادنا العراقي بنسبة ٩٥% _من حيث العراقيين إيديهم من الإنتاج الوطني الآخر مصفرات_ حتماً ستكون الصورة في ذهنك مرعبة وفضيعة، من هنا يجب على السيد عادل عبد المهدي الانتقال من الدولة الريعية الى الدولة الاستثمارية والمنتجة.
بعد تتويج ترامب برئاسة أمريكا وإدارة البيت الأبيض، كتبت مقالاً قلت فيه:( إن الإقتصاد سيكون قطب الرحى لسياسة ترامب) بأعتباره يحمل عقلية إقتصادية، وكما قلنا أن رجال الإقتصاد سياستهم متشابه إلى حد كبير، فالسيد عبد المهدي لا يختلف عنهم، لكن هل ستواجه سياسته الإقتصادية إعتراضات وعقبات من القوى السياسية ذات العقلية الريعية؟
الجواب بكل تأكيد: نعم.