23 ديسمبر، 2024 12:28 م

سياسة صناعة الازمات…والتوقيتات الخاطئة

سياسة صناعة الازمات…والتوقيتات الخاطئة

فن الادارة علم متحرك قائم بدوره في صياغة المعادلات السياسية وغيرها,يتغير بأستمرار تبعا للظروف المحيطة بواقعه,
تهتم به الدول المستقرة المتقدمة, والمتطورة اقتصاديا,
بينما تهمله وتغض الطرف عنه الدول المراهقة سياسيا(دول العالم الثالث,والرابع والمقصود بالدول التي لازالت تعمل بالادارة الورقية وليس الالكترونية),
ولهذا نجد ان الدول المتخلفة اداريا غير قادرة على صناعة مستقبل واعد ,مع ماتملكه من ثروات وميزانيات سنوية هائلة,وهذا هو حال العراق,
فليس التركة الثقيلة كما يدعي البعض ,ولا حتى الارهاب, هما العقبتان الرئيسيتان الواقفتان بوجه اعادة بناء واعمار البلد(مع  الاعتراف بتاثير تلك العوامل الواضحة من خلال صورة الوضع العام المرتبك)
,وانما الادارة الوظيفية الفاشلة,فنحن امة كانت تسخر من الاقسام الادارية,وتعدها فائض اكاديمي دخيل على وزارة التعليم العالي,
فكان اغلب خريجي كلية الادارة والاقتصاد يبحثون عن وظائف في سلك التعليم(اما بحثا عن العطلة الصيفية,او هربا من الروتين الوظيفي المعقد والمكروه من الجميع ,موظفين ومراجعين),
وليس في دوائر الدولة الفاشلة منذ عقود, حيث لازال موظفوها يعملون بالكتابة اليدوية,بينما اطفال اوربا تصنع الاعاجيب في اللعب الالكترونية.
فوق كل ماتقدم يندفع بعض السياسيين دون وعي مسبق,بصناعة واثارة الازمات الداخلية والخارجية,بدأ من ملفات الصراع الطائفي والعرقي او الاثني في العراق,وصولا الى الانخراط في الازمات الخارجية(كالملف النووي الايراني,والازمة السورية القائمة) مع قلة الخبرة ,وضعف المقدرة في وضع حد لازماتها الداخلية.
الشيعة طائفة ظلمت تأريخيا,واستمرت المعاداة السلفية الوهابية قائمة ضدهم,ليس على اساس ان الروافض ملة ترفض الانصياع الكامل للحاكم المسلم فقط,وهو امر خطير تخاف منه الانظمة الورا ثية(على عكس اغلب المذاهب السنية التي تؤمن بالانصياع والطاعة العمياء للحاكم المسلم بغض النظر عن عدالته او ظلمه),
بل لانها طائفة متجددة فقهيا,يعد باب الاجتهاد والبحث الشرعي مفتوح عندهم,ومتحررة من البدع الوهابية(يكفيهم فخرا انهم انتجوا الثورة الايرانية التي غيرت مجرى الاحداث  العالمية, وقلبت طاولةالسياسات والمسلمات التاريخية في المحيط الاقليمي والدولي,وانتجت اعظم مقاومة في الوطن العربي, تلك هي المقاومة الاسطورة اللبنانية,ووقفت موقفا اخلاقيا في سوريا تجاه الحركات التكفيرية المدعومة من البترودولار الوهابي)
هذه الحالة او العقدة الشيعية المتجذرة في الوجدان,والشبيهة بالعقدة او المخاوف الكردية تجاه حكومات بغداد العربية المتعاقبة,تحرك في اتباع هذا المذهب حفيظة القلق والمخاوف المستقبلية الناتجة عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة المحيطة بالعراق,وكذلك استمرار العنف الموجه طائفيا ضدهم,
(بحيث تباد اسر وعوائل كاملة,بل ويذبح اطفال دون سن التكليف لا لذنب الا لان اهلهم من اتباع مذهب اهل البيت ع, بينما لانجد من الطرف الاخر اية ادانات واضحة لتلك الافعال البربرية,ولم نرى انفعالا شبيه بالانفعالت الاستفزازية دفاعا عن بعض المحكومين بمادة اربعة ارهاب,تقوم قائمة العالم الاسلامي السني على الارهابيين والمجرمين من ارباب السوابق,بينما تخرص الالسن على  بشاعة تلك الحوادث وانحراف منفذيها الادمي ,عدا بعض التنديدات الفردية,ومواقف الازهر الشريف في مصر وهي مؤسسة منقسمة حاليا بين تلك التيارات الضالة, وبين اصحاب الاعتدال والنظرة الاسلامية المتسامحة مع الاخر),
وتصاعد حدة التوترات والتداعيات الجانبية للازمة السورية
(في العراق ولبنان),
فتصبح تلك الاحدا ث هاجس انفعالي يومي يرافق الناس ,تظهر عبر التصرفات والتصريحات المرتبكة المتعلقة بالمخاوف من المصير  والمستقبل ونتائجه المجهولة,تتزايد تاثيراته عند اية توترات وصراعات واستهدافات مباشرة للشيعة او اي مكون اخر,
(لانريد ان نتستر على المخاوف الشيعية تجاه الاحدا ث في سوريا,امام عدوا لم يشهد التاريخ الحديث بوجود خسة ودناءة وبربرية اكثر منه,تلك الحركات التكفيرية التي لايردعها اي دين او قانون او شريعة عن ارتكاب افضع الجرائم
 ضد الانسانية) ,يشعرون بالاستهداف
اينما وجدوا ازمة او حدث طائفي مقيت,من هنا جاء الاعلان عن احالة مشروع قانون الفقه الجعفري الشرعي الاثني عشر,كنتيجة طبيعة لتاريخ استبدادي شمولي مظلم عاشته الشعوب العربية والاسلامية منذ سقيفة بني ساعدة وحتى نهايات الامبراطورية العثمانية والاستعمار الغربي,وصولا الى  الانظمة المصنوعة خارجيا في دوائر المخابرات الامبريالية,التي ورثت تركة ثقيلة من الموروثات والبيئات الاجتماعية والسياسية المتداخلة مع المقدس المشوه والمحرف امويا وعباسيا وعثمانيا,
ولكن هل الاعلان عن هذه الافكار(كرفع الاذان الشيعي في وسائل الاعلام الرسمية مباشرة بعد سقوط النظام البائد)في مثل هكذا وضع امني مضطرب, يعتبر توقيت مناسب
,ام يمكن ادخاله في خانة افتعال الازمات الغير مبررة(بقصد او دونه),
والتي اصبحت سمة وصفة وحالة شائعة بين سياسيي المنطقة الخضراء (كأزمة ابن رئيس الوزراء الغير مبررة والتي جاءت في توقيت سيء لايبعد كثيرا عن موعد الانتخابات البرلمانية),
ولكن ايضا ردات الفعل العراقية(الشيعية او السنية) جاءت مشحونة بعبارات وتصريحات نارية منددة به كمقترح مشروع قانون,  وبتوقيته وبطريقة اعداده وطرحه,بينما هناك وسائل وطرق حضارية مشروعة يمكن اتباعها في النقد والاعتراض .
يعتقد البعض ان فرصة صناعة الازمات واستغلال نتائجها امر ضروري,كما يحصل مع المكون الكردي,الذي كان مخطأ في معظم تصرفاته الاستفزازية السابقة تجاه حكومة المركز, التي قوضت فرصة تحول العراق الى دولة الاقاليم الفيدرالية النموذجية في المنطقة,لانهم خسروا تعاطف اكبر مكون عراقي(المكون العربي الشيعي)
تجاه قضيتهم ووضعهم القومي الخاص,بعد سلسلة متواصلة من الازمات  المفتعلة,بدأ بالامتناع عن تسليم عائدات النفط واخضاع حقول الاقليم لوزارة النفط المركزية,ومخالفتهم الرؤية والموقف السياسي العام تجاه الملف السوري,والازمة التركية,,وعرقلتهم لاغلب مشاريع القوانين المهمة ,كمشروع قانون الانتخابات الجديد المتوقف,
 هذه الحالة تنطبق على الاقليات المطالبة بحصص برلمانية او محلية,
وهي لاتعدوا الا ان تكون رغبة شخصية لمجموعة اشخاص اسرفوا في الصرف والخسارة على بعض تجمعاتهم وحركاتهم الاثنية,(بغية الكسب والمنافع الشخصية),
بينما يتناسون ان مقعد او مقعدين او اكثر قليلا لايغير  من المعادلة السياسية,ولايحسن من وضعهم الحالي كمواطنين عراقيين,
المفروض ان تكون مطاليبهم تخص  المصلحة العامة,وتتعلق بالدولة المدنية العصرية, التي تحمي وتصون وتنصف الجميع دون استثناء.
اذن نحن نعاني من سياسة غير متزنة,ومواقف ارتجالية غير مدروسة,وادارة  غير  ناجحة مطلقا,
الجميع يشترك في اثارتها,
ويعيد انتجاها لغايات سياسية نفعية فئوية,
المتضرر المباشر منها هو  المواطن…..