من السياسات التي تذهب بالدولة والمجتمع الى شفير الهاوية هي التي تصنع ثقافة الكراهية , وعندنا في العراق أبتلينا بمحرضات تصنع ثقافة الكراهية رغم ألانفتاح ألاجتماعي والفطرة الطيبة التي يتمتع بها الفرد العراقي بشكل عام , ولا نريد أن نستعرض كثرة المحرضات التاريخية التي تقف بين جنبات المجتمع العراقي فتعيق حيويته وتؤثر على وحدته , ولكننا بعد 2003 أبتلينا بمحرضات أخرى منها ألاحتلال , والمحاصصة , وأحزاب السلطة , وبعض دول الجوار ,وموجة ألارهاب التي تجتاح المنطقة .
ومن بين تلك المحرضات التي لم يلتفت اليها أحد من المعنيين في الحكم , أو ربما ألتفت اليها بعضهم ولكنه أنشغل بمفردات السلطة وأمتيازاتها , أو لم يكن مؤهلا لوضع الحلول والمعالجات برؤية الرجال الذين يصنعون القدرة على تجاوز ألازمات , ولذلك ظلت الدولة تترنح بين عواصف وأمواج الفتن , حتى أصبح لمجموعة مايسمى ” المجموعة الدولية لحل ألازمات ” ومقرها في بروكسل تبادر وفي أكثر من مناسبة لتعرض خدماتها للحكومة العراقية الغارقة بفيض المشاكل وألازمات والتي أتخذت لنفسها جيشا مما يسمى “المستشارين ” من الذين يعرفون العنوان ولا يعرفون المضمون والتفاصيل التي تتعلق بألاستشارة , ففي كل أزمة تجد الحكومة العراقية نفسها وهي محاصرة بعبئ وثقل التحديات حتى ليبدو المشهد للمراقب وكأن سهام التحدي تصوب نحو شخص واحد , وكأننا أمام حالة متكررة من مظاهر الدكتاتورية رغم عدم وجود دكتاتورية حقيقية من الناحية التنظيمية للدولة , ولكن ضعف الكادر الموجود في خلية الحكم يجعل المسؤولية تبدو وكأنها بعهدة رجل واحد , وهذا مانراه ميدانيا مما يشكل هامشا واسعا للآنتقاد الذي يصل الى حدالطعن بشرعية ودستورية موقع رئيس الحكومة أو رئيس البرلمان ؟
والمحرض الذي أستمر من 2003 والى اليوم هو مايعرف ” ألاجتثاث ” ويراد به أجتثاث البعثيين من الذين كانت لهم درجات حزبية متقدمة مما يجعلهم يتحملون مسؤولية الجرائم والجنايات التي مورست بحق العراق دولة وبحق العراقيين شعبا , وقد أشار الدستور العراقي الذي كتب بأيحاءات نوح فيلدمان سكرتير سيئ الصيت “بول بريمر ” الحاكم المدني للآحتلال الذي كان يقول لبعض رؤساء العشائر الذين يلتقونه :عليكم بتأسيس أحزاب “؟ وكان بعض رؤساء العشائر راجعوني يطلبون مني كتابة نظام داخلي لحزب ما ,فأقول لهم : لماذا تريدون نظام داخلي حزبي ؟ يقولون لي : بريمر قال لنا ألفوا أحزابا ؟ وهي مكيدة ومكر من بريمر لتفتيت ألاجتماع العراقي , وصناعة الكراهية , لآن أغلب رؤساء العشائر لايعرفون التنظيم الحزبي وهم ليسوا بحاجة له بمقدار حاجتهم لتنظيم عشائرهم , وتنظيم العشيرة هو غير تنظيم الحزب , فالعشيرة ولاء نسبي يدوم بدوام النسب , والنسب دائم بدوام الحياة فقط ” يومئذ لا أنساب بينهم …” ” وألوا ألارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ” – 6- ألاحزاب – أما الحزب فهو أنتساب تنظيمي ينمو بسرعة ويموت بسرعة ” يحسبون ألاحزاب لم يذهبوا وأن يأت ألاحزاب يودوا لو أنهم بادون في ألاعراب يسئلون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ماقاتلوا ألا قليلا “- 20 –ألاحزاب –
وألاجتثاث لفظ يحمل معه عدوانية غير محببة ويوحي بعزلة وتجميد يقع خارج أطار الحياة ألاجتماعية , لذلك كان النفي يقع على بعض ألافراد نتيجة قيامهم بفعل جنائي غير مبرر , ولكن النفي كأسلوب لعلاج ألاخفاقات السلوكية لم يطبق على مجاميع كبيرة لمعارضته لسنة ألاجتماع ولفقدانه الحكمة في العلاج للآمراض ألاجتماعية .
أن ألاجتثاث يورث أحقادا لايسلم منها المجتمع , ولذلك تفادى التشريع مثل هذه ألاساليب القمعية بمقولته المعروفة والمشهورة من قبل رسول الله “ص” : ” أذهبوا فأنتم الطلقاء “؟ وقد سبق هذا الشعار الحوار التالي : قال “ص” عندما دخل مكة فاتحا : ماتظنون أني فاعل بكم ؟
قالوا : أخ كريم , وأبن أخ كريم ؟ هذه هي لغة المسامحة وصناعة المودة ,وتغيير العداوة الى محبة وولاء ” فأذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ” , علما بأن كفار ومشركي مكة لم يتركوا شيئا من الظلم وألاذى ألا ومارسوه ضد رسول الله وجماعته من المؤمنين .
أن صفحة مشرقة من التسامح صنعت في تاريخنا ألاسلامي كان لزاما علينا ترجمتها بعد 2003 وأن لانلجأ الى ماسمي بأجتثاث البعث بالطريقة التي تركنا تطبيقها بيد من هو غير مؤهل بالمشاعر ألانسانية , فتركت بأيد بعضها تعاني من عقد نفسية , وبعضهم يعانون من نقص ثقافي وفقر معرفي مما جعل التطبيق سيئا ومن أثاره قضية نقل العقار وتسجيله الذي لايزال يشكل معاناة لكل العراقيين وفي كل المحافظات حيث يطبق قانون ألاجتثاث بطريقة سيئة تشمل النسب من ألاخوة وألاخوات وألابناء وألاباء وألامهات في حالة أرادوا تسجيل عقار بأسمهم أذا كان لهم من هو مشمول بألاجتثاث ؟
ولازال موظفوا العقار والبلديات والمواطنون يعانون من ألاثار السيئة لتطبيق هذا القانون بمفاعيله المتخلفة التي لاتتفق وروح العصر , بل وحتى العصور المتخلفة , وظاهرة من هذا المستوى جديرة بخلق الكراهية بين الناس , وبين الناس والدولة , والعجيب بعد مرور عشر سنوات لم تظهر الحلول والمعالجات المناسبة لآزالة أثار وتبعات مثل هذه القوانين التي لاتنتمي لروح الشريعة ولا لروح العصر وتمدن ألاجتماع .
أن التظاهرات ألاحتجاجية التي تجري اليوم رغم كل الشوائب التي ظهرت فيها وأستغلتها , ألا أن وجود أثار ألاجتثاث وقانونه الجائر يمنح حتى أصحاب النوايا السيئة والمواقف غير الوطنية فرصة التأجيج والتدخل لآرباك منظومة السياسة وألاجتماع العراقي .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
ALITAMIMI5@ yahoo.com