29 ديسمبر، 2024 5:00 ص

كان زميلي يروي هذه القصة التي مفادها: “أيام التطويع للجيش الشعبي , وفي محلتهم , كان هناك رجل بدين قصير القامة , كلما داهموا بيته لتجنيده , ينطرح أرضا وتأخذه نوبة ضحك هستيرية لا ينفك منها إلا بعد مغادرتهم بيته , وتركه لحال سبيله”!!
وكان يرى بأن الحكم مبني على ” سياسة دوخوه” , ولا بد من التعامل بالمِثل ” أدوّخهم”!!
والتدويخ سياسة سائدة بإمتياز , وخلاصتها أن أنظمة الحكم تجتهد في إيجاد آليات تدويخ (إذلال وإخضاع) الشعب , والقبض على مصيره , والتحكم ببلاده وثرواته وإستعباده بالقوة.
وموضوعات التدويخ لا تحصى , ومنها القهر بالحاجات الأساسية , كالطعام والشراب والترويع وقطع الأرزاق , وصعوبات النقل والسكن والعلاج والتعليم , وغيرها مما لا يخطر على بال البشر في البلاد المتقدمة , التي تهتم حكوماتها بالمواطنين وأمنهم وسعادتهم.
وفي بلادنا تعددت أسباب التدويخ , وتكاثرت وتكالبت وتعقدت وتطورت وتفرعت , فتشابكت حتى حوّلت الإنسان إلى حالة مترنحة على قارعة دروب الويلات والحسرات , والإنفجارات قبيل الإنتخابات.
ومن العجائب أن الشعب يتم إسكاره بأنواع المشروبات العقائدية الفاسدة المعتقة في أقبية العصور , فيبدو مخمورا بالجملة والمفرد ويتناسى أوجاعه , فالضغط المُسلط على الناس قد أهّلهم للثمول بأنواع الخمور الوافدة للبلاد من كل حدب وصوب .
وربما بهذا يمكن تفسير قنوط الشعب وإستسلامه للحرمان , وإذعانه لمستنزفات ماله وقاهرات أحواله , مما يزيد التدويخ تدويخا , ويشحن النفوس بالغضب والثوران الإنفعالي , الذي يتسبب بمشاكل سلوكية ضارة بالمجتمع.
ويبدو أن الحكومة سعيدة بالقدرة على أسر الناس , وإرهاق أعصابهم , وتوقيد نفوسهم , وإذكاء التضاغن والعداء فيما بينهم , وتحقيق التدمير النفسي والسلوكي بالحرمان من أبسط الحاجات.
فلماذا يصمت شعب على الويل المقصود , والذل المرصود , والإذعان للجاهل والمصفود؟!
وكيف بربك يتحقق العيش السعيد في بلاد مشحونة بالوعيد , والقتل الشديد؟!
لا يُلام شعب مُصادر الإرادة , ومُرتهن بألف عمامة وعمامة , لكن الذي يٌلام هم أصحاب الكراسي , الذين أثبتوا بأن الضمير الوطني الحيّ يا وطنى مفقود مفقود!!