أرى إن السياسة المتبعة في الحياة العامة بين الأفراد والمجموعات لاتختلف عن تلك المتبعة بين الدول والمنظومات السياسية، فالناس العاديون حين يدخلون في صراعات ومنافسة مادية دنيوية يهددون بعضهم ويتوعدون، ومنهم من يدفع الأمور الى التأزيم المشدد مايشبه الهاوية التي قد يقع فيها الجميع، وتكون رسالته تحمل معنى واحدا هو،علي وعلى أعدائي، أو إما أن نهوي جميعا في الجحيم، أو ننجو ونصنع السلام والمصالحة.
يصف الشاعر إمرؤ القيس حصانه في معلقته الشهيرة بقوله
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل
ووصف سرعته وإنقضاضه بحركة الصخرة حين يهوي بها السيل من مكان مرتفع، فحافة الهاوية ببساطة، وبمعناها المعروف هي المكان المرتفع، أو الهوة العميقة التي يهوي منها الشيء، أو الإنسان، ويقع سريعا، فلامنجى له من الهلاك.
أحاول الحديث بقدر عال من السذاجة، فبرغم عظمة الصراع والأهوال التي يمكن أن تترتب عليه في منطقتنا العربية والشرق أوسطية التي تجتذب الوحوش والكواسر من أقصى الأرض بسبب السياسات الحمقاء، أو الإستقواء، أو المطامع، أو العناد السياسي، فإنه صراع يؤكد تفاهة البشرية، وميلها الى الفناء والعناد وتحقيق المآرب الخاصة، ونيل المطامع والمطامح على حساب شعوب تتحطم آمالها وأمانيها، وجغرافيا تتهشم وتتقسم، وبيئة تدمر، ومناخ يتغير، وخسارات تزداد بأحجام مختلفة وبأنواع لاتعد ولاتحصى تؤثر في مستقبل الإنسان ووجوده.
سياسة حافة الهاوية نوع من الممارسة التي تقوم بها حكومات ومنظومات دولية بغية تحقيق مكاسب، وإرغام الآخر على التنازل والتراجع، وفي بعض الأحيان ترتد على من يمارسها فيكون هو الطرف الخاسر، ففريق كرة القدم الذي يطبق مصيدة التسلل قد يقع في المحظور عندما لايصفر الحكم، ولايرفع المساعد راية التسلل فيدخل في المرمى هدف غير متوقع، وغير منتظر، وغير مرغوب فيه في ظروف خاصة يمر بها الفريق وهو لايحتمل الخسارة.
كم من أمم إنهارت بفعل صراعات وحروب وغزوات خارجية ونكسات إقتصادية وبراكين وفيضانات وهزات أرضية، فليس ممكنا تجاهل هذه الحقيقة التي تشير الى إن الحضارات الإنسانية إندثرت بفعل الظروف الطبيعية، أو بفعل سلوك الإنسان المنحرف وطمعه وجشعه، بينما قضت الحروب على حضارات، وجعلتها تتراجع، وحتى التوسع فإنه كان في الغالب سببا في تراجع أمم عن مكانتها حين تفتح على نفسها جبهات حرب عدة لاتتمكن في النهاية من تغطيتها فتنهار كما حصل مع اليابان وألمانيا والإمبراطوريات الفارسية والرومانية والعثمانية، والحضارات المعروفة في وادي النيل وبلاد الرافدين، وغيرها من حضارات نشأت وعلت وإزدهرت ثم ذوت.
في الغالب لم يكن واردا لدى تلك الأمم التراجع عن مطامحها ومطامعها ومواقفها، فكان العناد والغرور سببا في الإنهيار والهزيمة المذلة، ولذلك فليس معيبا أن تكون الإرادة حاضرة للتفاوض والتنازل والتراجع أمام العاصفة حتى تمضي لحفظ المصالح وكرامة الشعوب.