اعلنت وزارة التربية عن نتائج امتحانات طلبة الصف الثالث المتوسط، وسوف تظهر نتائج امتحانات البكلوريا لطلبة الثانويات خلال الايام المقبلة . وكلا المرحلتين لهما تاثيرهما على مستقبل الطلبة فالاولى تحدد توجهه في الدراسة الثانوية اي فرع يختار حسب قوة الاساس الدراسي الذي تلقاه والثانية فاصلة في مستقبله ، فعلى ضوء نتائجه يختار الكلية التي تتواءم ومعدل درجاته الدراسية.
في البلدان المتقدمة علميا والمتطورة على مختلف الصعد وضعت معايير تربوية ودراسية وفقا لها يوجه الطالب الزاميا نحو طريق استكمال دراسته لا يمكن له ان يتجاوز على ما تم رسمه لمستقبله ، فهو محدد بشكل دقيق وفقا لنتائج دراسته في المتوسطة او الثانوية ، وعلى ضوء احتياجات البلاد واقتصاداتها في التنمية والسوق ايضا الذي يلعب القطاع دورا مهما في بناء واعداد الكوادر التي يحتاجها. للاسف لا توجد في بلادنا خارطة طريق للطالب واستراتيجيات تبين الحاجة للمهن والاختصاصات بتقديرات قريبة من الواقع ، ولا تلقي لاحقا باعداد غفيرة من الطلبة في بحر البطالة بانواعها . العالم يتجه الى اعداد الكوادر الوسطية والفنية والعلمية والمهن التي تنشأ بحكم التطور ولا يتاح لكل طالب الدراسة في الجامعات وفروعها التي ليس بالامكان ايجاد فرص عمل للمتخرجين منها .. فالملاحظ عن الدول التي تخطط لاقتصاداتها ان توجه الطلبة للدراسة في المعاهد والمؤسسات التأهيلية الوسطية التي يستطيع الاقتصاد الوطني الخاص والعام من استيعاب الخريجين منها طبعا لا يحرم من يتفوق من هؤلاء الطلبة لاكمال دراسته الجامعية اذا رغب في ذلك . وما الى ذلك من الانظمة المتبعة الضامنة للاعداد المهني وتلبية حاجات السوق والرغبات والميسرة لتحقيقها.
سيتخرج مئات الالاف من الطلبة من المرحلتين المتوسطة والثانوية ولكن لا يوجد تصور او خطة واضحة لتوجيه هؤلاء نحو ما ينفعهم وينفع المجتمع وحاجاته ، فستكون المعدلات هي الفيصل ورغبات الاهل دون النظر الى مستقبل وفائدة ونوع هذه الدراسة في حياته اللاحقة . فعلى سبيل المثال الى الان تخرج الاف الطلبة سنويا من الكليات الانسانية الفائضين عن الحاجة والذين يرفدون جيش البطالة الجرار باعداد جديدة. فلا غرابة ان نرى الكثير من حملة الشهادات الجامعية الاولية (البكلوريوس) يعملون في مهن هامشية لاعلاقة لها باختصاصهم لا من قريب ولا من بعيد كالعمل في بسطات الخضار وغيرها ، وذلك كله نتيجة لسياسة القبول الخاطئة وعدم الربط بين ما يحتاجه المجتمع والجامعات والمعاهد. ان مثل هذه الظاهرة تتطلب اعادة النظر بوظيفة الجامعة والسياسات الحكومية اولا ، كما ان رغبات الاهل المجافية للواقع هي الاخرى تسهم في تكريس هذه الظاهرة المأساوية ثانيا، ولا بد للأهل التخلي عن الوجاهة الزائفة والنظرة الدونية لبعض فروع الدراسات والاعداد لأبنائهم وتغيير الحالة النفسية في الموقف منها التي لا تحتسب المصالح المستقبلية للابناء باصرارهم على دراسات معينة ورفض اخرى على اعتقاد خاطىء بانها اقل منها. ان اولى الخطوات هي ان تقوم الحكومة بالاحصاءات اللازمة لمعرفة طاقات استيعاب الاقتصاد الوطني والخدمات من الخريجين لتحديد سياسة القبول في الجامعات على ضوئها . وكما هناك ضرورة لاغلاق بعض الاقسام الدراسية في الكليات والمعاهد التي اصبحت شهادة التخرج منها مجرد ” اطار” يعلق على الحائط ليس الا. ان تقدم البلد ونهضته يتطلب سياسة جديدة معللة ومستندة الى المعطيات العلمية في ادارة الموارد البشرية وتوظيفها ، وهذه تبدأ من التعليم والعناية بمخرجاته وتقديم المحفزات الحكومية للخريجين والطلبة الذين يعتمدون على انفسهم في بناء مشاريعهم الخاصة للنهوض بواقع بلدهم.