23 ديسمبر، 2024 4:41 ص

جميع المخابز مغلقة اليوم. جن جنون الكثير من الناس. يستيقظون يوميا و همهم الركوض نحو المخابز لشراء تلك الأرغفة. ما بقي من شؤون بلد النصف مليون شهيد سوى أزمة الخبز. يظن الجميع أن ذلك راجع إلى الإرتفاع الفاحش في مادة القمح اللين. يستاء البعض و يشتم البعض الآخر سياسة الدولة:

– أوف.. إنها سياسة الجوع..

تتجاهل السلطات هذه المشكلة لأنهم يعرفون أن الشعب سيرضخ للواقع. تتزامن أزمة الخبز مع تضخم قيمة فواتير الكهرباء و الماء و المازوت. خرجت متوجها إلى العمل ككل يوم. أسرعت الخطى وسط الزحام لأركب الحافلة. وجدت أحدهم يقرأ الجريدة. صاح فجأة بين الركاب. ألقى إلى آذانهم بسباب خارج عن إرادته غير مبال بوجود بعض الفتيات و السيدات. بعد دقائق من الصمت عاد مرددا:

– هذا كله كذب.. لا تكف الحكومة عن طمأنة الشعب جراء إنهيار أسعار النفط..

عاد ينظر الركاب إليه نظرة صمت تشوبه شهوة قوية للتمرد و لكن… واصل هو الآخر متمردا بلسانه يقول:

– اللعنة على هذه الحالة.. نحن نعيش أزمة السكن و البطالة و الأجور المتدنية.. إلى متى كل هذا يا ربي؟!..

كنت أتفهمه جيدا، يريد أن يتعالى على هذا الوضع المزري لأنه يريد حياة كريمة له و لغيره من الجزائريين. لم يكن بوسعه السكوت حينما فتح صفحات تلك الجريدة. رفع صوته وسط الركاب ليعبر بقوة عن كراهيته و تمرده لما يحدث حوله. كان يكفي أن ينظر الجميع إلى ملامحه الغارقة في الغضب و الضياع ليفهموا حقيقة ما نعيشه اليوم، و لكنه مع الأسف، لم يكن سوى مواطن عادي في نظرنا جميعا لا يحق له التمرد أو الثورة. هبط من الحافلة متمتما بكلمات غير مسموعة بينما راح البعض منهم ساخرا ينعته بالجنون.