في مقال سابق كتبت عن مسابقة (شارك ضد الفساد) التي اطلقتها هيئة النزاهة الموقرة.. في هذه المقالة احاول وضع تصور عن مدخلات مفترضة للمشاركة العامة مجتمعية واقتصادية لتحقيق المنفعة المنشودة للمشاركة ضد الفساد.
من نافلة القول.. ان التعديلات على نص قانون هيئة النزاهة الاتحادية.. تضمن نصا سمح لهذه الهيئة الموقرة اصدار سياسات عامة لمكافحة الفساد.
استخدام هذا النص بالشكل المطلوب لإعداد مدخلات موضوعية قابلة للتطبيق في منهجية دعم النزاهة كبديل عن مصطلح مكافحة الفساد.. السؤال كيف ولماذا؟
اما لماذا. ذلك أن المجتمع الدولي وفق متغيرات الادلة التشريعية والتقنية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد انما تستعرض في مؤتمر الدول الأطراف دوريا جهود الدولة الأعضاء في إنجازات المنع والردع وتحديات الاسترداد. فيما لا يعد القبض على مرتكب جرائم الفساد الا اعترافا من اي دولة بوجود وقائع الفساد وكلما تصاعدت أرقام القبض والأحكام تعد الدولة غير فاعلة في المنع والردع.. المنطلق الأساسي في عمل معايير الاتفاقية الاممية لمكافحة الفساد.. لان الأصل ليس في التجريم بل في إجراءات الحكم الرشيد في المنع والردع.. ويحمل الدليل التقني التشريعي لهذه الاتفاقية الكثير والكثير جدا من الآليات والاساليب لإيقاف ما يوصف ب(الباب الدوار) لديمومة الفساد مقابل التلكوء في دعم النزاهة.
اما كيف؟
هناك نموذج تطبيقي عنوانه (نظام النراهة الوطني) وضع له دليل مرجعي من قبل منظمة الشفافية الدولية.. ناهيك عن تطبيقات في عدد من الدول العربيه.. يتكون هذا النظام من مدخلات دستورية وأحكام قانونية نافذة.. فيها أكثر من عمود كل واحد منها يمثل قطاع يشترك في ادامة دعم النزاهة والشفافية .
عراقيا. ذات الجهات في السلطات الرئاسية الثلاث (مجلس القضاء الأعلى.. مجلس النواب.. مجلس الوزراء) المشاركة في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.. فضلا عن الجهاز الحكومي والقطاع الخاص.. والفعاليات المجتمعية ولعل المنظمات غير الحكومية في المقدمة منها.. فضلا عن الجامعات.. لكل منها أذرعها على طاولة دعم نظام النزاهة الوطني.
السؤال لماذا لم تبادر حتى اليوم هيئة النزاهة لاستخدام النص القانوني الذي يخولها سلطة اصدار سياسات عمل لمكافحة الفساد في تكوين تقييم وطني شامل لاطلاق نظام نزاهة وطني؟؟
قبل الاجابة على السؤال.. لابد من الايضاح الى ان ظهور بدايات حقيقية لتطبيق هكذا نظام وطني… والالتزام بمعاييره الدولية.. يجعل العراق يخرج من ذيل قائمة التقرير السنوي لمدركات الفساد حيث حصل خلال العام الحالي على ٢٣ فقط من ١٠٠ وهي ذات النتيجة للعام الماضي..
اما لماذا لم تبادر هيئة النزاهة الموقرة لتكوين هذا النظام الوطني.. والذي ينظر اليه كالتزام دولي مطلوب الاستجابة اليه مثل الاستجابة لمواثيق حقوق الإنسان.. اعتقد ان واقع مفاسد المحاصصة تجعل مجرد التفكير بتطبيق دولي يمنع ويردع الفساد من الأمور التي تصطدم بتحديات ومعوقات كبرى.
في هذا السياق.. المقترح الذي اطرحه في هذا المقال.. ان تبادر هيئة النراهة الموقرة.. من خلال مناصرة المواقف المعروفه للسيد رئيس مجلس الوزراء وما ذكر في المنهاج الوزاري عن اعتبار هدف مكافحة الفساد من الأهداف الرئيسية وذات الاهتمام المحوري.. والمباشرة بالخطوات الأساسية لنظام النزاهة الوطني العراقي.
نعم هناك مجموعة مطالب للالتزام بالمعايير الدولية تحتاج إلى مناصرة ودعم المجتمع المدني.. الا ان الأسس الأولية متوفرة.. مثل الالتزام بمعايير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للانسان.. الالتزام بمعايير أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠.. الالتزام بنظام ومواصفات الجودة الشاملة.. فهناك أقسام متخصصة بها في عموم الجهاز الحكومي.. ناهيك عن الأساس الدستوري والقانوني النافذ.
وربما تكون سابقة عراقية نتفاخر بها في المحافل الدولية حينما يكون الاعلان العراقي عن نظام نزاهة مفتاحا لاوسع مشاركة شعبية في الانتخابات البرلمانية المقبلة…
هل هناك صعوبات وتحديات؟؟
نعم.. لكن الالف ميل يبدأ بخطوة واثقة.. عسى ان تكون مبادرتها من قبل هيئة النزاهة الموقرة.. عندها ستجد الالاف من الأقلام داعمة ومؤيدة.. فاعلة. لعل وعسى ينتهي الباب الدوار العراقي الرسمي لمفاسد المحاصصة في نظام نزاهة وطني.. ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!!