في بداية عهده الرئاسي , وفي حكومةٍ لم يكتمل تشكيلها لغاية الآن , استطاع رئيس الجمهورية الجديد من خطف الأضواء من كافة ساسة العراق الكبار والصغار , وبما فيهم رؤساء الحكومات السابقة , وايضاً من كلّ قيادييّ كردستان وخصوصاً قادة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين كانوا يعارضون توليته لرئاسة الجمهورية . وخلال اسبوعٍ واحد شرع الرئيس صالح بمجموعة زياراتٍ خارجية كأنها بالجملة ! , وكانت وما برحت هذه الزيارات بأتجاهاتٍ متباينة ” وفق خريطة المنطقة ” , إذ بدأها بالكويت والأمارات ولم يكملها بدول الخليج الأخرى او بعضها , ثم عاد ليومٍ واحد وغادر الى الأردن , وعادَ ثانيةً ليغادر الى طهران ” ويبدو أنها الزيارة الأكثر والأشد اهمية لأسبابٍ معروفة , كما من المقرر زيارة السعودية لاحقاً وفق الأخبار , ومن الصعب استثناء مصر وتركيا من هذه الجولة الرئاسية , وربما لدولٍ عربية اخرى . ومن الواضح أنّ الرئيس برهم استطاع من هندسة زياراته الخارجية بشكلٍ ملحوظ , ومن الملاحظ ايضاً أن الوقت الذي امضاه في كلّ الدول التي زارها كان قصيراً ولم يتعدّ اليوم الواحد ومتجاوزاً بذلك اية اعتباراتٍ بروتوكوليةٍ مفترضة , ممّا يدلّ على جديّة المواضيع التي طرحها الرئيس , والتي من السابق لأوانه الحكم على تحقيق نتائجها وافرازاتها , وخصوصاً أن قادة الأحزاب الأسلام السياسي منهمكين في تقسيم تولّي الحقائب الوزارية الجديدة في كابينة السيد عادل عبد المهدي وما يشوبها من خلافاتٍ حادة حول وزارتي الدفاع والداخلية ” وكأنّهم ليسوا بصدد الوضع الأقليمي الذي يحاصر العراق , وكأنهم ايضاً لا علاقة لهم بالإعدام الجمعي للثروة السمكية العراقية ولا بالفضائح التي تتعاقب ” السبعة مليار الغارقة او الغاطسة أنموذجاً , والمخدرات التي اجتاحت زوايا البصرة أنموذجاً آخراً ” .
المشاريع المطروحة في زيارات الرئيس لتلك الدول , سواءً المطروحة من قادة تلك الدول او من الرئاسة العراقية , فلا ريب أنها تتطلب دراسةً مستفيضة وموافقاتٍ ومصادقة من عدة دوائر عراقية كالبرلمان ” واحزابه وكتله ” ووزارة الخارجية ووزارات اخرى , والى ذلك تحديداً فرئيس الوزراء لم يبدأ مهامه الفعلية بعد جرّاء معضلة استكمال حقائب الكابينة الوزارية التي تضعه في الزاوية الحرجة والتي على اثرها إطلاق تسريباتٍ شبه رسمية بالتهديد بالأستقالة اذا ما استمرّ الصراع والنزاع على انتزاع وزاراتٍ بعينها ودونما اكتراثٍ لما يجري من مجريات .! , وفي هذا الصدد فمن الطبيعي أن لا يتقبّل رئيس مجلس الوزراء خطف الأضواء منه عبر رئيس الجمهورية الذي يخلو منصبه من الصلاحيات الستراتيجية والرئيسية والأقلّ منها .! , وهكذا فالوضع الداخلي العراقي معلّق وغير مستبعدة منه اية مفاجآت .
من الملاحظ كذلك أنّ اهتماماتٍ واتصالاتٍ دولية وتوجيه دعوات للسيد عادل عبد المهدي هي في مجملها لإحتوائه واستيعابه للوقوف بالضدّ من تجاوز التعاون والتنسيق المالي والأقتصادي المسموح به دولياً ” بشكلٍ مؤقت ” مع طهران , وهي مهمّة صعبة بمواجهة وأمام قادة تشكيلاتٍ وفصائلٍ مسلّحة ” استطاعت انتزاع وزاراتٍ خاصة لها ” وهي التي تقوم بتنفيذ الأجندة الأيرانية بمهارةٍ تفوق وتتفوّق على مهارة الأيرانيين .!
وكلاهما عادل عبد المهدي و برهم صالح على إدراكٍ كاملٍ بمعطيات ومتطلبات ومستلزمات ” اللعبة العراقية ” لكنهما ايضاً يدركان أن ليس بمقدورهما ادارة اللعبة او هذه العملية بشكلٍ مطلق
من جانبٍ آخرٍ , ومنْ زاويةٍ أخرى اكثر بُعداً وخصوصيّةً , فلوحظَ أثناء زيارة السيد الرئيس برهم الى طهران , أنّ الرئيس روحاني طرحَ على نظيره العراقي أنشاء سكّة حديد تمتد او تنطلق من ايران , ومروراً بالأراضي العراقية , ووصولاً الى سوريا , وتحديداً الى البحر الأبيض المتوسط .! , وكما من حقّ الأيرانيين العمل لمصلحة بلادهم ” مهما إتّسعت طموحاتهم وتطلّعاتهم السياسية ! ” , فدونما اية شكوكٍ فمن المحال أن يتناغم ويتلائم ذلك مع العقوبات الأمريكية على طهران , وأنه ايضاً سيثير غضب دول الأتحاد الأوربي في ذلك , ولربما ” افتراضاً ” أنّ هذا المقترح هو لإستفزاز الولايات المتحدة ورهانٍ على قوىً عراقية مهما قد يحصل للعراق في حال تبنيها له .! , ولا يمتلك العراق بالذين يحكموه ويتحكّمون به سوى الترقّب , والترقّب الحذر .!