18 ديسمبر، 2024 8:20 م

سوسيولوجا الخراب في رواية انتهازيون … ولكن للروائي علاء مشذوب

سوسيولوجا الخراب في رواية انتهازيون … ولكن للروائي علاء مشذوب

انتهازيون… ولكن للكاتب علاء مشذوب الصادرة عن دار سطور لسنة (2016 ) ، رواية  تتحدث عن تصدعات وتحولات جرت في العراق قبل وبعد الاحتلال ،كما أنها تميط اللثام عن وجوه أدمنت التخفي خلف أقنعة الدين والعادات والتقاليد التي لا خلاص منها إلا عبر كشف ألاعيبها وخبث نواياها ، فظل العراق يئن تحت سطوة الفساد والقمع والإقصاء ومصادرة الحقوق .
تحاول الرواية عبر فضائها السردي من فك بعض  طلاسم الفساد والتخلف و الخراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي حل بالعراق بعد الاحتلال وصولا إلى تجارب الحكم المتعاقبة على العراق،ولكونها رواية تعج بالتفاصيل والأحداث، لذا اعتمد الكاتب فيها لغة مباشرة توحي للقارئ بأنه أمام أحداث وتفاصيل حقيقية تكشف زيف وفساد كل من امتهن العمل السياسي، وهو ما يحيل إليه القسم الأول من العنوان (انتهازيون ) وهي تهمة أصبحت  متداولة اجتماعيا  بعد الاحتلال ،ما يعكس واقعية السرد ،أما  القسم الثاني من العنوان (ولكن ) التي تفيد الاستدراك أي عدم  نفي الحكم أو تثبيته  يحيلنا على الجانب غير المباشر لهذه التحولات، ما يسهم في شحن المتن السردي بمعانٍ ودلالات مكثفة تحيل إلى ما وراء الواقع والأحداث عبر فعلي التأويل – التنوير- المتضمن في عناوين الرواية الفرعية  التي تضعنا أمام زمن دائري مغلق على عوالمه وهو زمن الحكاية ( ستة رمضانات ) كل رمضان له طعم ولون مختلف وذلك لفتح نوافذ المضمرات النسقية للظهور (رمضان أصفر، رمضان اخضر ، رمضان بلون صدر الحمام ، رمضان يشبه الآخرين، رمضان بلون العراق الجديد ، رمضان ليس الأخير) .
تدور أحداث الرواية حول قصة عائلة أدمنت فعل انتهاز الفرص بطريقة الاستغلال للصعود إلى مراكز القرار السياسي لذلك هي شخصيات تحتال على بعضها البعض للوصول لأهدافها وذلك بسبب الطمع والجشع وحب التملك الذي تعودت  عليه ،والفراغ السياسي والثقافي الذي يوفر لها مظلة التبرير لأفعالها بأعذار دينية واجتماعية تبيح ذلك، لذا باتت تكون عبئا واضحا على الحياة العامة وأحد أهم العوامل المساعدة في خراب الواقع الاجتماعي والنفسي في العراق ،ولتأكيد هذا الدور المائز والخطير للجانب السسيو- ديني ،كان جل أبطال الرواية من  عائلة  واحدة ( جبار ، حسون ،ناهض ،فائز ،خالد، صباح أختهم ،والأب ،والأم )  فضلا عن شخصيات أخرى تكاد تكون ثانوية (سلوى ، توفيق ).
التقنية المتبعة والتي يجري عبرها تقديم القصة في الرواية تتشكل وفق أسلوب التهكم والسخرية الممزوجة بلغة نقدية ناقمة على واقع يراوح داخل زمن واحد هو الماضي الذي يتخلل الحاضر ويخنق المستقبل وهو ما يحاول أن يكشف عنه الكاتب من خلال شخصياته التي يمكن لنا تصنيفها على أنها مسطحة لا تتغير صفاتها على طول الرواية أي ترى الحياة من بعد واحد وعين واحدة، ترى فيها انتهازيتها وطمعها الأبدي وهو ما يشكل عقدة الرواية وفق قانون السبب والنتيجة، حيث تتمثل ذروة الصراع حول من يمتلك أكثر من الآخر للوصول إلى أهدافه بغض النظر عن النتائج المترتبة والتي دائما ما تكون مخيبة وهو ما أضاع على الكاتب جانب المفاجأة والاستنتاج من جانب القارئ ، يتضح ذلك في القسم الثاني ( رمضان أخضر ) عندما قرر جبار الترشيح للانتخابات يصف لنا الكاتب على لسان راوٍ عليم ومشارك في صنع الأحداث وتغير مسارها ( كانت الوعود التي أغدقها جبار على أهله وأخوته ،تسلب لبهم ،فقد وعد أرملته الثانية بأن يجعل زوجها (عادل ) الذي توفي في حادث سيارة  شهيدا وثائرا حتى اغتيل من قبل النظام البعثي ، ما يجعلها تحصل على مكاسب كثيرة ، … اما حسون فقد وعده ، بان يجعله سجينا سياسيا … ووعد خالدا بأن يسحبه معه إلى مجلس المحافظة كي يكون حمايته الشخصية ) ص91 
.المكان هو الآخر مكان نفسي أو ما يسمى بالمكان الأليف المنسجم مع قاطنيه أبطال الرواية الذين عاشوه بما فيهم الكاتب الذي عاش فيه ثم انتقل بخياله ليعيش فيه، لذا فإن تفاصيل هذا المكان حاضرة وبقوة في مسار الأحداث قبل التغيير وبعده لذلك أضحى يشكل للجميع ملاذا نفسيا وإيديولوجيا (مرجعا) تتبلور منه مخططاتهم وصفقاتهم السرية.
هناك تنوع  في صيغ الخطاب لكنه تنوع يفتقر لرؤية تتضح فيها أهداف الرواية والكيفية التي عن طريقها  تقديم ذلك المتن وهي إدانة لكل أشكال الانتهازية السياسية والاجتماعية، لكن ما نجده هو تميع هذه الإدانة في تفاصيل فرعية شتت الخطاب إلى أكثر من اتجاه ودلالة ومعنى افتراضي . وفق الكاتب في تقسيم الأحداث المهمة ضمن عناوين فرعية ذات دلالات رمزية وثقافية وتاريخية ودينية (رمضان) فمع كل رمضان هناك واقع مختلف لكننا لم نستشعر ونتلمس هذه الدلالة سوى في بعدها الافتراضي (اللون) وهنا نفرق بين آليتين متكاملتين الأولى ترتبط بقصدية الكاتب في وسم العنوان لتحديد النص والمعنى الحرفي له داخل النص بشكل مباشر ( مع كل رمضان هناك تحول في سير الإحداث ) أما الثانية التي نبحث عنها فهي العنوان بوصفه علامة تؤسس لدال لا يكتمل إلا بمدلول العنوان غير المباشر (التأويل ) التي تستثير القارئ أثناء قراءته للرواية، لذا كانت العنونة تحيل لشيء ناجز ( أضحت الحياة في العراق من كل رمضان مهجورة )ص128 وهو معنى مباشر كون الصوم يتطلب من المسلم الامتناع عن الأكل والشرب لفترة طويلة مع قسوة المناخ  في العراق وهو ما يعطل الحياة، لكن غابت الدلالة الشاملة لهذه الرمضانات التي تتجلى في كون الدين هو البديل الشرعي لغياب القانون المدني والدولة المدنية الحديثة القادرة على بسط الحقوق .الواقعية النقدية .
تشخص الرواية في أغلب مفاصلها أوجه الفساد والخراب السياسي والاجتماعي الذي حل بالعراق، لذا هي تتبنى بعدا واقعيا ونقديا في رصدها لمصادر الخلل والفشل تلك ،وبالتالي تحاول عبر أحداثها معالجة هذا الواقع عبر رؤية تتيح للكاتب رفض هذا الواقع عبر التشكيل الفني( السرد) من خلال إعطاء الذات قدرا كبيرا من الأهمية لا يقل عن أهمية المجتمع وذلك لإحداث تفاعل ما بين (الداخل) ذات الكاتب مع (الخارج ) العالم لإيجاد حلول فاعلة قادرة على إعادة رسم عراق أفضل وهو ما يضعها ضمن تيار (الواقعية النقدية) الذي يعتمد على  نقد الواقع الاجتماعي والثقافي والمشاركة في أيجاد الحلول (إصلاح ) لهذا التراجع والتأخر يتضح ذلك في كثرة التفسيرات والتحليلات الواقعية على لسان الراوي المؤلف ومحاولته المتكررة في إعلان التمرد والنقد لهذا الواقع . الرواية بمجملها تحمل هما وطنيا وإنسانيا عاليا تمتاز بجرأة الطرح والنقد لكل من تسبب بهذا الخراب وهو ما يحسب للكاتب كما وتسعى لكسر حالة الصمت الشعبي والجماهيري عبر فضح مصادر الفساد ، لذا تحاول إعادة  قراءة الواقع من منظور ثقافي واجتماعي وبحثها عن مكامن الخلل والأزمة في المجتمع العراقي عبر الذات الإنسانية الفاعلة  .