23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

سوسن البياتي وصرختها .. هل وصلت الأذان ؟

سوسن البياتي وصرختها .. هل وصلت الأذان ؟

في حفل ، اشبه بالمفاجأة ، لم يستغرق وقتا طويلا ، تم توقيع مجموعة ( صرخة من الفردوس) لسوسن البياتي ، المفاجأة كانت في احدى جمع المتنبي ، حيث تم على عجالة دعوة عدد من المثقفين ورواد المتنبي لحضور حفل توقيع كتاب ، ولم يعرف الذين لبوا الدعوة ، ما نوعية الكتاب ، وماهي اسباب هذه العجالة ، وعندما تم لم شمل الحضور ، وكان نخبويا ، فمن بينهم ، كان المفكر د. عبد الحسين شعبان ود. صلاح عبد الرزاق محافظ بغداد السابق ، والروائي صادق الجمل ، شرع الاديب حسن عبد الحميد في الحديث عن رواية كانت بيده ، والى جانبه جلست المؤلفة سوسن البياتي ، ثم اتسع الحديث ليشمل المؤلفة والحضور .. وبعد وقت قصيرة ، بدأت القاصة بتوقيع الاهداءات ، على مجموعتها القصصية وسط دهشة الكثير من الحضور، اذ كانت تسأل عن اسم كل من تهدى اليه ، بشكل بدا لنا ان الكاتبة ، لم تعرف معظمهم ، رغم كونهم من اعيان الادب ، عمرا وتجربة !

انتهى الحفل ، المفاجأة ، وكانت بين يدي المجوعة القصصية ، وعزمت الكتابة عنها ، وفي المساء ، وانا ابدأ في القراءة ، وجدتُ في مقتبل الصفحات عبارة ، استغربتُ وجودها ، فلم ارى مثيلا لها في المجموعات القصصية والروايات التي قرأتها طوال سني حياتي الثقافية ، ونص هذه العبارة هو : ( مجموعة قصصية / الطبعة الثانية / مزيدة ومنقحة ) ذلك ان مثل هذه العبارة ، تكون عادة في صدر كتب الدراسات والابحاث ، التي يجد المفكرون اضافات جديدة ، ينبغي اضافتها ، وليس على مجموعة قصصية ، فهل اضافت القاصة من افكار على قصصها المنشورة سابقا في الطبعة الاولى ، او غيرت من منهجيتها واسلوبيتها ورؤيتها في الكتابة .. لا اعرف !

منعتني تلك العبارة من مواصلة القراءة ، فبقت المجموعة رهينة رفوف مكتبتي ، لكن هاجسا دفعني ، اليها في عطلة رأس السنة ، فبدأت قراءة المجموعة مباشرة ، تاركا المقدمة ، متجهاً الى القصص القصيرة التي احتوتها المجموعة وعددها 12 قصة بعدد صفحات قاربت 168 صفحة من القطع المتوسط ..

سرد حكائي بالمختزل

ليس جديدا في قولي ، ان ” القصة القصيرة أو الأقصوصة هي نوع أدبي عبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية، وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة، لا بد لسرد الحدث في القصة القصيرة أن يكون متحدا ومنسجما دون تشتيت ” وقد وجدتُ في قلم البياتي ، مدادا جميلا ، في تناولها لمواقف من الحياة ، حملت سمات وملامح قدرية ، عاشت في ظرف استثنائي ، وسلطت الضوء على نقاط الظلام المجتمعي بشكل عفوي ، مكلل بفضاء رحب .

لاحظتُ في معظم قصصها ، بوحها الجريء ، الواضح والمستتر في تصوير معاناة انسانية وربما شخصية ،عميقة الجذور والمعاني ، لا تخفي على القارئ دوافعها ، كونها نوع من جلد الذات كما ارى ، فهي القائلة ( اخلع نعليك أيها الالم … انت في بلاط الحزن المقدس .. كم ليلة في غياهب الهم طوى .. ادخل بريدك في محبرة الذهول .. تخرج كلماته عارية بكماء .. من غير سوء تبكي آلاف المعاني .. على خد الثرى ) ورغم انها مزجت في قصصها ، تمويهاً ، او لضرورات العمل الادبي ، بين السرد الواقعي مع عناصر من السريالية والحلم والخيال ، انطلاقاً من ان القصة القصيرة هي سطور نثرية خيالية مختصرة تتناول شخصيات قليلة فقط ، تهدف إلى تقديم حدث وحيد غالبا ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود غالبا لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة ..

فملامح القصة القصيرة ، تكمن في ان البداية والنهاية ينبغي ان تكون أقصر من الأحداث ، لكني لم اجد ذلك متوفرا في المجموعة ، إلا في ثلاث قصص ، وهي القصص التي حملت عناوين ( امرأة بنكهة الشوكولا ، الطريق الى الفردوس ، فستان في حقيبة الاحزان ) فالأحداث من الواجب ان تكون بوتيرة متزايدة دون أخذ فترات راحة ، وأن تكون القصة قائمة بذاتها و قابلة للفهم بشكل فردي دون أن يضطر القارئ بالضرورة إلى معرفة ما حدث في قصة سابقة أو أن يضطر للاستمرار في قراءة قصة أخرى من القصص التي امامه.. فبقدر تعقد الصراع وتشعبه ، تزيد قوة حبكة القصة ، وتتسع قيمتها الفنية.

نسيت الكاتبة ، ان التجارب ، هي صانعة الحياة.. و بها تأخذ شكلها الذي نحسه ونحياه.. لأن ما نحسه ونحياه هو المحصلة بين القوتين معاً الوجود والعدم.. وهما يتناوبان على الإنسان شداً وجذباً، لكننا مع نظرتنا الواقعية لتلك الجدلية، نصاب بالدهشة عند شعورنا بالفشل ، لاسيما العاطفي … الأمر متعب حقاً ، لكنه ليس نهاية الحياة .. فكلما رحلت بنا السنون في رحلة العمر , بدت لنا من غائبات الأمور التي أقصيت عنا بقصد خبيث أو لإهمال ماجن , ما يعيد شحن الذاكرة وتتولى النفس عديد من مساءلتها، تبحث عن مرد أو مخرج أو تفسير لما يلقى علينا من قمامات الزمن.. وهكذا الدنيا، رواح ومجيء، صعود ونكوص، ألق وذبول.. وعندما تغلق ابواب السعادة امامنا، قد تفتح ابواب اخرى، لكننا لا نشعر بها، لأننا نمضي وقتاً طويلاً في الحسرة على الابواب المغلقة، ناسين ان الباب المغلق الأكبر.. هو الموت ، فعلام هذا السعي وراء سراب الحياة ، والحديث بأسى ويأس في قصص ، اطارها الفرح ، ومضمونها الحزن ؟

وبمقابل ما ذكرت ، اقول نجحت سوسن البياتي ، بأسلوبها الذي يميل الى الشعر الذي تتعاطاه في مشوارها الثقافي ، في تقديم قصص قصيرة ، في سردٌ قد يكون واقعيًا أو خياليًا، لأحداث شعرية أو نثرية تهدف إلى إثارة الاهتمام وإمتاع المتلقي وإقناعه بفكرة ما وتثقيفه بمحتواها ، فالقصة القصيرة هي نوع من أنواع السرد والحكاية، وتتكون من عدة عناصر درامية ومجموعة أشخاص تدخل فيما يعرف بالصراع الدرامي الذي يبنيه كاتب القصة ..

خرجتُ ، بعد قراءتي للقصص ، الواضح منها ، والقابع في كواليس التورية المتعمدة ، باقول ان الانسان هو صنو الواقع، لكن البعض لا يريد ان يصدق ان الحياة ومضة ، وان الإعجاب المبالغ فيه بالنفس عند المرء هو وليد جهل واضح … ويبقى المثل التركي شامخا على بوابة الحياة، وهذا المثل يقول ( أيها الإنسان لا تنس الموت فانه لن ينساك ).. وشخصيا علمني أهلي الكلام، لكن الناس علموني الصمت، ففي الصمت نتأمل عظمة الاشياء، وفي الكلام ندخل جلبة الحياة، لـتأكيد الذات، والامران مطلوبان.. مثلما السعادة والشقاء…

عزيزتي سوسن ، نأمل ابداعات اخرى على طريق مناجاة الحياة بكل مناحيها !