19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

سوري … مصري … زراعتنا العراقية  وين ؟ إلى البغدادية … مع التحية

سوري … مصري … زراعتنا العراقية  وين ؟ إلى البغدادية … مع التحية

الإعلام سيف ذو حدين  ممكن أن  يُنور عقول و أن يُخرب عقول اعتمادا على ما يطرحه من  أخبار أو معلومات  أو صور , لذلك  جاء بالمرتبة الرابعة بعد التشريع و التنفيذ و العدالة و سمي بالسلطة الرابعة , وهو ترتيب وتسلسل يستحقه بكل جدارة , لما له من دور  كبير و خطير  في توجيه بوصلة و مشاعر الرأي العام في هذا الاتجاه أو ذاك سلباً أو إيجاباً , من هنا يمكن الزعم إن الإعلام يشبه مبضع الجراح (  إذا سمح التشبيه ) من ناحية الخطورة و دقة الانجاز , فهو قد يقتل و قد يحيي , بل هو يفوق المبضع في خطورته فالمبضع ينقذ فرد و الإعلام ينقذ مجتمع , و بذلك فعلى المسؤول الإعلامي أن يكون على درجة عالية من الوعي بما يطرح للناس لان مخاطبة عقول الناس بما يصب في مصلحتهم أصعب من أي مهمة اخرى يقوم بها الإنسان , خاصة إذا كان هؤلاء الناس تتقاسمهم أفكار و مفاهيم مختلفة بعضها صحيح و بعضها ليس كذلك كما الحال عندنا في العراق , دور الإعلام هنا يكون ( بتنقية ) عقول الناس من المفاهيم الخاطئة  و تجنب إدخال صور مغلوطة في رؤوسهم , كي تتوحد الأفكار و يزول الانقسام بما ينعكس ايجابيا في مصلحة الفرد و المجتمع .
قناة الشعب الأولى  ” البغدادية ” تعرض إعلان دعائي لبرنامج  ” قضية رأي عام ”  الذي يقدمه السيد عماد العبادي , هذا الإعلان , الذي قد يراه البعض الكثير إعلانا عاديا لا خلل فيه , هو ليس كذلك  كما سيأتي , يطل علينا عدة مرات في اليوم و منذ شهور و ربما سنوات , وقد حفظه الكثيرون عن ظهر قلب , يحتوي الإعلان على مشاهد لهموم العراقيين , و منها مشهد لمواطن عراقي يسأل بائع الخضراوات صائحا ( سوري … مصري … زراعتنا العراقية وين ؟ ) صيحة من خمس كلمات لا ضير ان نتوقف عندها و نفسر معانيها و آثارها على المشاهد , الكلمات الثلاث الأخيرة من الصيحة سليمة ( إعلاميا ) لأنها تنسجم مع رغبات الناس , فمن منا لا يريد أن يأكل من خيرات أرضه و بلده ؟ لان الجميع يسأل و  يصيح ” زراعتنا العراقية وين ؟ ”  سيما ان العراق يمتلك  كل ما تحتاجه الزراعة من بنية تحتية , ماء وفير و أرض خصبة و ملايين من الفلاحين المتمرسين جاهزين للعمل و لا ينقصهم إلا دعم حكومي مادي و دعم تقني و فني يمكن توفيره من كليات الزراعة و ما أكثرها في العراق يتخرج منها سنويا الألاف لا يجدون أي فرصة للعمل و كأننا نعيش في سيبيريا أو الصحراء الغربية .
 الكلمتان ( سوري / مصري ) في الاعلان هما نقطة البحث و موضوع النقاش … هل السوق العراقي لا  يوجد به غير المنتج الزراعي السوري و المصري ؟ الا تمتليء اسواقنا بالمنتج الايراني و التركي و دول اخرى ؟ إذن , لماذا التركيز على دول عربية فقط و عدم الإشارة إلى الدول الاخرى ؟ هل هناك أي خطأ في هذا السؤال ؟ من صمم هذا الاعلان لم يكن موفقا ( اعلاميا ) لانه ذكر نصف الحقيقة و حجب أو تغاضى عن النصف الآخر سهوا أو عمدا , أنصاف الحقائق لا تنتج اعلاما ناجحا , الفعل بنتائجه , فما هي نتائج اعلان  ” قضية رأي عام ” على المشاهد العراقي ؟ النتيجة هي ان المشاهد يتعبأ نفسيا و بشكل لا إرادي ضد المواطن السوري و المواطن المصري و بكل ما يتعلق بسوريا و مصر من شؤون , و يسأل لماذا يتكسب الفلاح السوري و المصري على حساب الفلاح العراقي , بصرف النظر عن سبب هذه المشكلة , وهذه التعبئة النفسية تتحول تدريجيا , مع إستمرار بث الاعلان , إلى نفور و ربما كراهية لكل ما هو مصري و سوري , فهل من صالحنا ان ندق  أسافين بيننا و بين الشعوب العربية , سواء كان ذلك بقصد أو بدونه , هل نحن ناقصين فرقة و تفرقة ؟
          و نعود إلى الاعلان  موضوع البحث … لماذا تم التغاضي عن ذكر السلع الايرانية التي تغرق بها اسواقنا ؟؟؟ ان كان ذلك سهواً فهو قصر نظر اعلامي لا بد من تصحيحه كي يكون النظر جيدا , و إن كان عمداً فهذه مصيبة , لإن الاعلام هنا إبتعد عن المصداقية , ( ساخت ايران ) تعج بها اسواقنا , بضائع ايرانية من خضراوات و فاكهة و  سلع منزلية و كهربائية و سيارات و أشياء اخرى كثيرة , و هذه كلها تهون و يمكن التخلص منها , لكن كيف التخلص من ( البضاعة البشرية ) التي أرسلتها لنا ايران بعد الاحتلال  ؟  بضاعة غلافها الخارجي عراقي , لكن داخلها إيراني صرف . أما عن سؤال الاخ عماد العبادي للعراقيين في نهاية الاعلان  ( متى تدق الساعة ؟ )  فالجواب : عندما يطرد العراقيون البضاعة البشرية التي دخلت بلدهم فجأة من ايران ستبدأ الساعة بالدق , دون ذلك ستبقى الساعة متوقفة .