إن عودة سورية للجامعة العربية أمر يدعو للتفاؤل بعد غياب استمر منذ عام ٢٠١١، وهو أمر ينبغي البناء عليه ومساعدة سورية في الخروج من أزمتها لأنها مركز ثقل في المنطقة، وتملك سجل عظيم يحتوي على تاريخ وإرث حضاري عريق وهي عمود الأمة العربية.
من يتأمل وضع سورية في الوقت الراهن سيتراءى له تغيّر الكثير من أحوالها في الاتجاه الصحيح، ولا يزال المستقبل القريب يعِدُ بمكاسب أخرى سياسية واستراتيجية وتجارية، ستعزز من نهوض سورية وتعافيها كي تمارس دورها التاريخي في حفظ الأمن القومي وإحباط كل المخططات التي تستهدف تفكيك دول المنطقة، وبناء قوتها الاقتصادية والاجتماعية وتموقعها الدبلوماسي ضمن الفواعل الإقليمية والدولية، بما يرقى إلى رصيدها التاريخي وتطلّع قيادتها الطموحة وشعبها النابض بالحيوية والنشاط.
مرة أخرى تفاجئ سورية الآخرين بقدراتها اللامحدودة التي تنفجر من أعماق التحديات والمواقف الصعبة، التي لا يقوى على مواجهتها إلا الأبطال، لتؤكد بأن الإرهاب إلى زوال وستشهد سورية فجراً جديداً على يد أبنائها المخلصين، لا شك أن عودة سورية الى جامعة الدول العربية تمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، وهو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، وعاملاً أساسياً في قيادة الدفة العربية من جديد.
في خمس دقائق وضمن الوقت المحدد ، ومن قلب الجامعة العربية وبين العرب، كانت كلمة سورية اختصر بها الرئيس الأسد الوضع العربي والوجع العربي وما يحتاجه، كما نقل بها الرئيس الأمل بالعمل من منهج عمل سوري إلى منهج عمل عربي- إقليمي ضروري ، ووضعه بين أيدي القادة العرب المتواجدين كخارطة طريق لا بدّ من العمل بها لتحقيق انطلاقة عربية جادّة وموحدة.
كلمة الرئيس الاسد أعطت العمل العربي المشترك فرصة لتصحيح بوصلته وصوبت العين على مكامن الخلل في منهجه، وحدّدت طرف خيط الطريق الطويل صوناً للأجيال القادمة وحفظاً لها من أن تعيش الدماء والحروب لذلك دعا الرئيس للبحث عن العناوين الكبرى التي تهدد مستقبل أجيالنا.
وسواء وجدت مخرجات قمة جدة طريقها نحو التجسيد الفعلي أو ظلت مؤقتاً أفكاراً متطورة في أدراج الجامعة العربية، فإن التاريخ سيكتب لقيادة بلادنا الجدية والصدق في الذود عن الأقطار العربية والدفع بقوة نحو تفعيل آليات العمل العربي المشترك، وحرصها التام على تحسين منظومة الجامعة لترتقي إلى مستوى رهانات الأمة العربية وتحديات العالم الخارجي من حولها..
اليوم عادت سورية الى دورها ومكانتها في الاقليم مرة أخرى، لتقول كلمتها في المنطقة ولكي تصبح الرقم الأهم في المعادلة الإقليمية، والدليل على ذلك هو أن كل الدول العربية تعود وتناقش دمشق، لأنه لا سلام بدون سورية ولا تقاد المنطقة إلا من خلال سورية، لذلك عصفت بسورية أشرس حرب عرفها التاريخ لتحقيق الاستسلام (لإسرائيل) لكن سورية ظلت الرقم الصعب في المنطقة هي ومحورها المقاوم.
إن سورية باتت اليوم مفتاح المنطقة وقلبها والطريق الوحيد لوضع الإقليم على المسار الآمن، بعد أن أدركت الدول أن سورية ليست معزولة وأنها دولة مركزية في المنطقة، وما يجرى فيها له إرتداداته على الإقليم بأكمله، فاليوم الجميع بات مقتنعاً بحاجتهم لتسوية الأزمة في سورية.
وفي النتيجة، سورية إختارت ان تؤسس محوراً عربياً جديداً مقابل المحور الغربي وحلفاؤه من الدول العربية، محور يدعو الى حلول سلمية سياسية لأزمات المنطقة على خلاف المحور الآخر الذي طالما سعى ولا يزال للتدخل عسكريا في دول المنطقة، فزيادة إرتباك الغرب وحلفاؤه تشير إلى أن الأزمة السورية اقتربت من جولتها الأخيرة، فالتحالف الأميركي الغربي وحلفاؤه من الدول العربية حشدوا كل مرتزقتهم على الجبهة السورية لتحقيق أي كسب معنوي يوظفه على طاولات المفاوضات، لكن دمشق الصامدة أبت إلا أن تدفن أحلامهم وتعلن عن قرب حسم المعركة.
مجملاً…الذين ينتظرون سقوط سورية وإنكسارها، سينتظرون كثيراً ولن تتحقق أمنيتهم، لأن سورية تمتلك إرادة الإنتصار، والأهم أن الجيش السوري إمتلك إرادة المواجهة، وكانت المعجزات التي تجسدت فعلاً، مقاومة قلبت المعادلات وأجهزت على المخططات التي رصدها أعداء سورية لتدمير إرادة الحياة، والصفعة الكبرى كانت في تمكن الرئيس الأسد من المشاركة في مؤتمر القمة العربية التي كان مليئة بالتحدي ومواجهة الإرهاب وأعداء الوطن في الداخل والخارج.
وختاماً نقول: إن سورية عادت لمكانتها ووضعها الطبيعى… ولكن هذه المرة عادت لتقود العالم العربي لمواجهة الإرهاب والمحافظة على الأوطان … لأنها الرقم الصعب والعصي على أن ينال منه الآخرون، وهي التي ستهيئ كل المناخات، لخروج الشعوب العربية من واقعها المغيب إلى زمن الفعل والقول.