18 ديسمبر، 2024 6:21 م

سورية في نظام عالمي يتشكل

سورية في نظام عالمي يتشكل

تبدو المنطقة محاطة بما يشبه بـ ” التحالف الإقليمي الدولي” يجعل من إمكانية حدوث تغييرات سياسية متسارعة، وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة لتكون صداً في وجه الإختراق الغربي-الأميركي للمنطقة.

في ظل ما يحدث الآن من أحداث لا يستطيع أحد أن يجزم بإستمرار الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم إنما اصبح الجميع مؤمن بما يسمى بعالم متعدد الأقطاب أي تحالفات عالمية بين عدد من الدول ، ومن جهة أخرى روسيا والصين الذين يجدون ان تحالفهم معا سيغلب النظام الأمريكي ويجعلهم المتحكمين في النظام العالمي وفي الشرق الأوسط نجد ان سورية تنطلق من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة التعامل الجاد والسريع مع تحولات النظام العالمي، وخاصة بعد نجاح سورية في ضرب المخطط الغربي لتقسيمها.

في إطار ذلك سعت سورية إلى ترجمة رفضها للسياسات الغربية، من خلال إعادة ترتيبها للأوضاع في المنطقة على نحو يخدم مصالحها، ودول الإقليم، من خلال التوجه إلى تأسيس تحالفات إقليمية ودولية مرنة، بإعتبارها الدولة المؤثرة في إعادة تشكل المنطقة، وممارسة مزيد من النفوذ في القضايا التي تهمها، وعلى نحو يوفر بديلاً للترتيبات الغربية للبلاد.

 

التطور الأحدث في هذا الشأن، هو التطور التي تشهده العلاقات السورية- الصينية في المرحلة الراهنة لبناء استراتيجية جديدة وإحداث توازن في العلاقات الدولية، هذه العلاقات كانت العامل الرئيسي في صمود سورية في وجه مخططات الدول المعادية التي تسعى إلى إضعاف سورية وزعزعة استقرارها ونشر الفوضى في المنطقة ككل، هنا يمكن القول إن زيارة الرئيس الأسد لبكين هي نقطة فارقة في صياغة توازنات القوى الدولية في منطقة الشرق الأوسط.

إن حاجة الصين إلى حلفاء إقليميين في الشرق الأوسط لتجديد عودتها إلى المنافسة على الزعامة الدولية دفعها لتمتين علاقاتها مع دول في الإقليم تقف بالمرصاد ضد السياسة الأمريكية، ولم تجد أفضل من سورية المحاصرة أمريكياً، والحريصة على التحالف مع أطراف دولية قوية قادرة على دعمها في مواجهة التسلط الأمريكي، لذلك فإن الصين اليوم في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لترسيخ علاقتها بروسيا وسورية وإيران لتكوين جبهة قوية ضد الهيمنة الأمريكية، ووضع حد لإنفرادها بالسيطرة على العالم من دون منازع وكسر سياسة الإحتواء، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة لأنه يقلص من هيمنتها ويقزم دورها في المنطقة،

اما الحرب الروسية الأوكرانية التي اثبتت فشل أمريكا في الدفاع عن حلفائها وأن وعودها بالحماية ليست إلا وعود كاذبة فأن روسيا تسيطر على الحرب بالكامل.

لذلك كان للموقف الروسي دور في لجم الإندفاع والتهور الأميركي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية، وقد كان الملف السوري واحداً منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الأميركي ضد سورية، وهو ما دفع بالرئيس الأميركي ”بايدن ” لتفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الروسي وحتى الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.

وهنا يأتي حديثنا عن سورية، اين سورية من النظام العالمي الجديد؟ اليوم سورية تضع قدمها على الطريق الصحيح بفضل جيشها وشعبها، وبنت شبكة من العلاقات الدولية تتسم بالثبات والقوة والمصلحة العليا للوطن، وكذلك إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول العالم العربي، وقيادة المؤتمرات العالمية بعد أن خاضت بنجاح حرباً قاسية خلال السنوات الماضية لتصبح قوية وقادرة على مواجهة التحديات في كل المجالات، حيث باتت قوة إقليمية رادعة تستطيع مواجهة انهيار النظام العالمي بثبات، بعد أن قضت على الإرهاب وواجهت التحديات بإصرار كبير، ولذلك كله أصبحت قادرة على التعامل والتكيف مع أي نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، فهذا النظام الجديد يحتاج سورية بقدر احتياج سورية للنظام العالمي الذي سيتشكل .

وهنا أرى إن الولايات المتحدة أصبحت غير قادرة على التعامل مع جميع الأزمات الدولية، في الوقت الذي تلعب فيه واشنطن دور القيادة من المقاعد الخلفية، عن طريق إعطاء توجيهات ومساعدة القوى الأخرى أكثر من تدخلها بشكل مباشر في حل الأزمات، لذلك هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وبكين وعودتهما بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن.

وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف دولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة.

وأختم مقالي: لطالما كانت دمشق صمام الأمان للوضع العربى تظل سورية الرقم الصحيح في المعادلات السياسية بالمنطقة، فمكانتها الجغرافية والتاريخية وثقلها السياسي جعلها رمانة ميزان التفاعلات الإقليمية وركائز الأمن القومي العربي وذراع الاستقرار، والتي تحدد بدورها جانبا كبيرا من ملامح التفاعلات الدولية

[email protected]