التدخل العسكري الروسي الدي جاء بناء على دعوة الحكومة السورية لمساعدة القوات العسكرية في كبح النشاطات الارهابية التي احتلت مساحات واسعة من البلاد مستهدفة مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية وأمن مواطنيها. لكن التدخل الروسي جاء مغايرا لرغبة الولايات المتحدة ودول عديدة في المنطقة مثل تركيا ودول الخليج واسرايل وغيرها. فهذه في سعي محموم مند سنوات للاطاحة بالنظام السوري الحالي ووضع المعارضة الاسلامية الموالية لها في السلطة بديلا عنه وانسجاما مع هدا المسعى تحاول الدول المذكورة اجهاظ النشاط العسكري الروسي في سوريا وافشاله بشتى الصور. وفي هذا الاطار يجب النظر الى عملية اسقاط الطائرتين الروسيتين وبوجه خاص الطائرة العسكرية سوخوي -24 التي اثار اسقاطها تساؤلات كثيرة حول الجهة أوالجهات المستفيدة من الحادث. فالفعل مدبر مسبقا والهدف شديد الوضوح وهو توجيه رسالة تحذيرية الى الرئيس بوتين لرفع يديه عن الرئيس بشار الأسد وترك سوريا ” للقوى الاسلامية المعتدلة” عدا ذلك فان العاقبة ستكون أكثر سوءا. فهل استلم الرئيس الروسي لرسالة التحذير تلك وما عليه فعله في الأسابيع والشهور القادمة قبل ان توجه له ضربة أخرى أشد إلاما من سابقتيها..؟؟
بدون شك كان وقع حادثتي الطائرتين على الرئيس بوتين صادم ومؤثر وكان سيكون أقل وطأة عليه وعلى الشعب الروسي من الناحية العسكرية والسياسية فيما لو ثم اسقاط الطائرتين من قبل المنظمات الارهابية ففي ساحة الحرب يوم لك ويوم عليك حتى تحسم المعارك لصالح أحد الفريقين. لكن أن يتم اسقاط الطائرتين من قبل حليف فأمر اخطر كثيرا من عملية “طعن بالظهر ” كما وصفها بوتين في أول رد فعل له على اسقاط الطائرة العسكرية. ومما يثير استغراب الباحث المحايد أن يخرج بوتين بهذا الرأي وهو السياسي ذي الخبرة الغنية في التحليل الاستخباراتي والأمني فأقل ما يقال عن انطباع كهذا أنه سادج وفي غير محله.
فاسقاط الطائرتين تم في ظرف اقل من شهر وهي فترة تكفي للاستنتاج بان الفاعل واحد في الحالتين سواء كان الأول داعش والثاني تركيا لا فرق ولابد لروسيا ان تحدد موقفها من جميع القوى المتورطة في الحرب الأهلية السورية وبخاصة الولايات المتحدة. فقد ثبت للرئيس بوتين بعد أقل من اسبوع على اسقاط الطائرة سوخوي – 24 نهاية شهر أكتوبر الماضي انها كانت تحت المراقبة والترصد المسبق. ففي تصريح له حول الموضوع كشف فيه بان الولايات المتحدة أطلعت تركيا على الخطة الروسية السرية اليومية التي ينفذها طيرانها داخل الأجواء السورية متضمنة مواعيد الاقلاع وخريطة بالمواقع التي سيتم قصفها وغير ذلك من التفاصيل المهمة من أجل تحاشي الصدام غير المقصود بين الطائرات الروسية والأمريكية في الجو . وجاء تصريحه تأكيدا لما صرح به بعض خبرائه العسكريين بأن الطائرات العسكرية التركية كانت على علم بمواعيد نشاط الطيران الروسي وبالذات الطائرة سوخوي – 24 حيث تم رصدها بدقة قبل استهدافها بصوراريخ جو – جو من طائرة تركية من طراز ف – 16.
وكلنا يتذكر كيف حولت الاحتجاجات المطلبية في سوريا بداية 2011 الى حرب بالنيابة عن الولايات المتحدة ودول الخليج واسرائيل لتغيير النظام حتى انتهت الى ماهي اليوم مسرحا للموت اليومي ينحر ضحاياه على أيدي محترفي الجريمة من المرتزقة الاجانب باسم الاسلام تتحكم الولايات المتحدة صاحبة القرار فيه بكل صغيرة وكبيرة فبايعاز منها ترصد الأموال وتشحن الاسلحة بانواعها. بمعنى أن قصف الطائرة العسكرية الروسية سواء تم داخل تركيا أو داخل سوريا لم يكن ليتم دون علمهم وموافقتهم. وان التحالف الذي تقوده في سوريا يسرع الخطى لتشديد الضغوط العسكرية على روسيا منتقدة العمليات الجوية التي تنفذها طائراتها على مواقع المنظمات الارهابية مرة بالاحتجاج على القصف بحجة استهدافه المعارضة المعتدلة وتارة بحجة استهدافه مواقع مدنية. وتأتي هذه الضغوط لاضعاف موقع الرئيس بوتين داخل شعبه لتضاف الى ما سبق واتخذته من اجراءات عقابية اقتصادية ومالية بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم اليها منتصف عام 2014. وكان الغرض من تلك الاجراءات احداث ضائقة اقتصادية تدفع الشعب الروسي للتمرد على رئيسه واسقاطه لقناعتها بان الرئيس بوتين يحاول اعادة تشكيل الاتحاد السوفييتي وهو الكابوس الذي لا تطيق أن تراه يبعث من جديد. ولهذا فانها تبذل جهودها داخل الناتو والاتحاد الاوربي لاقناع حكوماتها بهذا الهاجس والعمل معها لاقصاء بوتين عن السلطة في روسيا والمجيئ بشخصية على نمط قادة دول شرقي أوربا يكون أداة طيعة للسياسة الامريكية في العالم.
ولتحقيق هدا الهدف تسعى الولايات المتحدة وحليفاتها لتحويل سوريا الى أفغانستان ثانية تستنزف روسيا اقتصاديا وسياسيا تعجل في إنهاء عهد بوتين في الدولة الروسية مابعد الاتحاد السوفييتي. وفي مؤتمره الصحفي الدي عقده بعد انتهاء أعمال مؤتمرالقمة حول البينة في باريس حذر أوباما الرئيس الروسي من عدم استجابته لطلبه باقصاء الرئيس الأسد عن السلطة الذي بعكسه سيواجه الوضع الذي واجه الاتحاد السوفييتي في افغانستان قائلا: اعتقد ان الرئيس بوتين يدرك ذلك لأن افغانستان مازالت حية في ذاكرته وسيواجه في سوريا أفغانستان جديدة وسيغرق في الحرب الأهلية السورية وهي النهاية التي لا أعتقد ان الرئيس بوتين يسعى اليها. فالمعارضة السورية تخوض حربا مفتوحة ضد روسيا مشابهة لتلك التي واجهتها في أفغانستان عام 1979 خلال احتلالها لها وقد تحاشت الولايات المتحدة لحد الآن هذه المقارنة. وتوقع أوباما ان الرئيس بوتين سيقتنع اخيرا بأن امريكا على صواب منذ البداية في سعيها لازالة الأسد عن السلطة.